صراع تاريخي بين دولتين من أصول تركية رسم ملامحها
العثمانيون والمماليك، فما علاقة
الإمارات بذلك؟
الإخوة الأعداء
نشوء الدول وانهيارها لا يقوم على نتائج المعارك
وقصصها فقط، بقدر ما يرتبط ويعتمل ويتفاعل في داخلها، هذا ما يمكن قوله لحظة
انهيار دولة المماليك، التي خارت قواها العسكرية واهتز اقتصادها وخطوط تجارتها مع
ظهور أطماع المستعمرين الجدد، وسيطرة أساطيل البرتغاليين الذين أخضعوا المحيط
الهندي والتجارة مع الهند لسيطرتهم، بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح.
هذا بالإضافة إلى الصراعات الداخلية بين سلاطين
وأمراء ونساء الدولة، ما كان لها كبير الأثر في انهيارها.
مع إطلالة القرن السادس عشر، شهدت المنطقة صراعاً
بين السلطان سليم الأول العثماني، وكلاً من السلطان قنصوة الغوري وطومان باي
المملوكي التركي، الذي يتخذ مُسلسل "
ممالك النار" من سيرته أداة للنيل
من
تركيا المعاصرة، باعتبارها امتدادا للدولة العثمانية، ورافعة لراية الإسلام
السياسي، الذي تتوجس منه وتعارضه دولة الإمارات، باعتباره مهددا حقيقيا لمشروعها.
تقدم عثماني
اشتعل الصراع كما قلنا بين المماليك والدولة
العثمانية، رسمت نتائج الصراع ملامح المنطقة، بعدما سقط المماليك الذين اتخذوا من
السيوف والرماح أسلحة لمواجهة المد العثماني المتقدم والمتفوق معرفياً وعددياً
وعسكرياً، والمدعم بأحدث الأسلحة والمدافع (300 مدفع) النارية؛ التي أثرت في هزيمة
المماليك، الذين رفضوا التطور والقبول بشروط العصر الجديد، فكان الانهيار الحتمي
لسيطرتهم على الأرض في القرن السادس عشر، بعدما هزمت الدولة في معركة مرج دابق عام
1516.
وانتهى الصراع بموت السلطان طومان باي، الذي قبل أن
يصير حاكماً تحت الراية العثمانية قبل ذلك، لكنه انقلب لمساندة الشاه إسماعيل
الصفوي، فكان الأخير سبباً في إشعال فتيل الصراع بين الإخوة.. صراع أنهى وجود
المماليك عسكرياً، وأبقى عليهم واقعياً؛ يحكمون مصر، فالوجود العثماني في مصر بقيت
محدوداً، إلى أن جاء السلطان الألباني محمد علي باشا، وتخلص منهم في ما يعرف بـ"مذبحة
القلعة" عام 1811م.
في هذه اللحظة من التاريخ كان لظهور الدولة
العثمانية قيمة تمثلت في منع المستعمر البرتغالي من السيطرة على السواحل العُمانية،
بما فيها الإمارات، والحيلولة دون احتلال نجد والحجاز وإخضاع مدينتي مكة والمدينة.
مرتزقة أسبرطة
هذه الفكرة هي ما يحاول مسلسل "ممالك النار"
الإماراتي إنكارها، وعكسها بما يخدم صراع الإمارات مع تركيا.
عمليا، استخدام الإمارات أسلحتها الناعمة في ضد
تركيا التي تراها ممثلة لمشروع الإسلام السياسي لا طائل منه، ربما لأن ما تراه
الإمارات فعلاً تركياً تدخلياً في المنطقة العربية، وتدعو الشعوب لمعارضته ورفضه،
تتخذه فعلياً الإمارات وسيلة توسعية لمشروعها الدموي الممتد كخنجر في قلب المنطقة
الممتدة من أفغانستان واليمن إلى مصر وليبيا، ومن قلب أفريقيا إلى سواحلها،
بالاعتماد على أدوات مستأجرة تم استئجارها من أصقاع الأرض خدمة لمشروعها، سواء من
خلال مراكز البحث والدراسات، أو الصحافة والإعلام، أم بواسطة المرتزقة العسكريين،
وأخيراً من خلال إيجاد موطئ قدم لها في عالم الدراما، كوسيلة للعبث بالتاريخ
والحقائق، مع أن الذي يحدد نتيجة الصراعات، ليست الأموال والمؤسسات المساندة لها،
بل الشعوب القادرة على تمييز الغث من السمين.
وهم القوة
يقول المفكر الإيراني علي شريعتي، في كتابه "النباهة
والاستحمار": "عندما يشب حريق في بيتك، ويدعوك أحد للصلاة والتضرع،
فاعلم أنها دعوة خائن؛ لأن الاهتمام بغير إطفاء الحريق والانصراف عنه إلى عمل آخر
هو الاستحمار، حتى ولو كان عملاً مقدسا".
المشهد حالياً يشبه في أحداثه دولة المماليك التي أبعدت
نظرها عن داخلها، وركزت على خلق وهم القوة حولها، فكان الانهيار مصيرها. فهل تسير
الإمارات بذات الاتجاه، في تركيزها على ما حولها مع نسيانها ما يعتمل في داخلها من
مشاكل لن تنتظر طويلاً قبل أن تتفجر بوجهها، في حال إصرارها على الصلاة قبل إطفاء
الحرائق في بيتها أو التي أشعلتها؟
لذا، هل إنتاج مسلسل "ممالك النار"
واستحضار التاريخ الدولة العثمانية وتشويهه يخدم قضية الإمارات الوطنية ومشروعها
الإقليمي، ويمنحها الحق في إعادة رسم ملامح المنطقة بما يخدم مصالحها مع إسقاط
اجباري لحقيقة احتلال إيران لأراضيها، وكأنها نسيت ما هو حق لها؟
كان من باب أولى إنتاج مسلسل يتحدث عن دولة الإمارات
وتاريخها.. عن الشيخ زايد (رحمه الله).. عن أهمية وقيمة الجزر الإماراتية المحتلة
من قبل إيران، أو عن إنجازات الشعب الإماراتي الحبيب.
المحزن في الأمر أن تركيا التي جعلت منها الإمارات
عدوا لها؛ تحتفل بصناعة أول حاملة طائرات بعقول وأياد تركية، فيما الإمارات تحتفل
بإنتاج مسلسل درامي (ممالك النار) بواسطة أياد مستأجرة، فهل ثمة أزمة في ترتيب
الأولويات؟