نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحافية نسرين مالك، تقول فيه إن المعارضة في مواجهة الفساد المتفشي لم تعد تتضاءل بالإشارة إلى إخفاقات الربيع العربي.
وتبدأ مالك مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول إن "هناك بعبعا يسكن العالم العربي، إنه شبح يخيم بشكل كبير ومخيف في عالم السياسة العربية، ويتم استحضاره من الآباء ليحذروا به الأبناء الذين نضجوا مبكرا عندما يتمردون، اسمه سوريا، وهو جرح متقيح يرفض التعافي، ولا تزال الحرب الأهلية السورية تحصد الأرواح، وتجر إليها الجيران والحلفاء المنشغلين بحروبهم الخاصة بالوكالة".
وتقول الكاتبة: "يبدو أنه كلما تم إغلاق جبهة، ظهر حدث يعيد الأعمال العدائية، آخرها كان يتعلق بترامب المتقلب وتركيا المتخوفة، حيث تحمل فيها أكراد شمال سوريا العبء الأكبر، ومهد انسحاب مفاجئ للقوات الأمريكية الطريق لاشتعال حرب أخرى ودخول حسابات قوة أخرى، في الوقت الذي يقدم فيه بشار الأسد الدعم للأكراد، وتمنح حياة جديدة لتنظيم الدولة، فيما هناك أكثر من 100 ألف شخص نزحوا في الشمال السوري، وهناك ما لا يقل عن 750 شخصا يشتبه بعلاقتهم بتنظيم الدولة فروا من المعسكر، ما يزيد من احتمال تقوية هذه المجموعة الإرهابية".
وتشير مالك إلى أنه "عندما بدأت الثورة السودانية تتنامى، في وقت سابق من هذا العام، تم استحضار البعبع السوري كما هو متوقع، ولم يساعد أن السودان استقبلت لاجئين سوريين، فأعدادهم المتزايدة في السودان، وهو البلد الذي اعتاد أن يخرج منه اللاجئون بدل أن يستقبل لاجئين، كان إنذارا مباشرا، فهل هذا ما تريدونه؟ وتم تقديم السيناريو السوري على أنه حتمي لا مفر منه: بأنه الشيء الذي يحصل عندما يطالب الناس بالإطاحة بزعمائهم، وعندما يتم تحدي النظام الطبيعي، فإن الأمور بالتأكيد ستنهار".
وتلفت الكاتبة إلى أنه "يتم دعم التهديد السوري الخطير بعدد من الأمثلة في المنطقة، مثل ليبيا الممزقة بين فصائل متقاتلة، وفقط في الشهر الماضي تعرضت لغارات جوية أمريكية ضد متطرفين، فهي أيضا يتم ذكرها بقشعريرة (إلى تلك الحالة نحن ذاهبون إلا أن يرحمنا الله)، إن نحن استمررنا في تحدي الوضع الراهن، وهناك أيضا مصر، وهي بلد أصبح يضرب فيه المثل بتراجعها بعد الربيع العربي إلى دولة أمنية بامتياز، لا يمكن فعلا تقدير عدد السجناء السياسيين فيها".
وتقول مالك: "يبدو أن كل يوم يأتي بجهنم جديدة عبر تلك الدول الثلاث، توبيخ لكل من يعتقد بأن هناك طريقا آخر في سياسة العالم العربي لا يقوم على الرجال الأقوياء، وهو منطق أصبح كامنا في نفوس العرب وتسمعهم يرددونه على شكل إطراء ذاتي غريب: هذا طبعنا، نحن بحاجة لزعماء يستطيعون إدارة شخصيتنا العنيدة القوية".
وتستدرك الكاتبة بأن "ذلك التخويف لم يجد، فقد أثبت هذا العام أن روح الاحتجاج في المنطقة كانت نائمة فقط، وليست ميتة، فقام السودانيون بالإطاحة بالبشير في ثورة عظيمة، حيث وقف الثوار العزل في وجه الآلة العسكرية العاتية للديكتاتورية، وبالرغم من أن البلد تعاني من انقسامات عرقية وقبلية واضحة جدا لدرجة أنه نشأت عنها مجموعة من المنظمات شبه العسكرية من هذه التصدعات، وبالرغم من وجود تاريخ للصراع الدموي يشير إلى تفكك شبيه بسوريا أو ليبيا، لم يكن هذا كافيا ليثبط من الرغبة في التغيير، وحتى بعد أن تم ذبح المئات وأغلقت الإنترنت، إلا أن المحتجين نسقوا ونزلوا إلى شوارع المدن السودانية".
وتقول مالك: "حتى في مصر لم تمت الاحتجاجات، وإن كان هناك أي مؤشر على أن سياسة الأرض المحروقة قي القمع هي حل قصير الأمد، فهو قيام الاحتجاجات ثانية، وفي أيلول/ سبتمبر قامت أول مظاهرات مهمة منذ صعود قائد الجيش السابق، عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، ففي هذه البلد يمكن أن تؤدي بك تغريدة على (تويتر) أو تعليق على (فيسبوك) إلى حكم بالسجن؛ والمخاطرة الأمنية كبيرة إلى درجة أن المتظاهرين يغادرون بيوتهم غير متوقعين العودة إليها، والكثير لم يعودوا، والتقديرات هي أنه تم اعتقال حوالي 2000 متظاهر".
وتنوه الكاتبة إلى أنه "في الأسبوع الماضي اندلعت في لبنان الاحتجاجات في عدة مدن، وهناك الآن صور كثيرة يتم عرضها في المدن العربية حيث رسم خط بين الشعب والحكومة، وأحيانا على الشخص أن يمعن النظر ليعرف ما إذا كانت صور هذه الحشود وأجهزة الهواتف الخلوية هي في بيروت أم القاهرة أم الخرطوم، فهناك تشابه غريب لاحتجاجات السودان ولبنان في أحد المشاهد المتكررة التي يخاطب فيها المحتجون القوات الأمنية من جيش وشرطة، ويوبخونهم على عدم قطع الخط للانضمام إليهم، وفي السودان قطع العديد منهم الخط وانضموا إلى المحتجين ضد المؤسسة التي توظفهم".
وتبين مالك أن "الانشقاق أو المطالبة به، هو في صميم عودة الاحتجاجات السياسية، وإن كانت ثورات الربيع العربي قبل ثماني سنوات كانت تهدف للإطاحة بديكتاتوريين أفراد، فإن المظاهرات الحالية تدور حول الإطاحة بمؤسسات كاملة شكلت عبئا على الموارد، وأشعل المظاهرات في مصر مقاول سابق فضح مدى التبذير الذي يقوم به السيسي، وفي السودان، تسببت أسعار السلع والنقص في السلع الأساسية بالتأثير على مستوى حياة الطبقة الوسطى، في الوقت الذي كان ينعم من هم في السلطة بالغنائم، وفي لبنان، تم فرض ضريبة على مكالمات (واتساب) الصوتية، ما أثار حفيظة أولئك الذين سئموا من سوء الإدارة الاقتصادية، وكان قد تبين في الشهر الماضي أن رئيس الوزراء، سعد الحريري، أهدى 16 مليون دولار لعارضة جنوب أفريقية قبل ستة أعوام".
وتختم مالك مقالها بالقول: "لن يتم تثبيط المعارضة بالإشارة إلى فشل الربيع العربي، وبشكل متزايد أصبح هناك تجاهل للتحذيرات بالبقاء صامتين، فقد بدأ العرب يدركون بأن الخوف الزائد مما قد يحدث في المستقبل هو أن يخدعوا بالرضوخ لواقع غير مقبول".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
التايمز: هل سيشهد العالم العربي ربيعا جديدا؟
هذه القصة الحقيقية لملاحقة مصر لمراسل "نيويورك تايمز"
إندبندنت: هكذا قرأ قادة الغرب التظاهرات ضد نظام السيسي