أثارت عدة قرارات اتخذتها الهيئة الوطنية للصحافة، حالة من الجدل والمخاوف حول مستقبل الصحافة القومية في مصر، وخاصة بعد قرار الهيئة القاضي بإعادة هيكلة وتأمين المواقع الإلكترونية التابعة لتلك المؤسسات بالتعاون مع إحدى الشركات الكبرى للأمن القومي، وتسديد ديونها، وبحث سبل تمويلها.
ثمانية قرارات للهيئة التي تخضع بشكل مباشر لتوجيهات الجهات السيادية بالبلاد أعلنها رئيسها الكاتب الصحفي كرم جبر، الأربعاء، أولها تنفيذ فكرة قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، بإنشاء ما أسماه بالمشروع القومي لموقع المحتوى الثقافي الرقمي، بمشاركة الصحف القومية ووزارتي الثقافة والآثار وهيئة الرقابة الإدارية.
وأثار جبر، الجدل بالقرار الثاني والقاضي بإعادة "هيكلة وتأمين المواقع الإلكترونية التابعة للمؤسسات الصحفية القومية، بالتعاون مع إحدى الشركات الكبرى للأمن القومي، لتطوير محتواها التحريري وانتشارها، وتأمينها ضد محاولات الاختراق".
وقررت الهيئة الوطنية للصحافة، أيضا، "دراسة احتياجات المؤسسات الصحفية وبحث سبل تمويلها، وتدبير احتياجات العاملين بها"، و"الموافقة على تسويات الديون التي قامت بها بعض المؤسسات الصحفية مع الجهات الدائنة"، و"مراجعة موقف الأصول غير المستغلة بالصحف القومية، وتنفيذ مشروعات ذات جدوى اقتصادية لزيادة قدرتها على سداد الديون".
وأعلنت عن إطلاق منصة إلكترونية واحدة لكل الإصدارات والمواقع الإلكترونية للصحف القومية لزيادة انتشارها بالتعاون ووزارة الاتصالات بإنشاء نظام اشتراكات للصحف إلكترونيا، و"تخصيص صالة كبرى لسائر الإصدارات القومية لأول مرة بمعرض الكتاب القادم، بمناسبة مرور 50 عاما على فعالياته"، و"المساهمة في منتدى الشباب الدولي 2019".
وتعاني المؤسسات الصحفية القومية من أزمة الديون كغيرها من الجهات الحكومية، وفي تشرين الأول/أكتوبر 2017، اعترف رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، بتصريحات تليفزيونية، أن ديونها بلغت 19 مليار جنيه، وهو الرقم الذي أكده رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب أسامة هيكل، بمؤتمر صحفي في حزيران/يونيو 2018.
والصحف القومية تقوم الدولة بإدارتها وتمويلها وتعيين رؤساء تحريرها، وتعبر عن رأي الحكومة وسياستها، وأهمها "مؤسسة الأهرام" التي تصدر يوميتين هما "الأهرام" منذ (1876)، و"الأهرام المسائي"، ونحو 15 جريدة ومجلة بين شهرية وأسبوعية ومطبوعتي "الأهرام إبدو" و"ويكلي" باللغة الإنجليزية، ويتبع "مؤسسة الأخبار" يومية "الأخبار" وأسبوعية "أخبار اليوم"، ونحو 9 إصدارات أسبوعية وشهرية، مع ما يصدر عن "دار التحرير" من يوميتي "الجمهورية" و"المساء"، ومطبوعات أسبوعية وشهرية وأجنبية مثل "إيجيبشيان جازيت" (1880)، و"لو بروجريه إيجيبسبان" (1893).
ويصدر من القاهرة يوميا نحو 9 صحف قومية إلى جانب عدد كبير من المواقع الإليكترونية التابعة لها، فيما يعمل بالصحف القومية نحو 50 ألف عامل، حسب تصريح للصحفي مجدي الحفناوي، كانون الثاني/ يناير 2017.
وتعاني الصحافة من التضييق وكبت الحريات ومنع تداول المعلومات وتعرض عشرات الصحفيين للاعتقال ومازال 91 منهم في سجون النظام العسكري الحاكم، الذي أقر قانون تنظيم الصحافة والإعلام المثير للجدل منتصف 2018، ووصفه صحفيون ونقابيون بأنه قانون "تدمير للمهنة" ويأتي وسط الحرب ضد الصحفيين وحريتهم في التعبير.
أشد وطأة من الستينيات
وفي تعليقه على قرارات الهيئة بإعادة هيكلة المواقع الإلكترونية التابعة للمؤسسات الصحفية القومية، بالتعاون مع إحدى الشركات الكبرى للأمن القومي، يعتقد الصحفي المصري بإذاعة "مونت كارلو الدولية" وليد عباس، أن "الهدف واضح، وهو السيطرة على المواقع الإخبارية والتحكم في عملية التحرير والنشر بعد أن تم ذلك في الاعلام التقليدي (صحف، إذاعة وتلفزيون)".
عباس، أوضح لـ"عربي21"، أن الدور على المواقع الإليكترونية "لأن الجميع يستخدم حاليا شبكات التواصل الاجتماعي، والمواقع الإخبارية، وبالرغم من أنها تتمتع بجمهور ما، إلا أنها تتحول إلى أداة متقادمة"، مؤكدا أن تلك الخطوات من الهيئة الوطنية للصحافة بحق الصحف القومية هي عودة لعصر الستينيات من القرن الماضي بل "أشد وطأة".
تأميم بطريقة "شيك"
واعتبر نائب رئيس تحرير جريدة الشعب رضا العراقي، أن الدولة بتلك القرارات وبعدما أطبقت يدها الأمنية على الصحافة الورقية الحكومية والخاصة؛ تريد بنفس القبضة السيطرة على الصحافة الإليكترونية وإخضاعها لسيطرتها"، موضحا أنها "سنت تلك الإجراءات لتقليصها في أضيق نطاق والسيطرة على المواقع الباقية".
العراقي، يرى بحديثه لـ"عربي21"، أن تلك القرارات ردة لعهد الستينيات وأنها أخطر على مستقبل المهنة، مضيفا "وهي تأميم ولكن بطريقة (شيك) عما اتخذه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في الستينات".
ويعتقد الكاتب الصحفي، أنه لن يتبقى من حرية للصحافة وحق تداول المعلومات وحق المواطن في المعرفة إذا تحولت تلك الصحف لنشرات حكومية كالوقائع المصرية، موضحا أن "نقل المعلومة وحرية انتشارها أصبح مستحيلا بفعل الضوابط التي حزمت تداولها ووضعت حجر عثرة فى طريق بلوغها للمتلقى إلا من خلال ما تراه الحكومة من معلومات وفق رؤيتها".
لا صحافة بدون حرية
ويرى صحفي كبير بصحيفة الأخبار الحكومية، أن دلالات ذلك القرار عميقة والمخاوف على مستقبل الصحافة القومية في هذا الإطار خطيرة وتحتاج ساعات وصفحات ودراسات، مؤكدا أنه "لا صحافة ولا إعلام بدون حرية".
الكاتب الصحفي، قال لـ"عربي21"، رافضا ذكر اسمه: "بإختصار شديد الصحافة (وأعني بها كل وسائل الإعلام والإتصال) في مصر ماتت أو تحتضر على أحسن الأحوال"، موضحا أن ذلك "نتيجة لغياب أو تغييب الحرية وسوء الإدارة وتدهور مستوى الكوادر البشرية القائمة على المهنة".
دعاة وبرلمانيون يطالبون بحظر النقاب.. هل يفعلها السيسي؟
تعثر برنامج السيسي لبيع الشركات (إنفوغرافيك)
برلمان السيسي يوافق على تمديد حالة الطوارئ لثلاثة أشهر