جاء التهديد الأوروبي، باتخاذ عقوبات إضافية ضد تركيا، في حال استمرت في عمليات التنقيب عن الغاز قبالة قبرص في البحر الأبيض المتوسط، ليثير تساؤلات مهمة عن كيفية تعامل أنقرة مع هذا التهديد، ومدى تصاعد الخلاف بين الطرفين بشأن هذه المسألة، وطبيعة الرد التركي في حال فُرضت العقوبات الأوروبية.
وفي هذا السياق، قالت وزارة الخارجية التركية السبت،
إن "مقترح القبارصة الأتراك، والمتمثل بالاستخدام المشترك لموارد الجزيرة،
سيساهم في تطوير السلام والتعاون، وسيشكل أرضية مناسبة لحل قضية قبرص إذا تمت
الموافقة عليه".
وسبق أن أعلنت الخارجية التركية أن "سفينة
الحفر الثانية في تركيا وهي (يافوز) وصلت قبالة ساحل قبرص الشرقي وستجري عمليات
الحفر، لأنها تستند إلى أسس قانونية وشرعية"، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى
تعليق المحادثات الرفيعة بينه وبين أنقرة حول اتفاقية النقل الجوي، إلى جانب تجميد
التمويل لتركيا المخصص للعام المقبل.
وأشار الاتحاد الأوربي إلى أن المجلس وافق "على
اقتراح المفوضية الأوروبية لخفض المساعدات لأنقرة، ويدعو بنك الاستثمار
الأوروبي إلى مراجعة أنشطة الإقراض لتركيا، بما في ذلك الإقراض السيادي"، ومن
المتوقع اتخاذ القرار النهائي بشأن معاقبة تركيا الاثنين المقبل، عندما يجتمع
وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي.
اقرأ أيضا: تركيا تشرح سياستها لعدد من الدول بشأن "غاز المتوسط"
وتعليقا على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي التركي
جاهد توز إن "هناك قوانين دولية وصفقات تتعلق بهذه المنطقة"، معتقدا أن
"تركيا لن تلتفت إلى هذه التهديدات والتصريحات التي تأتي من قبل دول أوروبية
أو أي دول أخرى".
وأضاف توز في حديث لـ"عربي21" أن
"تركيا تنظر إلى حقها وستواصل عمليات البحث عن الغاز في منطقة شرق البحر
المتوسط، ولن تتخلى عن هذا الملف"، مشيرا في الوقت ذاته إلى إمكانية أن
"يكون هناك في الأيام المقبلة لجنة مشتركة بين أنقرة والدول الضامنة لملف
قبرص".
وذكر توز أن "هناك بعض الأطراف ليس لها أي حق،
وتتدخل في هذا الملف بشكل يخالف القانون الدولي"، مرجحا أن "تكون
التهديدات الأوروبية مجرد تصريحات، ولن تتحول إلى التنفيذ، نظرا لامتلاك تركيا
أوراق قوة تستطيع من خلالها التأثير على الموقف الأوروبي".
ولفت المحلل السياسي التركي إلى أن "تركيا تريد
حل هذا الموضوع من خلال المسار الدبلوماسي"، معتبرا أن "هذه التهديدات
ربما يكون هدفها الضغط على تركيا، لكنها لن تنقل إلى مرحلة التنفيذ ضد أنقرة، لأن
الطرفين بحاجة إلى بعضهما البعض، من نواحي عدة منها الاقتصادية والسياسية
والعسكرية".
أوروبا ليست جادة
وأشار توز إلى أنه "في حرب قبرص عام 1976 نفذت
دول أوروبية وأمريكا عقوبات ضد تركيا، لكنها استمرت لفترة قصيرة جدا، لأن هذه
الدول دون تركيا لا يبقى لها نفوذ وهيمنة في هذه المنطقة"، بحسب تقديره.
وفي حال نفذ الاتحاد الأوروبي عقوباته ضد تركيا،
توقع توز أن "ترد تركيا بتهديد نفوذهم بالمنطقة، والإضرار بمصالحهم التي
تستطيع أنقرة التأثير فيها"، مستبعدا في الوقت ذاته أن "تكون أوروبا جادة
في تنفيذ العقوبات، لأنها ستكون الخسارة عليها بشكل أكبر".
من جهته، أكد الكاتب التركي محي الدين أتامان أن
"منطقة شرق البحر المتوسط تكتسب أهمية لتركيا، لأنها أصبحت مصدر تهديد لها
بسبب الأنشطة الانفرادية لبدان إقليمية أخرى"، منوها إلى أن "أنقرة
أنشأت وكالة تنسيق شؤون قبرص برئاسة نائب الرئيس أو أحد الوزراء، بهدف ضمان
التنسيق الكامل لعلاقاتها مع جمهورية شمال قبرص".
وأوضح أتامان في مقال اطلعت عليه "عربي21"
أن موقف الاتحاد الأوروبي أصبح مؤيدا لليونان لأسباب عدة، مبينا أن "اليونان
وقبرص اليونانية اتبعتا استراتيجية دبلوماسية ثلاثية المسارات، أحدها ثنائي والآخر
إقليمي والثالث دولي، إلى جانب استغلال مبادئ القانون الدولي ذات الصلة".
اقرأ أيضا: تهديد أوروبي بعقوبات إضافية ضد تركيا لتنقيبها عن غاز المتوسط
ورأى أتامان أن الجانب اليوناني نجح في تعبئة
الاتحاد الأوروبي لصالحهم في هذه المسألة، مستدركا بقوله: "رغم ذلك فإن تركيا لن
تتخلى مطلقا عن أنشطتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لأن شرق المتوسط يمثل
منطقة حيوية لسيادتها الوطنية، وأي تطور بالمنطقة يؤثر بشكل مباشر على
مصالحها".
واعتبر الكاتب التركي أن "التطورات الأخيرة
أظهرت أن تركيا هي واحدة من أكثر الدول فاعلية، وأنها لاعب أساسي، بل وقادر على
تغيير قواعد اللعب في المنطقة، وأنها كذلك تتمتع بقوة دفاعية كبيرة"، متوقعا
أن تبقى أنقرة مصممة على عدم السماح بحدوث أي أمر واقع، أو أي أنشطة حفر وتنقيب من
جانب واحد مثل الجانب اليوناني.
وتابع أتامان: "تركيا مصممة على مبارزة أي
خطوات اقتصادية وعسكرية في المنطقة، وستواصل أنشطة الاستكشاف والبحث في شرق البحر
المتوسط".
لماذا غابت إيران ومليشياتها عن معارك ريف حماة؟
خاص لـ"عربي21: ابن سلمان يقرر سياسة المواجهة مع تركيا
هل تنشر تركيا منظومة أس400 الروسية بالقرب من سوريا؟