شكّل الإعلام عبر العصور والحضارات وما زال يُشكل حتى يومنا هذا مصدر الاهتمام الكبير والمتنامي من قبل الجميع، فالإعلام هو الرافد الإستراتيجي للثقافة والسياسة والاقتصاد والحرب والسلم...الخ، فصاحب الإعلام القوي يستطيع أن يمرر صورته وكلمته ورأيه ويستطيع أن يؤثر في الآخر وأن يوّجه الرأي العام في الاتجاه الذي يريده، فالساسة الكبار ورجال الأعمال الناجحون وصناع القرار والرأي لا يستطيعون أن يستغنوا عن الإعلام ولا يستطيعون النجاح بدونه، فالحروب أولها الكلام، والعلاقات الحميمية والصديقة بين الدول تمهد لها وسائل الإعلام بمخرجاتها ورسائلها المختلفة.
العالم العربي والإسلامي اليوم يعاني من مشكلتين كبيرتين: الأولى تتمثل في عدم فهم الآخرين له وعدم إدراكهم لحقيقة الحضارة والثقافة العربية والدين الإسلامي، فهناك تزييف وصور نمطية وتشويه وتضليل، أما المشكلة الثانية فتتمثل في أن العرب ومن خلال وسائل الإعلام المختلفة فشلوا فشلاً ذريعاً في تصحيح المغالطات والتشويه والتضليل، كما فشلوا في مخاطبة ومحاورة الآخر بلغته ومنطقه، الأمر الذي أدى إلى إخفاقهم في تقديم صورتهم الحقيقية للآخر. فهناك مشكلة اتصال كبيرة جداً بين العرب والآخرين الأمر الذي أدى إلى عدة مغالطات والتباسات وصور نمطية انعكست سلباً على معاملة الآخر للعرب والمسلمين.
الجميع يكاد يتفق على أن الإعلام العربي يعاني من عقم كبير ومن ضعف خطير في القيام بدوره محلياً ودولياً وفي مواجهة الآخر وتقديم الصورة الحقيقية عن العرب والمسلمين والإسلام للآخر. أين يكمن الإشكال؟ في الرياض تم فتح محور التعليم والتدريب الإعلامي، وهل أقسام ومعاهد وكليات الإعلام والاتصال الجماهيري تقوم بدورها كما ينبغي في عملية تأهيل وتكوين الصحفيين حتى يقوموا بدورهم ومهامهم على أحسن وجه. ما هي العلاقة بين المؤسسات الإعلامية وأقسام الإعلام والاتصال في الوطن العربي؟ هل تطغى على التكوين الإعلامي المساقات النظرية؟ هل جرعة ساعات التدريب قليلة؟ أين يكمن الخلل؟ وهل أقسام الإعلام سواء في الوطن العربي أو في باقي دول العالم تكوّن صحافيين جاهزين لخوض غمار الممارسة الإعلامية؟ أم أن الأمر يتطلب وقتاً معتبراً والحرفية والمهنية لا تأتي إلا بعد سنوات من الممارسة الفعلية والحقيقية في أرض الميدان. هل تتحدد المشكلة هنا في التعليم والتدريب الإعلامي؟ أم أن هناك قضايا أخرى لها انعكاساتها وتداعياتها على العمل الإعلامي؟.
الدراسات النظرية والممارسة الميدانية تؤكدان أن القائم بالاتصال ونظرا لأهمية المنتج الإعلامي الذي يصنعه بحاجة إلى مهارات فنية في الكتابة والتحليل ومهارات في استقاء المعلومة ووضعها في إطارها الصحيح وثقافة عامة قوية في مجال السياسة وعلم الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد والإدارة إلى غير ذلك. إضافة إلى ذلك القائم بالاتصال بحاجة إلى متابعة يومية لما يجري من حوله وفي العالم وقد تكون هذه المتابعة كل ساعة وبصفة مستمرة ودورية. هذا من جهة، من جهة أخرى القائم بالاتصال يقدم منتجاً إعلامياً فكرياً أيديولوجياً وسياسياً، له أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية الخ.. وهذا يعني أن العمل الصحفي يجب أن يحظى بقوانين وأخلاقيات وحماية وصيانة واحترام الجميع، فالصحافي، حتى يؤدي مهمته ورسالته على أحسن وجه يجب أن يكون محمياً من طرف القانون ويجب أن يتحلى بالمسؤولية والأخلاق والقيم العالية، حيث إنه يمثل السلطة الرابعة التي تراقب السلطات الثلاث في البلاد، وكذلك يمثل الشعب والمصلحة العامة، فالإعلام الفعال بحاجة إلى أرض خصبة تتميز بالديمقراطية وبالممارسة السياسية الفعالة وبمجتمع مدني قوي وبالفصل بين السلطات وبمواطن مسؤول وواع.
في الواقع الإعلام العربي يعكس الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في الدول العربية، وحتى نكون واقعيين، فإنه من المستحيل أن نطالب بإعلام مسؤول وقوي وفعال في مناخ سياسي غير ديمقراطي، ولا نستطيع أن نطالب بإعلام قوي في غياب مجتمع مدني قوي، وقوى مضادة وممارسة سياسية قوية...الخ. وانطلاقا من مبدأ فاقد الشيء لا يعطيه، فالإعلام العربي لا يستطيع أن ينافس ويصحح الصور النمطية وحملات التضليل والتشويه في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها وينجز فيها مهامه وأعماله اليومية. ففي غياب الحرية والفصل بين السلطات وأخلاقيات المهنة تصبح الممارسة الإعلامية نوعاً من الصناعة الروتينية التي تهتم بالقشور على حساب المضمون والمشاكل الحقيقية اليومية التي تعيشها الغالبية العظمى من الجماهير. وبهذا ينسلخ الإعلام عن المجتمع وهمومه وشجونه ويصبح وظيفة إدارية تجميلية تسّبح لصاحب السلطة والنفوذ.
قد يكون هناك قصور في التعليم والتدريب الإعلامي، قد يكون هناك تركيز من قبل أقسام وكليات ومعاهد الإعلام والاتصال الجماهيري في الوطن العربي على الجوانب النظرية على حساب الجوانب التدريبية العملية، لكن المشكل أخطر من هذا بكثير يكمن في آليات صناعة القرار والفعل السياسي داخل كل دولة عربية، فالصحفي العربي يجد نفسه في الكثير من الحالات يمارس الرقابة الذاتية ويتجنب الخوض في القضايا المهمة والحساسة التي من شأنها أن تغير مجرى الأمور وتصحح الأخطاء وتكشف المستور وتنير الرأي العام حتى يستطيع أن يناقش عن دراية همومه وقضاياه ومشاكله. فإذا كانت الشفافية غائبة، وإذا كانت الديمقراطية مغيبة في المجتمع كيف بنا أن نطالب بإعلام ديمقراطي شفاف وفعال في المجتمع؟!. فالنظام الإعلامي في أي مجتمع وفي أي بلد ما هو إلا نظام فرعي من النظام وما هو في حقيقة الأمر إلا أحد مخرجات النظام، فالنظام غير الديمقراطي يفرز نظاماً إعلامياً عقيماً وضعيفاً لا يستجيب لواقع ومتطلبات واحتياجات الرأي العام في المجتمع. وفي هذه الحالة لا يستطيع أن يكون فاعلاً ومحدداً للمخرجات السياسية والاقتصادية في المجتمع.
عن صحيفة الشرق القطرية