أكد محللون أن مشاورات تشكيل حكومة إلياس الفخفاخ تواجهها مصاعب فقدان الثقة بين أهم الأطراف المدعوة لتشكيلها.
والاثنين قبل الماضي، كلّف الرئيس التونسي قيس سعيد، "إلياس الفخفاخ" ( 48 سنة)، وزير المالية الأسبق، القيادي في حزب "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات"، بتشكيل حكومة جديدة، خلال شهر .
ورفض مجلس "نواب الشعب" (البرلمان)، في 10 كانون الثاني/ يناير الجاري، منح الثقة لتشكيلة حكومة الحبيب الجملي، مرشح "حركة النهضة" (إسلامي-54 نائبا من أصل 217)، الذي تصدر نتائج الانتخابات التشريعية في 6 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وتعهد الفخفاخ، الجمعة الماضي، خلال مؤتمر صحفي، بتشكيل حكومة سياسية مصغرة، تقوم على قاعدة الانتخابات الرئاسية في دورها الثاني التي أفرزت فوز قيس سعيد"، في إشارة إلى أحزاب أهمها حركة النهضة (إسلامية 54 نائبا/ 217) والتيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي 22 نائبا) وحركة الشعب (قومية ناصرية 15 نائبا) وحركة تحيا تونس (ليبيرالية 14 نائبا).
وأكد الفخفاخ، أن حزبي "قلب تونس" (ليبرالي 38 نائبا) و"الدستوري الحر" (دستوري ليبرالي 17 نائبا)، سيكونان خارج الائتلاف الحكومي، مشدّدا على أن "لا ديمقراطية دون معارضة حقيقية".
إلا أن حركة النهضة "رفضت" العرض ودعت إلى حكومة وحدة وطنية واسعة.
وقال رئيس مجلس شورى النهضة عبد الكريم الهاروني في مؤتمر صحفي الاثنين الماضي، إن "مصلحة تونس نراها في حكومة وحدة وطنية موسعة... فنحن نريد أن تكون ديمقراطيتنا الناشئة مبنية على أسس صحيحة".
اقرأ أيضا: انطلاق مشاورات "الوثيقة المرجعية" لحكومة الفخفاخ بتونس
وأضاف: "أمام فشل المشاورات التي قادها الحبيب الجملي (رئيس الحكومة المكلف سابقا) في مرحلتها الأولى والثانية، فإن الحل الذي بقي لتونس والذي يراعي المخاطر التي تحيط بالتجربة التونسية الناشئة، هو حكومة وحدة وطنية".
استحقاقات مؤجلة تفرض حكومة وحدة وطنية
الباحث في الفلسفة السياسية المعاصرة رياض الشعيبي، فسّر "اشتراط" النهضة حكومة وحدة وطنية واسعة، في إشارة إلى ضرورة إشراك حزب "قلب تونس"، بأنها (النهضة) تريد حكومة مستقرة تستطيع أن تستمر لأطول فترة ممكنة، وتستطيع الاستجابة للتحديات الكبيرة المطروحة عليها".
وأكد الشعيبي أن الحكومة التي يطرحها الفخفاخ "لا تستطيع القيام بذلك إلا عندما تجمع أوسع تزكية ممكنة داخل مجلس النواب".
وأضاف الشعيبي: "هناك ارتباط بين عمل الحكومة وعمل مجلس النواب، وهناك مشروع لتعديل القانون الانتخابي سيُعرض على المجلس، وهناك انتخاب المحكمة الدستورية ومؤسسات دستورية أخرى التي تستوجب تصويت أكبر عدد ممكن من النواب".
يذكر أن انتخاب المحكمة الدستورية تعطل عدة مرات في الدورة النيابية، لعدم حصوله على تزكية ثلثي أعضاء مجلس النواب ( 145 نائبا) مثلما يفرضه القانون.
"رد جميل" وتوافق" مع العائلة الدستورية
أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، وزير الثقافة الأسبق، مهدي مبروك يفسِّر حرص النهضة على إشراك قلب تونس "رغم أنها خاضت خطابا انتخابيا مناهضا للفساد ولقلب تونس، ورغم أن قلب تونس كان من بين الأحزاب التي عملت على إسقاط حكومة الحبيب الجملي، بـ "الحرج الأخلاقي" والحفاظ على توافقات 2014 مع العائلة الدستورية"، في إشارة للتوافق بين النهضة وحزب نداء تونس الذي يتكون أغلب مناضليه من الحزب الدستوري الذي حكم البلاد من 1956 إلى 2011 .
وقال مبروك في "حرج أخلاقي تجاه حزب كان له الفضل في اعتلاء الأستاذ راشد الغنوشي منصب رئيس مجلس النواب، ولذلك فإنها تجد نفسها مجبرة على مرافقته في هذه الحكومة اعترافا له بالجميل".
وأضاف مبروك أن هذا الحرص يعود أيضا "إلى التموقع السياسي، إذ اختارت النهضة منذ 2014 أن تلتقي بالرافد الدستوري من الحركة الوطنية، ولذلك، فإن "حشرها" في حكومة يرافقها فيها حركة الشعب والتيار الديمقراطي وغيره، قد يكون قطعا مع رفاق طريق ( الدساترة) اختارتهم النهضة".
"أزمة ثقة"
إلا أن عاملا آخر يفسِّر، وفق المحللين، اشتراط النهضة توسيع قاعدة الحكومة إلى أحزاب أخرى غير تلك التي حددها الفخفاخ.
يقول الشعيبي: "بعد إسقاط حكومة الحبيب الجملي، الثقة اهتزت بين حركة النهضة من جهة والكتلة الديمقراطية من جهة ثانية (كتلة برلمانية من 41 نائبا، أساسها حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب)، وأصبحت ربما هناك صعوبة أمام استعادة هذه الثقة في عمل حكومي مستقبلي".
اقرأ أيضا: الهاروني: النهضة متمسكة بحكومة وحدة وطنية وهذه خياراتها
ورجح الشعيبي أن تكون "النهضة مستاءة من الطريقة التي تعاملت بها الكتلة الديمقراطية، بعد أن وقع الاستجابة لكل مطالبها خلال مفاوضات حكومة الحبيب الجملي، الأمر الذي بيّن فيما بعد أن الكتلة الديمقراطية خططت لإسقاط الحكومة، ولم يكن في نيتها المشاركة فيها، وعملية التفاوض مع حركة النهضة لم تكن إلا للتغطية وللتعمية على مخطط إسقاط حكومة الجملي".
واعتبر الشعيبي أن "هذا الأمر أثار استياء النهضة بشكل كبير، وجعلها تفقد ثقتها في الكتلة الديمقراطية، وتبحث عن شريك أكثر وثوقا في المستقبل ربما تجده في قلب تونس".
ويوافقه مبروك في هذا الأمر، معتبرا أن حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب "رفاق سفر لم تأنسهم النهضة من قبل".
وأكد مبروك أن "ما وقع في المفاوضات العسيرة في حكومة الجملي لا يمكن أن تنساه النهضة".
واعتبر مبروك أن" قطع النهضة مع "قلب تونس" والذهاب في تحالف حكومي مع حزبين ( التيار والشعب)، أمر محفوف بالمخاطر والمحاذير لدىها، خصوصا وقد استفحلت أزمة الثقة بينها حدّ اتهامها من الحزبين بأنها "خطر على الوطن".
وأوضح مبروك أن "كل الاتفاقات التي حصلت على خلفية تشكيل حكومة الحبيب الجملي بين النهضة من جهة و"التيار" والشعب" من جهة أخرى، قد تم نكثها ثم تمّ إسقاط الحكومة لاحقا أمام البرلمان".
وأكد مبروك أنه ليس من السهل أن تطوي النهضة هذه الصفحة وتبدأ صفحة جديدة، فأزمة الثقة أعمق بكثير من دعوة للّم الشمل وراء حكومة الفخفاخ".
من جهته، أكد الناطق باسم حركة النهضة عماد الخميري أزمة الثقة هذه، وقال: "كانت هناك مفاوضات لتشكيل حكومة ذات طبيعة سياسية، والأحزاب التي ذهبت في اختيار حكومة سياسية لم تكن جدية وهناك الآن أزمة ثقة".
وأضاف الخميري: "نرى الآن أن إنجاح التوجّه الجديد لرئيس الدولة، هو حكومة ذات حزام سياسي واسع على قاعدة البرنامج الاقتصادي والاجتماعي، وهو الأقرب إلى إنجاح المرحلة التي تمر بها البلاد".
وأكد الخميري أن "النهضة ترى ضرورة توسيع الحكومة لأكثر عدد ممكن من الأحزاب".
انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.. أمر غير مرجح
وحول احتمال إجراء الانتخابات التشريعية سابقة لأوانها أمام مواصلة الفخفاخ، رفض مقترح حكومة الوحدة الوطنية.
اقرأ أيضا: أحزاب تونسية لها أولوية بمشاورات الفخفاخ.. وفق هذا الشرط
الباحث رياض الشعيبي قلّل من هذا الاحتمال قائلا: "لا أعتقد أن البلاد ذاهبة لانتخابات سابقة لأوانها"، معتبرا أن عملية المطالبة بتشريك قلب تونس في الحكومة الجديدة من قبل النهضة، هي للضغط أكثر منها ذات طابع إلزامي".
وأضاف: "لذلك، الأحزاب التي تتحاور اليوم حول برنامج الحكومة، ومنها النهضة، ستجد نفسها في نهاية المطاف ملزمة بالمصادقة ومنح الثقة لهذه الحكومة والمشاركة فيها".
إلا أن الشعبيبي رجح أن الإشكال هو كيفية التعاطي مع كتلة قلب تونس، هذه الكتلة الكبيرة نسبيا داخل المجلس، التي لا يستطيع أي طرف سياسي أن يستغني عنها إذا ما أرادت تمرير بعض القوانين والمبادرات التشريعية".
وفي السياق ذاته، استبعد أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية مهدي مبروك الذهاب إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
وأكد مبروك أنه "رغم كل هذه التجاذبات الحادة والنزاعات المحتدمة، يبدو أن هناك شبكة من الوساطات من أجل تهدئة الخواطر وتلطيف المناخات لإيجاد تسويات حتى لا يخسر الجميع بما فيها النهضة."
وتابع: "يقتضي هذا، ترتيبات تحتية، هي الآن جارية من أجل حفظ ماء وجه الجميع، ولا تكون التنازلات تراجعا خطيرا سيؤدي مرة أخرى إلى استفحال أزمة الثقة".
ورجّح مبروك أن يتمّ استدعاء وجوه مقربة من "قلب تونس" للحكومة، ضمن تسويات شاملة لموقع هذا الحزب، وقطعا للطريق الذي يخشاه الجميع وهو "ارتماء قلب تونس في أحضان الحزب الدستوري الحر"، فالنهضة - يوضح مبروك - تخشى أن يرتمي قلب تونس في أحضان الحزب الدستوري الحر، وهي خشية يتقاسمها الجميع في أفق انتخابات تحرص النهضة على أنها ستكون ضمن عتبة الـ 5 بالمئة.
فشل الحكومة.. ما تأثيره على النهضة والحالة السياسية بتونس؟
هذه نسب ثقة البرلمان بحكومات تونس منذ "الثورة" (إنفوغراف)
كتلة برلمانية جديدة.. وسعيّد بصدد تكليف رئيس حكومة جديد