لم تحسم الجولة 14 من مسار أستانا بشكل واضح، مصير الملفات الأكثر أهمية في سوريا، في إدلب وشرق الفرات، على الرغم من ظهور بوادر على توافق بالحد الأدنى على إعادة الهدوء لجبهات إدلب، ورفض مشروع قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
وعقدت جولة أستانا الأخيرة يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، في العاصمة الكازاخية نور سلطان، بمشاركة وفود الدول الضامنة (تركيا، روسيا، إيران) والنظام والمعارضة، والأمم المتحدة.
واكتفت الأطراف بالتأكيد في بيانها الختامي، الأربعاء الماضي، على تنفيذ كل التفاهمات المتعلقة بإدلب، من أجل تحقيق التهدئة، وكذلك على إرساء الاستقرار في شرقي الفرات، ورفض التطلعات الانفصالية، ما دفع بمحللين إلى اعتبار الأمور أنها لا تزال "ضبابية".
وبحسب من تحدثت معهم "عربي21"، فإن الأمور غير واضحة بما يخص مستقبل التصعيد في إدلب، التي تعطي سيطرة "هئية تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقا) على جزء كبير من قرارها، الحجج لمواصلة الهجوم عليها.
اقرأ أيضا: هذه أبرز المباحثات السورية بجولة أستانا 14 في يومها الثاني
وفي إطار الحديث عن ما تم التفاهم حوله بخصوص إدلب، كرر رئيس وفد المعارضة السورية في أستانا أحمد طعمة، تصريحه الذي أدلى به في المؤتمر الصحفي عقب اختتام الجولة 14، قائلا لـ"عربي21": "المؤكد أن إدلب ستكون فيها تهدئة، ونأمل أن تكون دائمة وشاملة وليست نسبية وجزئية، بل دائمة وشاملة".
ترحيل ملف إدلب
أما القيادي العسكري في الجيش السوري الحر، النقيب عبد السلام عبد الرزاق، فرأى خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "التعقيدات والحساسيات الكثيرة في ملف إدلب، تجعله من أكثر الملفات السورية سخونة، رغم أنه ليس الأهم بالنسبة لمصالح الدول المؤثرة في الصراع، وذلك في إشارة إلى أولوية ملف شرق الفرات، بالنسبة لروسيا وتركيا".
وبدا عبد الرزاق مقتنعا، بأن روسيا اليوم بعد عجزها عن التقدم أو تحقيق أهدافها العسكرية التي رسمتها لحملتها الأخيرة على إدلب، باتت بحاجة إلى ترحيل هذا الملف.
وتابع بأن "روسيا نقلت اهتمامها السياسي والعسكري من إدلب إلى شرق الفرات، المنطقة الأهم اقتصاديا والتي كانت بعيدة عن متناول يدها، وغير موجودة على جدول تحركاتها".
وقال عبد الرزاق: "بذلك نستطيع القول إن التوافق شرقي الفرات هو الأهم، ولن تختلف روسيا مع تركيا لأجل إدلب، ما يعني أن الموضوع الأخير سيبقى مرتبط بالمسار السياسي للحل في سوريا بغض النظر عن التصريحات الإعلامية، والمناكفات هنا وهناك".
وأضاف أن "الفشل العسكري وأولوية ملف شرق الفرات، يجعلان السيطرة العسكرية على ادلب بعيدة عن الأجندة الروسية، ما يعطي انطباعا أن أي تغيرات في المرحلة القريبة، لن تحدث".
بوادر تهدئة
ومثل عبد الرزاق، أكد الصحفي إبراهيم إدلبي، نقلا عن مصادر مطلعة، أن الجولة شهدت بوادر توافق على إعلان وقف العمليات القتالية في إدلب.
وقال لـ"عربي21": "تم التوافق أيضا على ضبط موضوع الاستهدافات الروسية، وجعلها محددة، بحيث لا تكون عشوائية، وبعيدة عن مناطق المدنيين".
وأكد إدلبي، أن "العديد من التفاصيل الخلافية تمت جدولتها ضمن خطة زمنية طويلة نسبيا، وتحديدا التفاصيل المتعلقة بوجود "تحرير الشام"، وأيضا الكيانات السياسية في إدلب الموالية للأخيرة".
وبالتوازي مع ذلك، وفق الصحفي ذاته، فقد تم التوافق على تشكيل قوات شرطة لضبط الأمن في إدلب، على غرار منطقتي "درع الفرات، وغصن الزيتون" في شمالي حلب.
الكاتب الصحفي والناشط السياسي، درويش خليفة، أشار بدوره إلى العديد من الملفات الشائكة والعُقد في ملف إدلب، وعلى رأسها الملف الإنساني.
اقرأ أيضا: ماذا وراء فقدان المعارضة لمناطق سيطرتها بريف إدلب؟
وفي حديثه لـ"عربي21"، اعتبر خليفة: "ليس لدى روسيا الرغبة بدعم عمل عسكري كبير في إدلب، وما انخراطها في القصف الجوي إلا محاباة للنظام ولإيران"، مضيفا: "ما يهم روسيا هو خلق توازن في العلاقة ما بين تركيا وإيران، فيما تدفع إيران بالنظام السوري إلى خيار الحسم عسكريا في شمال غرب سوريا".
وهنا، يرى الكاتب أن على المعارضة السورية، أن تتحرك لحل مسألة "تحرير الشام"، وذلك قطعا للطريق على الحجج التي تبرر للآخرين الهجمات على إدلب، بذريعة وجود "الإرهاب".
وقال خليفة: "بات لزاما على الفصائل إقناع "تحرير الشام" بأن حل نفسها هو شرط أساسي لحماية 4 ملايين مدني يعيشون في إدلب"، وذلك في إشارة إلى بند محاربة من يوصفون بـ"المتشددين".
الحد من التسخين
من جانب آخر، يعتقد خليفة أنه "بات واضحا أن "ملف إدلب، مرتبطا إلى حد بعيد بما يجري شرقي الفرات، حيث يتطلع كل طرف إلى تحصيل المكاسب في ملف مقابل تقديم التنازلات في الملف الآخر".
وفي هذا السياق، قال الكاتب الصحفي التركي، عبد الله سليمان أوغلو، إن الأطراف الضامنة حاولت الحد من التسخين الميداني، للمضي قدما في المسار السياسي.
وأضاف في حديثه لـ"عربي21" أن لدى الأطراف مصلحة في دفع اللجنة الدستورية إلى الأمام، وكذلك في فتح ملف إعادة الإعمار، وملف إعادة اللاجئين، وهو الملف الذي لن يكون متاحا في ظل استمرار التصعيد العسكري.
وكل ذلك، وفق أوغلو، يؤشر إلى أن الملف السوري مقبل على تهدئة، رغم وجود مقومات تجدد التصعيد موجودة، في ظل تعنت "تحرير الشام"، ورفضها كل الحلول.
شرقي الفرات
وفيما يخص التطورات في شرقي الفرات، أرسلت الأطراف المشاركة رسالة واضحة للولايات المتحدة، بإعلانها معارضتها للتطلعات الانفصالية في سوريا تحت اسم الحكم الذاتي، مشددة في الآن ذاته على رفضها الاستيلاء على الإيرادات النفطية بشكل غير مشروع.
واعتبر مراقبون أن "الأطراف المشاركة في أستانا 14 وجهت صفعة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، في حين لم يصدر أي رد عن الأخيرة، حيال ما تم في الجولة".
وفي هذا السياق، ، قال عمر رحمون، عضو "لجنة المصالحة الوطنية" التابعة للنظام السوري، أن "أستانا14 أطلقت رصاصة الرحمة على مشروع الإدارة الذاتية"، مضيفا في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية، أن "انهيار تنظيم داعش في سوريا، أسقط اللافتة التي قامت الإدارة الذاتية من أجلها".
وأضاف: "نحن الآن أمام استحقاق وطني والإدارة الذاتية مدعوة إما أن تقبل بالانضمام للجيش الوطني (قوات النظام) أو ستتم معالجة المسألة سياسيا أو عسكريا، بحسب موقع "سبوتنيك".
وقال إن نظامه "سيكون مضطرا في النهاية لإنهاء هذا المشروع الانفصالي وهذا الوجود المسلح غير المشروع".
وتابع رحمون بأن بيان "أستانا" كان واضحا في الحديث عن وحدة الأراضي السورية، وأشار إلى أن الإدارة الذاتية غير شرعية وتقوم على مشروع انفصالي لايتناسب مع وحدة الأراضي السورية.
وأنهى بقوله إن "الإدارة الذاتية ليست مستقلة وتدعمها الولايات المتحدة وأوروبا"، مؤكدا أن الإرهاب الذي تقول "قسد" إنها تحاربه قام بدعم من نفس هذه الدول لكي يكون هناك مبرر لقيام الإدارة الذاتية.
وفي سياق متصل بشرقي الفرات، اعتبرت مصادر روسية أن الإعلان عن افتتاح الطريق الدولي (حلب- الحسكة M4)، وتحييده عن العمليات العسكرية، كان أحد أهم ما تم التوافق عليه بين تركيا وروسيا، خلال الاجتماعات الثنائية بينهما التي عُقدت في الجولة الأخيرة من محادثات أستانا.
وتابعت بأن افتتاح الطريق الدولي خطوة يمكن البناء عليها، عن نجاح التنسيق العسكري الروسي التركي المشترك.
ماذا وراء فقدان المعارضة لمناطق سيطرتها بريف إدلب؟
إدلب تحت نار روسيا والأسد.. ما هي فرص وقف التصعيد؟
إدلب مقابل شرق الفرات.. ما حقيقة هذه المعادلة في سوريا؟