بدأت تركيا تجني ثمار جهودها الدبلوماسية والعسكرية الحثيثة التي بذلتها لدفع الولايات المتحدة إلى التخلي عن حماية وحدات حماية الشعب الكردي، التابعة لحزب العمال الكردستاني، وقبول فكرة إقامة منطقة آمنة شمال شرق سوريا، بعد صبر طويل على ممارسة الولايات المتحدة سياسة المماطلة بهدف منع تركيا من القيام بعملية عسكرية وحدها.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سبق أن أعلن رغبته في سحب قوات بلاده من سوريا، إلا أن الخطوة الأمريكية الأخيرة جاءت بعد أن أبدت أنقرة حزما شديدا في مطالبتها بالتسريع في تطبيق اتفاق إقامة المنطقة الآمنة، بالإضافة إلى حشد الجيش التركي قواته على الحدود السورية، واستكمال خططه وكافة استعداداته للقيام بعملية عسكرية لتطهير مناطق شرقي الفرات من وحدات حماية الشعب الكردي، وظهور بوادر قرب التحرك العسكري التركي دون انتظار مشاركة القوات الأمريكية.
الولايات المتحدة التي بدأت تسحب قواتها من شمال شرق سوريا، أعلنت أنها لن تدعم القوات التركية في عمليتها المرتقبة، ولن تشارك في إقامة المنطقة الآمنة. ومن المؤكد أن هذا القرار سيكون لصالح تركيا
الولايات المتحدة التي
بدأت تسحب قواتها من شمال شرق سوريا، أعلنت أنها لن تدعم القوات التركية في عمليتها المرتقبة، ولن تشارك في إقامة المنطقة الآمنة. ومن المؤكد أن هذا القرار سيكون لصالح تركيا؛ لأن التجارب السابقة أثبتت أن التحرك المشترك يؤدي إلى عرقلة الخطوات التركية، وحرفها عن الأهداف، كما أن قيام الجيش التركي وحده بهذه العملية سيمنحه سرعة اتخاذ القرار والتحرك على الأرض، علما بأن تركيا ليست بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة ومشاركتها عسكريا لإنجاح المهمة.
الرئيس الأمريكي في تصريحاته حول قرار سحب قوات بلاده من سوريا، فضح أكاذيب كانت الإدارة الأمريكية والمنظمة الإرهابية وأعداء تركيا تروِّجها. وكانت إدارة أوباما قد اختلقت أكذوبة أن وحدات حماية الشعب الكردي وحزب العمال الكردستاني تنظيمان منفصلان، في محاولة للضحك على المتسائلين: "كيف تدعم الولايات المتحدة حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره رسميا منظمة إرهابية؟"، إلا أن ترامب أكد في تصريحاته الأخيرة بوضوح أن وحدات حماية الشعب الكردي هي ذات حزب العمال الكردستاني، وأعاد تغريدة الخبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد هدسون، مايكل دوران، الذي شدد في ندوة شارك فيها في كانون الثاني/ يناير 2018 في واشنطن، على أن الولايات المتحدة في عهد أوباما تعاونت مع حزب العمال الكردستاني، العدو اللدود لحليفتها تركيا، ولم تتعاون مع الأكراد.
رغم تشديد تركيا على أن العملية العسكرية المرتقبة تستهدف وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني، تواصل كثير من وسائل الإعلام استخدام كلمة "الأكراد"
تركيا دعت الولايات المتحدة مرارا إلى التخلي عن سياسة "
ضرب تنظيم إرهابي بالتعاون مع تنظيم إرهابي آخر"، إلا أن الأخيرة تجاهلت كل تلك الدعوات، وواصلت مراوغتها، لتعترف في نهاية المطاف بأن الجهة التي دعمتها في سوريا هي ذات المنظمة التي تعتبرها إرهابية. ورغم تشديد تركيا على أن العملية العسكرية المرتقبة تستهدف وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني، تواصل كثير من وسائل الإعلام استخدام كلمة "الأكراد"، في إشارة إلى المنظمة الإرهابية، وكأنها تمثل الشعب الكردي بأكمله. ومن المؤسف أن هذا التضليل الذي يخدم دعاية الإرهابيين وأعداء تركيا، نجده في وسائل إعلام الدول والجماعات الصديقة، على الرغم من أن وسائل الإعلام تلك لا تستخدم -مثلا- كلمة "اليمنيين" حين تتحدث عن الحوثيين.
ترامب، في رده على من يتهمونه بالتخلي عن حليف الولايات المتحدة في سوريا، قال إن "الأكراد قاتلوا معنا، ولكن تم دفع مبالغ ضخمة من المال والمعدات للقيام بذلك"، في إشارة إلى الأموال والأسلحة التي حصلت عليها وحدات حماية الشعب الكردي مقابل قتالها إلى جانب القوات الأمريكية. ويقول الرئيس الأمريكي هنا باختصار إن وحدات حماية الشعب الكردي مجرد مجموعة مرتزقة تم استئجارها للقيام بمهمة في سوريا مقابل كمية من الأموال، وانتهت مدة العقد كما انتهت المهمة.
الرئيس الأمريكي في تصريحاته الأخيرة
هدد تركيا بتدمير اقتصادها، في حال قامت أنقرة بــ"أي فعل خارج الحدود"، وقال في تغريدة عبر حسابه في تويتر: "إذا فعلت تركيا أي أمر أعتبره، بحكمتي العظيمة التي لا مثيل لها، خارج الحدود، فسوف أقوم بتدمير اقتصاد تركيا وإزالته بالكامل"، وأضاف قائلا: "ولقد فعلت هذا الأمر من قبل". وهذا التهديد يمكن قراءته في إطار السياسة الداخلية الأمريكية ومحاولة ترامب للظهور أمام الناخبين كرئيس قوي، إلا أن فيه اعترافا بأن ما تعرض له اقتصاد تركيا مؤخرا لم يكن بسبب فشل سياسة أردوغان الاقتصادية، كما ادعى آنذاك بعض المحللين "الواقعيين" الرافضين لوجود مؤامرة استهدفت الليرة التركية.