قالت صحيفة "أوبزيرفر" في افتتاحيتها، التي جاءت تحت عنوان "مجزرة كرايست تشيرتش: كنا بطيئين في التعامل مع تهديد اليمين المتطرف"، نحن بحاجة إلى التفكير في الدور الذي تقوم به حتى الأحزاب السائدة ووسائل الإعلام في نشر المواقف العنصرية.
وتقول الافتتاحية: "بعد الكثير من الهجمات التي رأيناها على مدى السنين أصبحت الهجمات الإرهابية عادية. وهذه مأساة، لكن مذبحة كرايست تشيرتش، التي راح ضحيتها 50 شخصا يوم الجمعة، أدت إلى صدمة وشعورا بالاشمئزاز حول العالم، رغم الدم والكراهية التي أشعلتها أيديولوجيات الكراهية في الماضي".
وترى الصحيفة أن "هناك أمرا مثيرا للرعب عندما يتم استهداف مؤمنين يتعبدون في مكان عبادة، إلا أن هناك عوامل أخرى وراء الغضب الجمعي: الاعتراف بانتشار وقوة وشراسة اليمين المتطرف الدولي، وما يقوم به من تغذية لكراهية الإسلام، التي وصلت عميقا إلى داخل الثقافة السياسية والطريقة التي أصبح فيها الإرهاب فعالا أكثر من خلال التكنولوجيا الحديثة، وفي هذه الحالة بث الجريمة البشعة من خلال صفحات (فيسبوك)".
وتشير الافتتاحية، التي ترجمتها "عربي21"، إلى أن "رسائل التضامن والتعاطف جاءت من أنحاء العالم كله؛ أملا في أن تقدم الراحة للمسلمين الذين لا يشعرون بالأمن وبأنهم غير مقبولين، لكن التفكير والدعاء لا يكفيان، فعندما ينتهي الحزن وتظل التعزيزات الأمنية، وهذا واجبنا نحو المسلمين واليهود وبقية الأقليات التي تشعر بالتهديد من اليمين المتطرف، فعلينا أن نسأل هذا السؤال: هل نعمل ما باستطاعتنا لمنع حدوث هجمات كهذه مرة أخرى؟".
وتجيب الصحيفة قائلة إن "الحقيقة التي يرثى لها هي أن التعبير عن التعاطف في مرحلة ما بعد الهجمات أمر أسهل من التفكير وعلى المدى البعيد في دور الساسة والإعلام التقليدي والمجتمعي في خلق المناخ الذي انتعش فيه اليمين المتطرف".
وتقول الافتتاحية إن "الغرب أساء تقدير المخاطر النابعة من إرهاب اليمين المتطرف، فاغتيال النائبة جو كوكس في عام 2016 أصاب بريطانيا بالخدر والصدمة، لكن ما هي الدروس التي تم تعلمها في أعقاب اغتيالها؟ ومنذ ذلك الوقت تنامت قوة اليمين المتطرف، ففي حزيران/ يونيو 2017 قتل رجل وجرح عدد آخر عندما قام متطرف يميني بدهس مصلين أمام مسجد فينزبري بارك في شمال لندن، وشهد العام ذاته 11 عملية إرهابية، فيما تم إحباط مؤامرة للحركة التي تنتمي للنازيين الجدد (ناشونال أكشن)، التي كانت تخطط لاغتيال النائبة روزي كوبر، ولهذا السبب حذر مدير مكافحة الإرهاب في الشرطة مارك راولي من أن بريطانيا (لم تستيقظ بعد) لخطر اليمين المتطرف".
وتعلق الصحيفة قائلة إن "بريطانيا ليست البلد الوحيد الذي يواجه خطر التهديد اليميني المتطرف وإرهابه، فقد سجلت في الولايات المتحدة زيادة الهجمات التي قام بها اليمين، خاصة ما بين 2016 و2017، وقتل في العام الماضي 11 يهوديا كانوا يتعبدون في كنيس في مدينة بيتسبرغ، وفي الوقت ذاته قرر ترامب تقليل الميزانية المخصصة لمواجهة الإرهاب المحلي".
وتجد الافتتاحية أن "هناك ميلا لدى الساسة للتقليل من عنف اليمين المتطرف، والزعم بأنها نتاج أفراد وجماعات هامشية، فيما يتم النظر إلى جماعات الإرهابيين المسلمين على أنهم تهديد يحاول تدمير القيم الغربية الليبرالية".
وتعلق الصحيفة قائلة إن "الازدواجية هذه نابعة من سهولة نسبة الشر المنظم إلى جماعات نابعة من مجتمعات لا تشترك كثيرا في القيم مع الغرب، بدلا من الاعتراف بأن الشر نابع في الحقيقة من جماعات تعيش داخله".
وتستدرك الافتتاحية بأن "الفشل هذا أعمى الغرب ومنعه من الاعتراف بوجود قاعدة مشتركة بين إرهاب اليمين المتطرف وإرهاب المتشددين الإسلاميين، فهما يشتركان في أهمية البيانات والأدبيات غير العنيفة والأفكار في تجنيد أشخاص للقيام بعمليات إرهابية، أما الأمر الثاني فهو دور إعلام التواصل الاجتماعي في نشر هذه الأفكار وزرع الكراهية في النفوس، فمثل نظرائهم الإسلاميين يعد إرهاب اليمين المتطرف جزءا من حركة أوسع، فعندما تكون الحركة قوية وواسعة تكبر فيها قوى العنف".
وتلفت الصحيفة إلى أن حزب الاستقلال في بريطانيا تبنى أفكار اليمين المتطرف في ظل زعيمه جيرالد باتن، الذي وصف الإسلام بـ(دين يقدس الموت)، واعتبر ستيفن ياكسلي- لينون، المعروف باسم تومي روبنسون، مستشارا له، ومن بين الناشطين الأكثر متابعة في أوساط اليمين المتطرف وعلى مستوى العالم فأكثر خمسة يحظون بمتابعة على وسائل التواصل الاجتماعي هم بريطانيون، وفي أوروبا يتزايد الجذب لليمين الشعبوي، الذي يجذب كارهي الإسلام والمعادين للسامية، ويزيد من قاعدته الشعبية وفي السياسة مثل فيكتور إربان في هنغاريا، وماتيو سالفيني في إيطاليا، وياروسلاف كازينسكي في بولندا".
وتذهب الافتتاحية إلى أن "المسألة لم تعد متعلقة بالأطراف والهوامش، بل إنه في بريطانيا يعاني الحزبان الرئيسان من مشكلات العنصرية والكراهية، فحزب المحافظون متهم بعدم التحرك للحد من خطاب كراهية الإسلام في صفوفه، بل إن أعضاء الحزب تواطأوا في نشر كراهية الإسلام، مثل بوريس جونسون، الذي قارن النساء المسلمات المرتديات النقاب بصندوق البريد وسارقات البنوك".
وتنوه الصحيفة إلى أنه بحسب مركز "تيل ماما"، الذي يرصد جرائم الكراهية ضد الإسلام، فإن الحوادث التي تستهدف النساء المرتديات النقاب زادت، وفي عام 2016 استخدم مرشح حزب المحافظين لبلدية لندن زاك سميث خطابا عنصريا، واتهم مرشح حزب العمال، صادق خان بالإرهاب، وبدلا من وقفه فإن زعيم المحافظين في حينه ديفيد كاميرون انضم له، فيما قالت تيريزا ماي، التي كانت وزيرة الداخلية، إن خان لا يصلح لأن يقود لندن.
وتذكر الافتتاحية أن زعيم العمال جيرمي كوربن، واجه اتهامات لحزبه بمعاداة السامية، وفي الوقت ذاته وقعت وسائل التواصل الاجتماعي في شرك بث الأخبار الزائفة، فبعد الهجوم في كرايست تشيرتش ظلت اللقطات على "فيسبوك" ولساعات، بحيث شاهدها الملايين في العالم، وسارعت مؤسسات إعلامية لمنح المعادين للإسلام منبرا باسم حرية التعبير، رغم معرفتها أن هذه الحرية في نشر الكراهية هي سبب المجزرة.
وتختم "أوبزيرفر" افتتاحيتها بالقول إنه "قبل 8 أعوام قالت نائبة زعيم حزب المحافظين السابقة سيدة وارسي، إن كراهية الإسلام لم تعد مجرد حديث حول طول العشاء، إن العالم يواجه امتحانا في رده على كرايست تشيرتش، هل مجرد التعبير عن التضامن كاف؟ أو هل على الساسة مواجهة أشكال الكراهية كلها مهما كانت وأين وجدت؟ وهذا سيكون تشريفا لأرواح الذين قتلوا يوم الجمعة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
أتلانتك: كيف وظف اليمين وزارات الداخلية بأوروبا لمنع الهجرة؟
أوبزيرفر: زيادة نشاط اليمين المتطرف ببريطانيا على الإنترنت
تعرف على دلالات رموز عنصرية استخدمها إرهابي نيوزيلندا