نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للزميل البارز في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، ستيفن كوك، يتحدث فيه عن قرار ولي العهد السعودي طرح أسهم شركة النفط السعودية "أرامكو" في السوق المالية.
ويرى كوك في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن الدافع الحقيقي لقرار محمد بن سلمان بطرح أسهم شركة النفط السعودية "أرامكو" في السوق المالية هو الحصول على المال وإعادة تأهيل سمعته السياسية، مشيرا إلى أن هناك مخاطر كبيرة لقراره، فـ"محمد بن سلمان سيحصل على أموال كبيرة من المستثمرين في الشركة الوطنية لكنه سيتنازل عن شيء أكبر مما يعتقد".
ويقول الباحث إن "الطرح العام الأولي للشركة، الذي أعلن عنه الأسبوع الماضي، ربما كان القصة الكبرى، أو القصة التي سيتذكرها التاريخ في الشرق الأوسط لو لم يشهد العراق ولبنان احتجاجات واسعة، ويضيف إلى وجود توتر بين حقيقتين مهمتين في قصة (أرامكو)".
ويشير كوك إلى أن "(أرامكو) ظلت جزءا مركزيا في سلطة عائلة آل سعود الحاكمة، وفي الوقت ذاته جعلها محمد بن سلمان مركزية لخطط التحول في البلاد التي أطلقها تحت اسم (رؤية 2030) التي وعد بأنه سيحققها من خلال بيع حصص من (أرامكو)، ومن هنا فما هو المنطق وراء قرار ابن سلمان الأخير؟ والجواب السهل هو رغبته في الحصول على المال، فرغم ثروة المملكة الهائلة إلا أنها بحاجة للمال".
ويلفت الكاتب إلى أن "هناك أمرا ثانيا يتعلق بإعادة تأهيل الأمير سياسيا، مع أن أنصاره يرون ألا حاجة لإعادة تأهيله لتمتعه بالدعم الواسع في داخل المملكة، وربما كان هذا صحيحا، لكن الأمير بحاجة للدعم الدولي الذي تمتع به حتى منتصف عام 2017، وهناك مشكلة أخرى، وهي أن الاكتتاب العام للشركة محفوف بالمخاطر أكبر مما يعتقده السعوديون".
ويقول كوك إن "من الضروري فهم ما يجري رغم ما نشر عن الموضوع من تقارير، لكن هناك الكثير من الغموض والتشوش حول ما يحدث في الحقيقة، ويعرض السعوديون ما بين 2-5% من أسهم الشركة، إلا أن أهم نقطة في عملية الطرح تتعلق بقيمة الشركة التي تتراوح ما بين 1.2 تريليون دولار (بحسب بنك أمريكا) إلى 2.3 تريليون دولار (وهو تقييم غولدمان ساكس) وهو الأعلى، أما (أرامكو) والسعوديون فيقولون إن قيمة الشركة تتراوح ما بين 1.7 تريليون دولار إلى تريليوني دولار".
ويجد الباحث أنه "مهما كان التقييم فإن حقيقة تقييم البنوك للشركة في مستويات تريليون دولار غير مسبوقة، ولو كان الإقبال ضعيفا، وباع السعوديون نسبة 2% بحسب تقييم بنك أمريكا فإن العائد سيكون 24 مليار دولار، وفي السيناريو الأفضل ستحقق السعودية 115 مليار دولار لو باعت 5% بحسب تقييم (غولدمان ساكس)، وسيتم طرح الأسهم في السوق المالية السعودي، تداول، مع بداية كانون الأول/ ديسمبر".
وينوه كوك إلى أن "الحكومة تشجع المواطنين السعوديين على الاستثمار، ما يعني وجود مستثمرين (يدورون في فلك البلاط الملكي وأصحاب الشركات الكبرى) ممن تعتمد تجارتهم وموقعهم على إظهار الدعم لبرنامج محمد بن سلمان، وسيكون هناك تجار في مجال الجملة ممن سيندفعون للاستثمار لتأكيد ولائهم الوطني الذي تمت استثارته في عملية الطرح".
ويفيد الكاتب بأن "ولي العهد يعتقد أن الطرح يجري في وقت مناسب، وسيعطي زحما لرؤية 2030 التي لم تتقدم كثيرا، ومجرد الإعلان عن الطرح يعني أنه حقق جزءا من بنود الرؤية التي يروج لها منذ عام 2016، وسيكون قادرا على تغيير القصة التي سيطرت على النقاشات حول السعودية منذ منتصف 2017، وبالتأكيد منذ مقتل وتقطيع الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول يوم 2 تشرين الثاني/ أكتوبر".
ويقول كوك إنه سيجد تشجيعا من عودة المستثمرين الدوليين الذي شاركوا في مؤتمره الاستثماري، المعروف بدافوس الصحراء، وبأنهم يريدون طي صفحة الجريمة، والعودة للتعامل كما في السابق، مشيرا إلى أن هذا كله لا يلغي المخاطر المتعلقة بالطرح.
ويشير الباحث إلى أن هذه المخاطر تتلخص بالآتي:
الخطر الأول: أن الطرح قد يكون جيدا من الناحية السياسية لابن سلمان، لكنه من الناحية الاستثمارية ليس جيدا، فشهر كانون الأول/ ديسمبر هو الشهر الذي ينجز فيه المستثمرون الدوليون أهدافهم للعام، وسيترددون في هذه الحالة بالمجازفة، فيما لن يفكر من لم يوف بأهدافه في المخاطرة باستثمارات جديدة، وهناك آخرون عالقون في المشكلات، ولا يريدون إضافة مصاعب أخرى، فالمناخ الاستثماري ليس جيدا للقيام بخطة اكتتاب كبرى.
الخطر الثاني: وهو الذي يتعلق بالحسابات التي يقوم بها المستثمرون الدوليون، فعملية الاكتتاب ستجري على مدى عامين، اكتتاب محلي ثم دولي، فرغم الحديث عن سوق مالية دولية سيتم طرح أسهم الشركة فيها، إلا أن عددا من المحللين يشكون في إمكانية حدوث هذا، وسيحصل المستثمرون الدوليون على حصة من الشركة عبر السوق المالية المحلية، ما يعني حملة ترويجية لبناء الطلب على أسهم الشركة، وسيتم تحديد سعر اكتتاب الشركة من خلال المستثمرين الدوليين، وهذا يعني مواجهة محمد بن سلمان لخيار المضي قدما في الاكتتاب أو التوقف عنه، وهذا كله سيترك لطخة في وجه ولي العهد بعد أعوام من الترويج لاكتتاب الشركة.
الخطر الثالث والأخير؛ متعلق بالمناج الجيوسياسي في المنطقة، فصحيح أن السعودية حاولت تخفيض التوتر مع إيران بعد هجمات بقيق في 14 أيلول/ سبتمبر، لكن الحرس الثوري الإيراني لديه الكثير من الأسباب لوضع السعودية في موقع الدفاع عن النفس وتخريب عملية الطرح العام، ولن يحتاج الحرس الثوري لعمل أمر كبير، لكنه شيء يمكن للمستثمرين ملاحظته وإثارة أعصابهم.
ويقول كوك: "لو افترضنا نجاح اكتتاب (أرامكو) فإن المبلغ الذي سيحصل عليه السعوديون سيكون ما بين 24-115 مليار دولار، وستكون هناك أرباح، لكن السعودية تقاتل في حرب مكلفة في اليمن، ولديها مشاريع تطوير ضخمة والتزامات كبيرة، فيما يتراوح سعر برميل النفط ما بين 46- 64 دولارا، وسيتم استخدام أرباح اكتتاب شركة (أرامكو) للترويج لأهداف محمد بن سلمان الرامية لإعادة بناء الاقتصاد والمجتمع السعودي، مع أنه يجب التعامل مع هذه الأهداف بجرعة كبيرة من الملح، فالسعودية ومنذ أمد طويل تعلن عن خطط لتنويع الاقتصاد، وقبل عقد من الزمان أعلن السعوديون عن خطط لبناء مجموعة من المدن الجديدة لتحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية".
ويلفت الكاتب إلى أن "الخطط والفيديوهات الترويجية المرافقة لها كانت مدهشة، ومعظمها الآن تحول لخراب، وبدلا من ذلك يصمم السعوديون الآن على بناء مدينة (نيوم) المستقبلية على شاطئ البحر الأحمر، ولم يقدم أي مسؤول سعودي سببا عن اختيار هذا المكان لبناء المدينة، علاوة على أن بنائها من الأصل غير ما قالته شركات الاستشارة الدولية من أن الموقع الذي اختير للمشروع عظيم، ولو كان كلامهم صحيحا فلماذا لم تبن المدينة هناك من قبل، والمكان الصحيح للاستثمار هو إصلاح وصيانة الأماكن التي يريد السعوديون العيش فيها، إلا أن القادة السعوديين مهتمون بالسيطرة أكثر من الإصلاح، وحتى التغييرات الاجتماعية التي يروج لها ولي العهد السعودي تتعلق بالتحكم في السكان".
ويفيد كوك بأن "محمد بن سلمان توصل إلى أن لديه فرصة كبيرة للحصول على ولاء المواطنين السعوديين، وتوسيع قاعدة سلطته من خلال توفير دور السينما والحفلات الموسيقية ومباريات المصارعة الدولية، والحد من سلطة رجال الدين، ومنح النساء حق قيادة السيارات، والخوف هو من مطالبة الناس بأمور أكثر مما يريد ابن سلمان تقديمه، وهذا مماثل لعملية اكتتاب شركة (أرامكو)، حيث تريد القيادة السعودية التحكم في العملية، لكن في اللحظة التي يتم فيها طرح أسهم أهم شركة في البلاد في الأسواق المالية فلن يكون محمد بن سلطان قادرا على التحكم فيها، وسيواجه مطالب من مستثمرين يريدون الشفافية وقوانين تحميهم من نزوات حاكم البلاد، وهذا ما يعرف باقتصاد السوق، فهل هذا ما يريده محمد بن سلمان؟، ويرد هو وأنصاره أنهم يريدون هذا النموذج مع أن أعمالهم أكدت مرارا خلاف ذلك".
ويختم الباحث مقاله بالقول: "لا يعدو الطرح العام لشركة (أرامكو) أن يكون عرضا لتسليط الضوء على رؤية محمد بن سلمان وحملة العلاقات العامة لإدخال السعودية إلى القرن الحادي والعشرين، ومثل (نيوم) وغيرها من المشاريع الخيالية لم يفكر ابن سلمان ولا من هم حوله بتداعيات ما يفعلونه غير الإعلانات البراقة والتغطية الإعلامية الجيدة، وستأتي مع اكتتاب (أرامكو) أرباح مالية، لكن ذلك يرافقه عدم اليقين واحتمال الفشل، وبالتأكيد سيضع اكتتاب (أرامكو) شروطا من الشفافية والانضباط عليها، لكن العملية كلها ليست مدفوعة بالاعتبارات الاقتصادية غير المنافع السياسية التي ترتبط بوضع جزء من أسهم الشركة في السوق العامة، ولا حاجة لهذه الخطوة التي لا يمكن التخلي عنها وذات الآثار المنطقية".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
الغارديان: إصلاحات السعودية ليست حقيقية ويناقضها القمع
"واشنطن بوست" تحذر من خطورة الاستثمار في أرامكو
التايمز: طرح أرامكو بالسوق المالية بأقل من تريليوني دولار