لا تزال قضية منى محمود محمد الشهيرة بـ"أم زبيدة" تمثل جرحا نازفا وأزمة إنسانية بامتياز، بسبب تعنت السلطات المصرية معها وعدم الإفراج عنها، رغم صدور عدة أحكام قضائية بإخلاء سبيلها.
وتداول نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي لرسالة "أم زبيدة" التي خطتها بيدها من داخل محبسها تظهر معاناتها. وجاء في الرسالة:
ألا يوجد في هذه الأمة رجل رشيد يُجيب على تساؤلات
لماذا أنا في السجن؟
أليست غريزة الأمومة خلقها الله بداخل جميع الكائنات؟
فلماذا أُعاقب على بحثي عن ابنتي؟
ولماذا تقطع أوراق إخلاء سبيلي بعد أن يتم التصديق عليها؟
يا أطباء أجيبوني، هل يوجد جراحة لاستئصال غريزة الأمومة من داخلي، حتى يسمحوا لي بالخروج من السجن، حتى يضمنوا أنني لن أبحث عن ابنتي ثانية.
لقد أثقل قلبي من وجع الفقد، ووجع السجن. وانتهكت روحي من كثرة الأمل الذي لا تشرق شمسه في ظلمة الحبس. أعلم أنه لا يعرف العذاب بالقيد إلا من حز القيد رسغه، ولا يدرك المرارة إلا من غص المرار حلقه.
منى محمود محمد (أم زبيدة)
وتعاني منى من عدة انتهاكات بدنية ونفسية تمارس ضدها من قبل السلطات المصرية، مع استمرار حبسها بشكل غير قانوني، على خلاف القرارات الصادرة من نيابة أمن الدولة العليا بإخلاء سبيلها، وهو ما أدى إلى قيامها بإعلانها الإضراب الكلي عن الطعام وقص شعرها بالكامل بتاريخ 3 آب/ أغسطس الجاري، اعتراضا على ما تواجهه من معاملة لا إنسانية وتعنت على يد إدارة السجن وقطاع الأمن الوطني.
وكانت عناصر الأمن الوطني قد اعتقلتها بتاريخ 28 شباط/ فبراير 2018، ووجهت لها اتهامات تضمنت "نشر أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالمصالح الوطنية للبلاد"، والانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف الدستور والقانون". وحصلت على عدة أحكام بإخلاء السبيل آخرها الصادر في 27 تموز/ يوليو الماضي.
وتعقيبا على أزمة أم زبيدة، قال عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، جورج إسحاق، إن ما يجري مع هذه السيدة "مخالف للقانون والدستور. لأن من حصل على قرار بالإفراج وحكم قضائي بذلك، من حقه طبقا لكل المواثيق أن يخلى سبيله ولا يتم التعنت معه أو تأخير الإفراج لأي سبب من الأسباب".
اقرأ أيضا: النيابة المصرية توقف "أم زبيدة" مجددا بعد قرار إخلاء سبيلها
وأضاف إسحاق في تصريح لـ"عربي21" أن "ما يجري مع أم زبيدة يأتي في هذا السياق. والتعنت معها مرفوض بالطبع، خاصة أنها حصلت على عدة أحكام بإخلاء السبيل، وبالتالي يجب تنفيذ ذلك وإطلاق سراحها"، مشيرا إلى أن مثل هذه الممارسات تعد مسألة خطيرة ويجب على الدولة تدارك ذلك ووضع حد له.
وتابع إسحاق: "يجب على أسرتها التقدم ببلاغ للنائب العام لشرح ما جرى معها، على أن يكون متضمنا لأحكام إخلاء السبيل، ليطالبوا من خلاله بتنفيذ هذه القرارات ووضع حد لبقائها بالسجن دون مبرر".
واستطرد: "يمكن التقدم بشكوى إلى مقر مجلس حقوق الإنسان بهذا الصدد، وتضمينها تفاصيل ما جرى معها حتى يمكن اتخاذ اللازم، وتنفيذ قرارات الإفراج".
ومن جانبه، قال الكاتب الصحفي خالد الشريف في تصريحات خاصة لـ "عربي21": "نحن أمام نظام فاشي يحارب ويعاقب المصريين على إنسانيتهم ووقوفهم بجانب المظلومين، ولذلك فمنظمات حقوق الإنسان تتهم هذه السلطة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية".
وأضاف: "جريمة أم زبيدة أنها تدافع عن ابنتها التي انتهكوا حرمتها وشرفها وعذبوها".
وتابع خالد الشريف قائلا: "هذا النظام أصيب بلوثة جنونية، وليس عنده شرف في الخصومة فينتقم من النساء والأمهات، ولا يراعي حرمة لأحد، خاصة أننا أمام أم تدافع عن ابنتها من ظلم وجور وإخفاء قسري لها، فيتم الانتقام منها والزج بها في غياهب السجون".
وأوضح الشريف أن المحكمة قضت بإخلاء سبيل "أم زبيدة" عدة مرات، إلا أنه تم التحايل على أحكامها وتم الاعتراض واستمرار حبسها دون سند قانوني أو دليل.
وسجل الشريف أن "هذه امرأة ضعيفة، فقيرة، لا تنتمي لفصيل سياسي يقف النظام بجبروته وطغيانه ضدها. هذه صورة لم نرها في عصور الجاهلية ولا القرون المظلمة".
وطالب الكاتب الصحفي منظمات حقوق الإنسان والأحزاب أن تتحرك لإنقاذ "أم زبيدة"، وإجبار النظام على التحقيق في كارثة ابنتها، داعيا من وصفه بالإعلام الحر أن يولي هذه القضية اهتماما خاصا، "فهي مثل صارخ على جرائم السيسي ضد الإنسانية في مصر"، كما دعا إلى إثارة القضية في المحافل الدولية ومنظمات حقوق المرأة والطفل.
اقرأ أيضا: هكذا احتجت "أم زبيدة" المصرية على حبسها وإخفاء ابنتها
أما المحامية أمال مصطفى، فترى أن ما يجري لأسرة أم زبيدة شيء لا يصدقه عقل، سواء ما جرى لابنتها وما تعرضت له من قهر واغتصاب، أو ما جرى لأمها التي دافعت عنها وأرادت أن تثير قضيتها في وسائل الإعلام، لتزيد معاناة الأسرة وتتعقد الأمور أكثر بالقبض على الأم التي قاربت على قضاء عام ونصف داخل سجن القناطر بشكل غير قانوني، في ظل إصرار السلطات المصرية على سلب حقوقها في الحرية وإخلاء السبيل، وحصولها على ثلاث أو أربع إخلاءات سبيل.
ودعت المحامية أمال "كل ضمير أن يتحرك سواء داخل مصر أو خارجها من خلال المنصات الحقوقية والإعلامية لوقف هذه الجرائم التي تمارس ضد هذه السيدة المغلوب على أمرها، والتي تواجه بمفردها دولة متمثلة في شرطتها وإعلامها وباقي مؤسساتها".
هكذا احتجت "أم زبيدة" المصرية على حبسها وإخفاء ابنتها
زنازين الموت في السجون المصرية.. القتل بحجة التأديب
معتقلو "64 عسكرية" في مصر يستغيثون: أنقذونا قبل أن نهلك