ارتفعت حدة التوتر في محافظة
إدلب شمال غربي
سوريا، بعد استهداف قوات النظام السوري القوات التركية، ورد الجيش التركي على قوات النظام السوري أكثر من مرة خلال الأيام الأخيرة، في ظل المباحثات التي أجراها وفد روسي في أنقرة لنزع فتيل أزمة محتملة قد تتفجر بين
تركيا وروسيا، بسبب التباين الكبير بين وجهات نظر البلدين تجاه الوضع في إدلب ومستقبل المحافظة.
روسيا تدفع قوات النظام السوري إلى مواجهة القوات التركية المتمركزة في نقاط المراقبة ومحاصرتها، والسيطرة على محافظة إدلب، إلا أن تركيا أرسلت في الآونة الأخيرة إلى المحافظة تعزيزات عسكرية ضخمة تؤكد أن أنقرة لا رغبة لديها على الإطلاق في الانسحاب من المحافظة، أو التخلي عن حماية سكانها وتركهم تحت رحمة النظام الدموي.
الوفد الروسي زار أنقرة مرتين، ولكن المباحثات التي أجراها مع المسؤولين الأتراك لم تسفر حتى الآن عن أي نتيجة. وتواصل قوات النظام السوري هجماتها وتحرشاتها، كما أن الجيش التركي يرد على تلك القوات ويكبدها خسائر فادحة. ولكن المتوقع أن لا يستمر هذا الوضع الذي يستنزف الطرفين. بل المتوقع الآن أن يقوم الجيش التركي بعملية عسكرية واسعة، إن لم تنسحب قوات النظام السوري وراء حدود منطقة خفض التصعيد.
تركيا لا يمكن أن تنسحب الآن من محافظة إدلب بأي حال، لأن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تعرِّض أمن تركيا ومصالحها العليا في المنطقة، بما فيها شرقي المتوسط، لمخاطر كبيرة، وأن تجعل العمليات العسكرية الثلاث التي قام بها الجيش التركي لإبعاد العناصر الإرهابية عن حدودها، بلا أي معنى، كما أنها تعتبر الاعترف بالهزيمة، وفشل السياسة الخارجية التركية في الملف السوري.
الجيش التركي رد على قوات النظام السوري بعد كل هجوم قامت به هذه الأخيرة، وقتل المئات من عناصرها، إلا أن المجتمع التركي يرى أن هذا الرد لا يكفي، بل يجب أن يفعل الجيش التركي شيئا أكبر من مجرد الرد على تلك الهجمات، للانتقام من النظام السوري، وأخذ ثأر الجنود الشهداء، مثل تحرير مدينة حلب من قوات النظام أو تدمير قصر بشار الأسد على رأسه.
المعارضة التركية هي الأخرى تطالب الحكومة التركية برد أقوى على النظام السوري، ومراجعة العلاقات مع روسيا. ودعا رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، إلى التخطيط للدخول إلى دمشق وإسقاط نظام الأسد، مشيرا إلى أن سوريا تحولت إلى مستعمرة روسية. وقال إن تركيا لن تنعم بالأمن ما لم يتم إسقاط بشار الأسد عن سدة الحكم.
وعلى الصعيد الدولي، هناك تصريحات لمسؤولين أمريكيين يعبرون عن تضامن الولايات المتحدة مع تركيا في ملف إدلب، إلا أنها تثير علامات استفهام حول حقيقة الموقف الأمريكي من التطورات الأخيرة. وأعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، وقوف بلاده إلى جانب تركيا، كما قام المبعوث الأمريكي إلى سوريا، جيمس جيفري، بزيارة العاصمة التركية، لإجراء مباحثات مع مسؤولين أتراك بشأن إدلب. ولدى وصوله إلى أنقرة، تحدث جيفري أمام الكاميرات باللغة التركية، ليقدم تعازيه إلى الشعب التركي. ووصف الجنود الأتراك الذين قتلتهم قوات النظام السوري بــ"شهدائنا"، وأضاف أن جنود تركيا، حليفة الولايات المتحدة في حلف الناتو، تواجه تهديدا كبيرا في إدلب، مشيرا إلى أن روسيا ونظام الأسد هما مصدر هذا التهديد.
هناك نقاش يدور حاليا بين المحللين الأتراك حول هدف الولايات المتحدة، وأسباب تصريحات المسؤولين الأمريكيين الأخيرة. ويرى بعضهم أن واشنطن تسعى إلى المشاركة في حماية محافظة إدلب، والوقوف إلى جانب تركيا ضد روسيا، وترميم علاقاتها مع أنقرة لإبعادها عن موسكو، فيما يذهب آخرون إلى أن أمريكا تحاول أن تعرف خطط تركيا، وأبعاد العملية العسكرية المرتقبة لعرقلتها وتحريفها عن أهدافها.
وبغض النظر عن مدى صحة هذه الآراء، قد تؤدي التطورات الأخيرة في إدلب إلى إذابة الجليد بين أنقرة وواشنطن، وإعادة الدفء إلى العلاقات التركية الأمريكية إلى حد ما. ومن الممكن أن تتقدم الإدارة الأمريكية إلى الحكومة التركية بمقترح جديد لبيع صواريخ باتريوت، ويتوصل الطرفان إلى حل لإنهاء أزمة شراء تركيا من روسيا صواريخ "إس-400"، إن لم تتراجع موسكو عن موقفها الحالي من ملف إدلب.