خلال عملي صحفيا ورقيا، تم تكليفي بـ"تغطية" مؤتمر غمة عربية؛ معروف عنا نحن أهل السودان أن حرفي القاف والغين يربكان ألسنتنا، فنأتي بهذا مكان ذاك، ويعايرنا بذلك كثير من عرب المشرق، بينما لا يرون بأسا في جعل الجيم قافا يمنية (غير مقلقلة)، وجعل الهمزة تطيح بحرف القاف.
وما زال عرب كثر لا يعرفون هل هذا البلد أو ذاك أنجولا أم أنغولا، نيكاراجوا أم نيكاراغوا؛ أورجواي أم أوروغواي، وهل الزعيم الفرنسي الأشهر ديجول أم ديغول، والرئيس الأمريكي الأسبق أهو ريجان أم ريغان؟ وفي منطقة الخليج تحار في أمر الضاد والظاء، وإذا لم تكن خليجيا قد تحسب أن هناك مدينة اسمها أبو ضبي في دولة الإمارات، ذلك لأن "قلب" الحروف السائد في عاميات بعض الدول، يسري على اللغة الفصيحة المكتوبة.
أول مؤتمر غمة عربي كان في عام 1946، وكان الموضوع الرئيسي على جدول أعماله هو "مخاطر ضياع فلسطين"، وبعدها ضاعت فلسطين،
خطاب مستنسخ
ما لم يكن هينا هو تكليفي بكتابة افتتاحية عن الغمة/ القمة، فقد كان رأيي فيها وقتها، وما زال رأيي فيها اليوم أنها هدر للوقت والطاقات والمال (نفقات سفر الزعماء مع الحاشيات ومسكنهم وطعامهم ونثريات المهام الخارجية)، نظير جلوس أولئك الزعماء لبضع ساعات ليقولوا كلاما معاد التدوير عن فلسطين والتضامن والمصير المشترك.
قمت بمغامرة محسوبة للخروج من مأزق كتابة افتتاحية متفائلة، عن أمر ثقيل على نفسي: رجعت إلى أرشيف الصحيفة الخاص بالغمة/ القمة قبل الأخيرة، ونسخت الافتتاحية بالمسطرة، أي حرفيا، وقدمتها لكبير المحررين في ساعة متأخرة من الليل، وطفقت بقية ليلي أتلو قوله تعالى "وجعلنا من بين أيديهم سدا...." إلى آخر الآية الكريمة، كي لا يكتشفوا جريمة السطو التي قمت بها، فأغشاهم الله ولم يبصروا ما حدث، فتشجعت وسويتها مرة أخرى في مؤتمر قمة آخر، أي نشرت نفس الافتتاحية للمرة الثالثة (المرة الثانية من جانبي).
يقول بعض المحللين السياسيين إن مؤتمر الخرطوم في آب/ أغسطس من عام 1976 كان الأكثر أهمية وجدية، وما زال كثير من العرب يلوكون باعتزاز لاءات الخرطوم الثلاثة: لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل.
حصل خير ولم ينتبه أحد إلى الاستنساخ، لسبب بدهي، وهو أن مداولات القمم ومخرجاتها أيضا معادة التدوير ومستنسخة، بل أن معظم الوجوه في اثنتي عشرة مؤتمر قمة متتالية كانت أيضا هي، هي.
أول مؤتمر غمة عربي كان في عام 1946، وكان الموضوع الرئيسي على جدول أعماله هو "مخاطر ضياع فلسطين"، وبعدها ضاعت فلسطين، وصارت موالا ثابتا في جميع مؤتمرات القادة العرب، ويقول بعض المحللين السياسيين إن مؤتمر الخرطوم في آب/ أغسطس من عام 1976 كان الأكثر أهمية وجدية، وما زال كثير من العرب يلوكون باعتزاز لاءات الخرطوم الثلاثة: لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل.
وانظر يا رعاك الله حال تلك اللاءات اليوم، وستدرك أنها لا تختلف كثيرا عن قول أحدهم عندما يمر بقوم يأكلون: لا سلام على طعام، فيُجبر أولئك القوم على رد تحية مستترة، لأنه لو كان مقتنعا بعدم جواز السلام أثناء الطعام، لأمسك لسانه حتى يفرغ القوم من الاستطعام.
حتى يوم الناس هذا انعقد ثلاثون مؤتمر قمة عربية عادية، وثلاثة مؤتمرات اقتصادية، وتسعة مؤتمرات غير عادية، ومثلها مؤتمرات طارئة، وفي تقديري فإن مؤتمر القمة الوحيد الذي يستحق مسمى "غير عادي"، كان ذاك الذي انعقد في مصر في أيلول/ سبتمبر من عام 1970 و"أدى" إلى وفاة جمال عبد الناصر كمدا، بعد تداول أمر مذابح أيلول الأسود التي راح ضحيتها مئات الفلسطينيين والأردنيين.
أما بقية القمم غير العادية، وقد غطيت عددا منها مكرها لا بطلا في سياق أداء مهامي الرسمية، فلم أفهم قط لماذا فازت بتلك التسمية الاستثنائية، تماما كما لم أفهم ماذا تقصد المطربة التونسية لطيفة وهي تردد علنا عبر الأثير: حبك هادي/ وأنا ملّيت الحب العادي؛ فهل هناك حب فوق أو تحت العادة؟
وقد يتهمني البعض بالتحامل على القمم العربية، وهذا شرف لا أدَّعيه، وتهمة لا أُنكرها، ولكن أتحدى جميع الصحفيين والمراقبين والمحللين السياسيين في جميع أنحاء العالم أن يأتوني فور قراءة هذه الجملة بخمسين في المائة من نتائج قمة تونس الأخيرة.
بلاش النتائج: ما هي الصورة الراسخة في أذهانهم عن تلك القمة غير ظاهرة انتشار فيروس النوم الوبائي بين الوفود المشاركة في قمة الغمة؟
قوات حفتر تمنى بخسائر في طرابلس.. هل ستكون العملية الاخيرة؟!
خالد أبو النجا.. "سكتنا له.. دخل بحماره"!
سقوط بوتفليقة وهجوم حفتر على طرابلس.. أية علاقة؟