ترى هذه المقالة أن الظروف التي نشأت فيها اللجنة الدستورية السورية غير ناضجة لإنتاج حل من الناحية السياسية ـ القانونية.
ووفقا لذلك، ستكون اللجنة الدستورية بداية لمسار طويل جدا، تتخلله تحديات داخلية وخارجية عميقة، تجعل التكهن بخاتمة هذا المسار أمرا معقدا.
القواعد الناظمة
بعد مخاض دام 20 شهرا، ولدت اللجنة الدستورية مع إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 23 أيلول (سبتمبر) 2019 تشكيلها.
وفي 26 من الشهر نفسه، وجه غوتيريش رسالة إلى مجلس الأمن الدولي توضح القواعد الإجرائية لعمل اللجنة الدستورية.
وعلى الرغم من تأكيد المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون لاحقا بأن مرجعية اللجنة هي القرار الدولي 2254 وبنود دي ميستورا ذات الاثني عشر بندا، إلا أن رسالة غوتيريش إلى مجلس الأمن قد حددت السقف السياسي للجنة الدستورية.
في المادة الأولى المعنونة بـ الولاية، "تقوم اللجنة الدستورية، في سياق مسار جنيف الميسر من طرف الأمم المتحدة، بإعداد وصياغة إصلاح دستوري يطرح للموافقة العمومية، كإسهام في التسوية السياسية في سوريا وفي تطبيق قرار مجلس الأمن 2254".
وتتابع المادة، بأن "للجنة الدستورية مراجعة دستور 2012 بما في ذلك في سياق التجارب الدستورية السورية الأخرى وأن تقوم بتعديل الدستور الحالي أو صياغة دستور جديد".
توضح هذه الفقرة غياب التوافق الدولي حول الحل السياسي في سوريا، وترك أمر المفاوضات لموازين القوى، بما يعنيه ذلك من تحويل الأزمة السورية من مستواها الأخلاقي ـ القانوني إلى مستواها السياسي، بمساواة الطرفين وتركهما للاتفاق حول الحل المفتوح.
تنصل النظام السوري من الوفد التابع له في اللجنة الدستورية، بالإعلان أنه "وفد مدعوم من الحكومة" ولا يمثل النظام رسميا، وهذه مقدمة تأسيسية للتنصل من أية التزامات مستقبلية لا تتفق مع رؤيته للحل.
إن إبعاد الأمم المتحدة من أي مرجعية للحل هو ما يعمل عليه النظام السوري بعناية، وكلام وزير الخارجية وليد المعلم في نيويورك واضح، حين حدد خمسة شروط لعمل اللجنة.
2ـ عملية التصويت التي تفيد النظام ولا تفيد المعارضة، فبحسب الآلية المتبعة، يجري التصويت بشكل فردي، ولا يتم اعتماد أي نتيجة ما لم تحصل على 75 % من مجموع الأعضاء، هنا يجري التعامل مع أعضاء اللجنة الدستورية الـ 150 ككتلة أو وحدة واحدة.
الخطأ في هذه الآلية، يكمن في جعل التصويت وفق الأغلبية يُطبق على كامل أعضاء اللجنة بقوائمها الثلاث، بدلا من جعل كل قائمة وحدة مستقلة بذاتها، وتخضع للتصويت عبر مفهوم الأغلبية.
3ـ غياب جدول زمني لعمل اللجنة، الأمر الذي سيجعل من المحال وضع اللائمة على أي طرف يعرقل مساعي الحل، وسيجعل النظام متحررا من أية ضغوط لعدم وجود جداول زمنية.
4ـ غياب الآليات وطرق الانتقال السياسي الواضحة (الانتخابات، اللامركزية، نظام برلماني أو رئاسي أو مختلط.. إلخ)، وليس معروفا كيف ستكون اللجنة مفتاحا لبدء بحث منظومة الحكم والانتخابات.
5ـ البيئة المحايدة: كيف يمكن تحويل الدستور المزمع التوافق عليه إلى واقع ملموس على الأرض، في ظل التماه التام بين الدولة / النظام؟
إن الحديث عن البيئة الآمنة هنا يصبح حديثا ميتا واقعيا مع بقاء النظام السوري بكامل مؤسساته، وهذا يعني أن نتائج التسوية الدستورية لن تجد طريقها إلى التنفيذ قبيل إنهاء مسألة الحكم على الأرض، وهي مسألة تحتاج إلى سنوات طويلة.
غياب جدول زمني لعمل اللجنة، الأمر الذي سيجعل من المحال وضع اللائمة على أي طرف يعرقل مساعي الحل، وسيجعل النظام متحررا من أية ضغوط لعدم وجود جداول زمنية.
من جانب آخر، فإن غياب الانتخابات التنافسية التي توفرها البيئة المحايدة، يعفي الحاكم من الحدود التي تفرضها اللعبة السياسية التعددية على سلطته، ففي مثل هذه الشروط يحتفظ الحاكم وبيروقراطيته بموارد الهيمنة السياسية.
6ـ تقسيم اللجنة تم وفق المحاصصة المحلية والإقليمية والدولية، وفي ظل غياب توافق إقليمي ـ دولي، لن يتم ممارسة الضغوط الكفيلة بدفع النظام إلى تقديم التنازلات المطلوبة كما حدث في "اتفاق الطائف" اللبناني، حين تم حصول إجماع إقليمي ـ دولي على إنهاء الحرب الأهلية، وفرض محاصصة سلطوية على الجميع، بغض النظر عن طبيعة هذه المحاصصة.
7ـ الفصل بين الدستور والانتخابات، فلكل واحدة منهما سلة قائمة بذاتها، وليس معروفا كيف يمكن معالجة مسائل دستورية دون الحديث عن طبيعة النظام الانتخابي، وهل معالجة سلة الانتخابات ستعيدنا إلى نفس المسار الذي سلكته سلة الدستور؟
كاتب ومحلل سياسي
توقيت "مناسب" لتمرير العدوان على غزة
"داعش" والحشد غيّبا محافظات السنة عن التظاهرات الشعبية!