بينما لا تزال الانتفاضات الشعبية في لبنان والعراق والجزائر مستمرة دون إحداث تغيير ملموس على الأرض أو تغيير واقع قائم بالفعل، فإن مجرد الاستمرارية يعطي بريق أمل وسط تلك العتمة التي تعيش الأمة في ظلها، منذ عقود من الزمان.
جاهد أبناء هذه الأمة كثيراً للخروج من ذلك الظلام القاتل، وكانت ثورات الربيع العربي آخر المحطات التي تنفست فيها الشعوب العربية عبير الحرية واستنشقت رائحة الكرامة والعزة، وعادت إليها روحها بعد غياب طويل. وقد قادت السعودية والإمارات لواء الثورات المضادة خوفاً من انتقال العدوى لشعبيهما وهبوب رياح التغيير في دولتيهما، فتُسقط عروشهما الهاوية، فأنفقتا مئات المليارات من الدولارات لإجهاضها في مصر وسوريا واليمن وليبيا، واعتقدتا أنهما بذلك قد قضيتا نهائياً على روح الثورة في الشعوب العربية، وشيعوها إلى مثواها الأخير، وتقاسمتا نخب الانتصار..
عودة الربيع
وما كادت الموجة الأولى من الربيع العربي تنتهي حتى اندلعت الموجة الثانية من حيث لم يحتسبوا، من بلدان أخرى، لم يدخلها الربيع العربي من قبل، الجزائر، السودان، لبنان، العراق، قابلتها بنفس ما قابلت به الموجة الأولى للربيع العربي، من تآمر وخسة على الشعوب، ولكنهما لم ينجحا في تغيير مسارها إلا في السودان والإتيان برجالهما، بينما لا تزال بقية الدول عصية عليهما رغم محاولاتهما الحثيثة، والتي بدت واضحة في الجزائر لتنصيب جنرالهم "أحمد قايد صالح" حاكماً للجزائر ولكن استمرار زخم المظاهرات كل جمعة منذ أكثر من ثمانية أشهر يحول دون ذلك، على الأقل حتى الآن.
أما فى لبنان والعراق فالحال مختلف، فهما يواجهان فيهما إيران، ويريدان إحداث فوضى في البلدين نكاية بإيران، ويريدان أن ينهيا النفوذ الإيراني فيهما، ولهذا نجد وسائل الإعلام الخاضعة لهما مع انتفاضة البلدين ليس حباً في الشعبين أو تأييداً للثورة، ولكن كراهية لإيران ورغبة في إنهاء نفوذها في البلدين، ولا نستطيع أن نعرف حتى الآن، هل هناك دعم مادي لهما من عدمه، خاصة بعد اتهامات المرشد العام للثورة الإيرانية علي خامنئي وأزلامه، من أمثال رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، وأمين عام حزب الله حسن نصر الله، دولا رجعية من الخليج بالمؤامرة على العراق ولبنان، لكن الذي نستطيع أن نجزم به أن الذي وقف ضد ثورات الربيع العربي، وحارب حركات التحرر الوطني لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقف مع ثورتي لبنان والعراق..
إيران في مواجهة الربيع
كذلك الحال مع إيران التي انتقلت رياح الثورات العربية إلى عقر دارها، فبعد أن توعد "آية الله الخميني" بتصدير الثورة الإيرانية عقب نجاحها عام 1979 إلى البلدان العربية، وبعد أن فرحت وهللت الشعوب العربية بها، هاهى الآن تصدر إليها الثورات العربية، وإن كان خامنئي يدعي أيضا أنها مؤامرة خارجية من أمريكا ودول الغرب ودول الخليج، تحاك ضد استقرار إيران.. إنه نفس كلام كل الطواغيت العرب الذين ثارت الشعوب ضدهم، فما أن يخرج الشعب إلى الشارع بعد أن فاض به الكيل، وضاقت الصدور بما تحمله من ظلم وقهر وفقر، مطالباً بأبسط حقوقه فى الحياة، ألا وهي الحرية والعدالة والكرامة، يُتهم على الفور بالخيانة والاشتراك في مؤامرة خارجية على البلاد ويريدون إسقاط الدولة، لا يختلف فيه خامنئي عن القذافي أو صالح أو مبارك أو الأسد، إنه فكر كل الطغاة المستبدين على مر التاريخ..
ليست هذه هي المرة الأولى التي ينتفض فيها الشعب الإيراني ضد نظام الملالي في إيران، فقد حدث قبلها الكثير من الاحتجاجات والمظاهرات، لعل أبرزها انتفاضة عام 2009 عقب انتخابات الرئاسة والتي فاز بها محمود أحمدى نجاد، بينما رأى أنصار المرشح الآخر من تيار الإصلاح مير حسين موسوي، أنه الفائز وقد حدث تزوير في نتائج الانتخابات، وهو ما كان سببا في مظاهرات اجتاحت كل شوارع طهران وبعض المحافظات الكبرى لعدة أشهر وسميت بـ "الثورة الخضراء"، لكن لم يكتب لها النجاح، فقد استطاع النظام الديكتاتوري أن يخمدها بوسائل القمع المعروفة وبقبضته الحديدية التي يحكم بها البلاد منذ أربعة عقود، وهو ما فعله في انتفاضة العام الماضي أيضا والتي لم تكن أقل حدة من الانتفاضة السابقة أو الانتفاضة الحالية ولكنها لم تشمل كل قطاعات المجتمع وإن إجتاحات معظم المدن الكبرى، على عكس "انتفاضة البنزين" كما أطلق عليها، والتي شملت كل الطبقات والأطياف السياسية في الدولة.
إن المشروع الإيراني فى المنطقة، وحلم الامبراطورية الفارسية، قد اهتزت أجنحته بشدة من بغداد إلى بيروت وصولاً للجسد ذاته، للمنظومة الحاكمة في طهران.
توقيت "مناسب" لتمرير العدوان على غزة
"داعش" والحشد غيّبا محافظات السنة عن التظاهرات الشعبية!
العراقيون يشيّعون الطائفية بالورود