أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، قبل عدة أيام، أن الرئيس ترامب، سيعلن عن خطة السلام المعروفة بـ"صفقة القرن" قريبًا، وأوضح بومبيو، في مؤتمر صحفي خلال زيارته لولاية "كنساس" الأمريكية، أن "خطة السلام الأمريكية في الشرق الأوسط باتت جاهزة الآن، وأن ترامب سيكشف عنها.
و"صفقة القرن"، خطة سلام أمريكية مرتقبة للشرق الأوسط، يقال أنها تقوم على إجبار الفلسطينيين، بمساعدة بعض دول عربية، على تقديم تنازلات جوهرية لصالح إسرائيل، خاصة بشأن وضع مدينة القدس وحق عودة اللاجئين وحدود الدولة الفلسطينية والمستوطنات. وفي حزيران (ينيو) الماضي جرى الكشف عن الشق الاقتصادي من الخطة خلال مؤتمر عقده مستشار ترامب وصهره، جاريد كوشنر، بالعاصمة البحرينية المنامة وقد فشل فشلاً ذريعاً نظراً لأنه لم يلق قبول أو ترحيبا أو حضورا فلسطينيا. ومن الأهمية الإشارة إلى أن الشق الاقتصادي من "صفقة القرن" يهدف إلى ضخ استثمارات على شكل منح وقروض مدعومة في فلسطين والأردن ومصر ولبنان بقيمة إجمالية تقدر بـ (50) مليار دولار.
مخاطر "صفقة ترمب"
مر الشعب الفلسطيني وقواه السياسية داخل فلسطين وخارجها بمرحلة تحرر وطني منذ نكبة العام 1948. لهذا، يرتكز المشروع الوطني الفلسطيني على مشروع قوامه وحدة الشعب الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية والشتات، فضلاً عن الانتماء إلى فلسطين، والتمسك بالهوية الوطنية الفلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني الذي توج بإنشاء إسرائيل عام 1948 على القسم الأكبر من مساحة فلسطين التاريخية.
يمكن تعزيز الاعتراف بدولة فلسطين في المؤسسات الدولية، إذا استطاع الفلسطينيون ترسيخ المصالحة بالأفعال، وليس بالأقوال
يلحظ المتابع لتطورات القضية الفلسطينية أن المشروع الوطني الفلسطيني سيواجه أخطاراً حقيقية بعد طرح "صفقة ترامب"، التي سيعلن عنها قريباً حسب وزير الخارجية الامريكي، إذ سيواجه الفلسطينيون تحدياً جوهرياً يطال القضايا المحورية، نظراً لكون "الصفقة" تتضمن تصورات تتساوق مع الرؤى الإسرائيلية للانقضاض على المشروع الوطني الفلسطيني وتغييبه. لهذا، ثمة ضرورة ملحة لوضع أسس جدية لإنهاء حال الانقسام الفلسطيني المديدة، ووضع أسس لترسيخ الوحدة الوطنية، والاتفاق على توجهات كفاحية مشتركة، خصوصاً وأن الرهان على استمرار المفاوضات قد تلاشى. فبعد مضي 26 عاماً على اتفاقات أوسلو، تشير الحقائق إلى تضاعف النشاط الاستيطاني بشكل ملحوظ، سواء في مقياس مصادرة الأراضي أم بناء المستوطنات في الضفة الغربية، ومن بينها مدينة القدس التي تتعرّض لأكبر هجمة استيطانية تهويدية منذ حزيران / يونيو عام 1967، علماً أن وتيرة النشاط الاستيطاني الإسرائيلي ارتفعت بعد قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس العام الماضي 2018.
سبل المواجهة
من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن وحدة الصف الفلسطيني ستكون مقدمة أساسية لتجميع القدرات الكامنة لدى الشعب الفلسطيني، لمواجهة التحديات التي تعصف بالمشروع الوطني، وفي مقدمها "صفقة القرن"، ناهيك عن السياسات الإسرائيلية الرامية إلى إخراج فكرة يهودية الدولة إلى حيز الوجود.
ومن التحديات الأخرى التي يواجهها الفلسطينيون، ضرورة العمل على فك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي، وإيجاد سبل للانطلاق بتنمية مستقلة تدفع في اتجاه الحد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية، مثل البطالة التي وصلت معدلاتها إلى 45 في المئة في قطاع غزة، ونحو 20 في المئة في الضفة الغربية. وقد يكون من باب أولى العمل على فتح أسواق عربية، من شأنها الحد من الهيمنة الإسرائيلية على التجارة الخارجية للضفة والقطاع، إذ تسيطر إسرائيل على 90 في المئة من إجمالي التجارة الخارجية، بشقيها (الصادرات والواردات). ومن شأن المساعدات العربية (كبديل للمساعدات الغربية المشروطة) أن تعزّز خطوات حصول تنمية فلسطينية مستقلة عن سياسات
الاحتلال الإسرائيلي التي أوقعت الاقتصاد الفلسطيني في شرك المساعدات الأميركية والأوروبية، المرهونة أساساً بتوجهات المتبرعين. وقد تّمكن المساعدات العربية الاقتصاد الفلسطيني من تحسين أدائه عبر فتح قنوات تشغيل وإيجاد استثمارات جديدة، ومن شأن ذلك فتح فرص عمل لآلاف القوى العاملة الفلسطينية المعروضة في السوق الفلسطيني.
كما يمكن تعزيز الاعتراف بدولة فلسطين في المؤسسات الدولية، إذا استطاع الفلسطينيون ترسيخ المصالحة بالأفعال، وليس بالأقوال، ومن ثم التوجه بخطاب سياسي ديبلوماسي ممنهج ومدروس، بعد وضع برنامج واستراتيجية مشتركة. ولا يمكن أن تكتمل دائرة المصالحة الحقيقية من دون تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
بعد مضي 26 عاماً على اتفاقات أوسلو، تشير الحقائق إلى تضاعف النشاط الاستيطاني بشكل ملحوظ
وسيكون ترسيخ المصالحة الحقيقية بمثابة طوق نجاة للحد من الضغوط الإسرائيلية وما تتضمنه صفقة ترامب من بنود لشطب الحقوق الفلسطينية، ويرفع في الوقت ذاته من سقف الخطاب السياسي الفلسطيني، بعد مفاوضات عبثية امتدت لأكثر من عقدين من الزمن، بحيث يكون من السهولة بمكان المطالبة بتفكيك معالم الاحتلال، ومنها المستوطنات والجدار العازل، عوضاً عن تجميد النشاط الاستيطاني.
كذلك يمكن المطالبة بتطبيق قرارات دولية صادرة ذات صلة بحقوق الفلسطينيين، ومنها القرارات المتعلقة باللاجئين والقدس والأسرى والسيادة على المياه الفلسطينية التي تسيطر عليها إسرائيل، واعتبار المستوطنات غير شرعية، خصوصاً أن هناك قبولاً بعضوية فلسطين في منظمات عدة تابعة للأمم المتحدة. وقد يكون الأجدى للفلسطينيين، في المدى المنظور، المطالبة بتدويل ملفات عدة، وخصوصا قضية المستوطنات.
كاتب فلسطيني مقيم بهولندا