لم تعرف موريتانيا منذ استقلالها عن الاستعمار الفرنسي في العام 1960 انتقالا ديمقراطيا للسلطة، إذ غالبا ما كان الحكم ينتقل عن طريق الانقلابات العسكرية.
وكانت التجربة الوحيدة التي عرفتها البلاد، في العام 2007 حين سلم العسكر السلطة طواعية لأول رئيس مدني منتخب وهو سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، لكن سرعان ما انقلب عليه الجيش في العام 2008.
ومع بدء العد التنازلي لانتهاء الولاية الثانية للرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، بدأ موضوع انتقال السلطة يشغل الرأي العام الموريتاني، في ظل مخاوف من تعديل الدستور بهدف فتح عدد الفترات الرئاسية المقيدة باثنتين.
وازدادت هذه المخاوف قبل أيام بعد تقديم مجموعة من نواب الحزب الحاكم مبادرة تدعو لتعديل الدستور وإتاحة الفرصة أمام ولد عبد العزيز للترشح مرة ثالثة للرئاسة.
وأشعلت هذه المبادرة جدلا حادا في الأوساط السياسية في البلاد، وتسبب في انقسام حقيقي داخل الأغلبية الحاكمة، قبل أن يخرج ولد عبد العزيز ببيان الثلاثاء وضع من خلاله حدا للسجال السياسي بهذا الخصوص، إذ أعلن رسميا أنه لن يترشح لولاية رئاسية ثالثة.
"إحباط مغامرة"
ويرى رئيس "تيار الوفاق" سيدي أعمر ولد شيخنا، أن مبادرة تعديل الدستور التي قادها نواب في البرلمان، "كانت محاولة جس نبض سياسي وشعبي حول إمكانية المساس بمبدأ التناوب السلمي ومعرفة ما إذا كان بالإمكان فعلا تعديل الدستور".
وأضاف في تصريح لـ"عربي21": "لقد تم إحباط محاولة تغيير قواعد اللعبة وسط الطريق من القوى السياسية داخل البرلمان وخارجه التي عبرت عن المزاج الوطني الذي يعتبر التفريط في التراكم الديمقراطي والتشبث بالأشخاص على حساب الدستور والمؤسسات يمثل مغامرة خطيرة من شأنها دفع البلاد نحو المجهول".
وتابع السياسي الموريتاني: "مهما يكن لقد انتصرت الديمقراطية الموريتانية بفعل يقظة القوى الديمقراطية وتعقل الرئيس وأدوار أخرى غير معلنة من بعض المؤسسات الصلبة في الدولة".
ترحيب واسع
وفور صدور البيان الرئاسي الذي أكد أن ولد عبد العزيز، لن يترشح لولاية رئاسية ثالثة، رحب سياسيون وناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي بالقرار.
وعبر القيادي المعارض والرئيس السابق لحزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" محمد جميل ولد منصور على صحفته على فيسبوك عن ترحيبه بالقرار، وقال: "نأمل أن يكون هذا القوس قد أغلق وأن تصمت الأصوات النشاز وأن يكف المحركون لها".
من جهته قال رئيس حزب "الاتحاد والتغيير الموريتاني" صالح ولد حننا، إن المعارضة تسجل بارتياح بيان الرئاسية بشأن عدم ترشح ولد عبد العزيز.
ووصف في تغريدة على تويتر المبادرات التي كانت تدعو لترشيح ولد عبد العزيز بأنها "فتنة كانت ستحرق الأخضر واليابس لو أنها أشعلت".
في المقابل، قال الناشط في الأغلبية الحاكمة والمتحدث باسم "تحالف الأمل" أحمد ولد المامي، أن البيان الرئاسي "أظهر احترام ولد عبد العزيز لتعهداته ولخيار مبدأ التناول على السلطة".
وأشار في تصريح لـ"عربي21" إلى أن ولد عبد العزيز "اختار احترام الدستور رغم الحراك الكبير الذي أظهر رغبة الموريتانيين في أن يستمر النهج الحالي".
مخاض انتقال السلطة
ويرى المحلل السياسي، إمام الدين ولد أحمد، "أن الجدل السياسي والسجال الحاد الذي شهدته موريتانيا خلال الفترة الأخيرة والذي ارتفعت حدته مع محاولات برلمانيين تعديل الدستور، يدخل ضمن مخاض انتقال السلطة، بعدما بات من شبه المستحيل أن يجازف ولد عبد العزيز بالترشح لفترة رئاسية ثالثة".
وأشار ولد أحمد في حديث لـ"عربي21" إلى أن "الرغبة الكبيرة لدى الشعب الموريتاني بإحداث تناوب سلمي على السلطة وقوة ضغط المعارضة أجبرت ولد عبد العزيز على أن يعلن صراحة أنه سيترك كرسي الرئاسة في الانتخابات التي تجرى خلال أشهر".
ولفت إلى أن "المرحلة القادمة ستشهد انتقالا للسلطة عبر صناديق الاقتراع لأول مرة في تاريخ البلد منذ الاستقلال عن فرنسا"، مضيفا أن "هذا الانتقال للسلطة قد يكون شكليا إن استطاع ولد عبد العزيز تسويق أحد المقربين من دائرته الضيقة وإقناع الناخبين به، لكن قد يكون انتقالا حقيقا وجوهريا للسلطة، إن استطاعت المعارضة قلب المعادلة".
وأوضح أن "قوى المعارضة ستنافس بقوة إن استطاعت الاتفاق على مرشح موحد"، مضيفا أن "المؤشرات والتسريبات تظهر أن المعارضة ستدخل السابق الانتخابي بأكثر من مرشح وهو أمر قد يقلل من حظوظها في إحداث التغيير".
خيار التوريث
من جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي، أحمد ولد محمد المصطفى، أن الأحداث التي شهدتها موريتانيا خلال الأيام الماضية والخلاف داخل نواب الأغلبية الحاكمة "كشف أن عقبة التمديد للرئيس ولد عبد العزيز، ليست في المعارضة وحدها بقدر ما هي في الأغلبية الحاكمة أيضا".
وأضاف في تصريح لـ"عربي21" أننا في "الأيام الماضية كنا أمام انقسام حقيقي داخل الأغلبية الحاكمة نفسها، قبل أن يأتي البيان الرئاسي لإنقاذ الأغلبية التي كانت على وشك ما يمكن أن يقال إنه بداية تفكك".
وأوضح أن السيناريو الأكثر تداولا حاليا للمشهد السياسي القادم بموريتانيا، "هو أن يقوم ولد عبد العزيز بتوريث السلطة لأحد مساعديه أو المقربين منه"، مضيفا أن "الخيارات تكاد تنحصر حاليا في وزير الدفاع محمد ولد الغزواني، أو رئيس البرلمان الشيخ ولد بايه".
وتابع: "لقد شكل البيان الذي صدر عن الرئاسية أمس، دخولا في أجواء السباق الرئاسي، الأغلبية الحاكمة حاليا ترتب أوراقها بشكل متسارع، فيما لا تزال المعارضة مبعثرة وغير متماسكة، فلم تستطع حتى الآن الاتفاق على مرشح موحد، كي تدخل السباق الرئاسي بجدية".
جدل في موريتانيا عقب توقيع عريضة تطالب بتعديل الدستور
تجريم المقاومة.. هل نجح عباس بما فشلت به أمريكا؟
ما حقيقة وقف التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل؟