مازال موضوع المرأة وموقعها في الإسلام يثير جدلا فكريا وحقوقيا وسياسيا في مختلف مواقع القرار في العالم.. ولازالت الاتهامات للإسلام والإسلاميين باستضعاف المرأة وامتهانها تجتاح الكثير من المنظمات الحقوق وتقاريرها ذات التأثير السياسي الكبير.
ومع أن علماء الإسلام من الرجال والنساء، قبل قادة العمل الإسلامي قد برهنوا بالملموس على فهم تقدمي لحقوق الإنسان بشكل عام، والمرأة بشكل أخص، إلا أن ذلك لم يحسم الجدل بشأن المطلوب من أجل الوصول لتحقيق العدل في العلاقة بين المرأة والرجل باعتباره جزءا من تحقيق العدل بين مختلف بني البشر.
ولقد فتحت ثورات الربيع العربي التي أسقطت جدران الخوف والاستبداد الباب واسعا للنقاش حول مختلف الملفات من دون خطوط حمر، وعاد ملف المرأة مجددا ليتصدر المشهد، ليس فقط في المستوى الحقوقي المتصل بالقضايا الأسرية العابرة، وإنما في القضايا الفقهية الرئيسية المتصلة بالحقوق المدنية، ولا سيما منها الميراث والولاية..
"عربي21" تفتح ملف الحقوق الأساسية للمرأة في الإسلام، في سلسلة من التقارير والحوارات الفكرية، في سياق إدارة حوار فكري بناء يسهم في تقديم فهم أعمق للحقوق الأساسية للمرأة في الإسلام ولدورها في المجتمع.
اليوم يقدم الكاتب والباحث المغربي بلال التليدي عرضا لمواقف رموز الحركة الإسلامية المعاصرة من المرأة والجور المنوط بها.
أثارت قضية المرأة في فكر ومواقف الإسلاميين اهتماما كبيرا، لاسيما في أوساط عدد من المراكز البحثية الغربية، واعتبر معهد كارنيجي للسلام الدولي، الذي تخصص غي دراسة وتتبع السلوك السياسي للإسلاميين، قضية حقوق المرأة من القضايا التي تدخل ضمن المناطق الرمادية في فكر الإسلاميين، التي تحتاج إلى بذل كثير من الجهد من طرفهم من أجل التكيف مع مفردات الفكر الحقوقي، لاسيما ما يتعلق منها بحقوق المرأة ومقاربة النوع (المساواة والجندر).
والواقع، أن تتبع موقف الإسلاميين من قضية المرأة، يفيد بوجود اختلاف وتمايز كبير بين مدارسهم بهذا الخصوص، كما يفيد من جهة ثانية، حصول تطور كبير في أدبياتهم، بتطور كسبهم والتراكم الذي حققوه، بل مع دخولهم لمربع المشاركة السياسية، بدأت كثير من قناعاتهم تتغير لفائدة تبني أطروحة مشاركة، كان لها انعكاس على رؤية الإسلاميين للمرأة، لجهة تأصيل مشاركتها في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بل وميل نحو إحداث قدر كبير من التماثل في الحقوق بين الرجل والمرأة، سواء منها المدنية أو السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية.
وتحاول هذه الورقة، أن تحفر في جذور الموقف عند الإسلاميين من قضية المرأة، وذلك من خلال تتبع الكتابات التأسيسية، التي شكلت المتن الرئيسي لموقف الإسلاميين لأكثر من أربعين سنة، بل لا تزال إلى اليوم، تشكل ملاذات آمنة لتأصيل، دور المرأة التربوي والاجتماعي، إذ ستعمد الورقة إلى رصد أربع أدبيات لإسلاميين مؤسسين، كان لها تأثير واسع على مختلف أطياف الإسلاميين، حيث ساهمت في صياغة رؤيتهم الكلية لقضية المرأة، والتي انطبعت في الغالب، بمركزية الوظيفة التربوية للمرأة، وتأصيل كثيف لحيثيات هذا الاختيار ومستلزماته، وأحيانا بدخول في سجال حاد وقوي وعن المقاربات الأخرى المنافسة، لاسيما منها الأطروحة الغربية القائمة على فلسفة المساواة بين الرجل والمرأة في جميع أبعادها.
وإذا كان الإمام حسين البنا، هو المرجع الرئيسي في صياغة رؤية الإسلاميين التأسيسية لهذه الوظيفة، فإن الأستاذ أبو الأعلى المودودي، هو الذي شحذها بخلفية فكرية وفلسفية عميقة، حصنتها بالحجج السجالية، التي مكنتها في التدافع وإثبات قوة الحضور، وجاء سيد قطب لصوغها من جديد، ببناء فكري متين، مع إرفاقها بمشاهدات على الأرض من واقع التجربة الأمريكية، تحاول أن تثبت مآل الرؤية الغربية لقضية المرأة، وانحرافها عن الفطرة، وتميز الرؤية الإسلامية، كما جاءت مساهمة مصطفى السباعي، حاملة لنفس الخلفية، مع تميزها ببعد قانوني مقارن، حاول فيه تمييز الرؤية الإسلامية لقضية المرأة، بطابعها التشريعي، مع جهد في التعليل القانوني والواقعي، لتأكيد هذه الوظيفة التربوية.
الإمام حسن البنا: تأهيل المرأة للقيام بوظيفتها التربوية
لم يؤثر عن الإمام حسن البنا أنه كتب كتابا مستقلا عن المرأة، مع أنه دخل في مساجلات مهمة مع الأفكار العصرية التي كانت تثار في زمنه، لاسيما ما أثاره طه حسين في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"، فقد كان لكتابات قاسم أمين حول المرأة تداعيات كبيرة داخل كثير من الأوساط المصرية، لاسيما منها الوسط الديني، ومع ذلك، فلم يرد عن الإمام حسن البنا بشأن المرأة سوى رسالة صغيرة، في مجموعة رسائله، هي "رسالة المرأة المسلمة"، اعتبرها أتباعه من جماعة الإخوان المسلمين المتن الموضح لمنهج الإسلام في التعامل مع قضية المرأة.
والواقع، أن ما ورد في هذه الرسالة، لا يرقى لهذا الوصف، لأنه في حقيقة الأمر لم يتعد التذكير ببعض ألأساسيات التي ينبغي للمرأة المسلمة وبالأخص الداعية تمثلها في دعوتها، فواضح من سياق الرسالة، وكونها جاءت في سياق الاستجابة لسؤال كاتب فاضل يطلب من الإمام حسن البنا أن يكتب عن المرأة وموقفها من الرجل وموقف الرجل منها ورأي الإسلام في ذلك، واضح من خلال مناسبة ورود هذه الرسالة، أن القصد منها لا يتعدى إجابة السائل بقدر من الاقتصاد، لأن ما كان يشغل البنا في الموضوع، ليس بيان رؤية الإسلام في الموضوع، بقدر ما كان يشغله جاهزية المجتمع لتبني هذه الرؤية واستعداداته للنزول على حكم الإسلام، أي أنه كان يعتقد أن رأي الإسلام في قضية المرأة موجود وسبق إليه غيره، وأن ما يهمه بدرجة أولى هو جهد الدعوة والتربية لبناء هذه الجاهزية لدى المجتمع أكثر من اهتمامه بتأصيل رؤية أو الاحتجاج عليها أو الدخول في مقارنات لإثبات تميزها.
ومع ذلك، فقد تضمنت هذه الرسالة بعضا من هذه الرؤية، كما تضمنت قدرا من التحذير مما أسماه البنا بـ "الأهواء الغربية والنظم الأوربية" فيما يخص الموقف من المرأة، معتبر إياها خطرا مضاعفا على الأمة، إذ سيزيد على خطر مخالفة الأمة لأحكام الإسلام فيما يخص المرأة، خطر التماس المخارج القانونية لهذه المخالفة وصبغها بصبغة الحل والجواز.
وفي تفصيله لرؤية الإسلام من المرأة، ذكر البنا برفع الإسلام لقيمة المرأة وبمواقعها كشريك للرجل في الحقوق والواجبات، واعترافه بحقوقها الشخصية والمدنية والسياسية كاملة، كما أوضح الإقرار الإنسان بإنسانية المرأة.
وبخصوص المساواة بين الرجل والمرأة، اعتبر البنا أن الإسلام لم يسو بينهما تسوية كاملة وأن تفريقه بينهما ليس تفريق انتقاص من قدر المرأة، وإنما هو مراعاة لتكوينهما المختلف وما يستتبعه من اختلاف المهام بينهما وأن ذلك هو ما يفسر الفوارق بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، واعتبر البنا أن التجاذب الفطري الموجود بينهما ليس غايته المتعة وما إليها، وإنما القصد منه التعاون لحفظ النوع وتحمل متاعب الحياة.
بعد تفصيل البنا في هذه الأصول التي راعاها الإسلام وقررها في نظرته إلى المرأة، شرع في تقرير تصوره لأدوار المرأة في المجتمع في تصور الإسلام، ولخص ذلك في نقطتين اثنتين: أولهما وجوب تهذيب المرأة وتربيتها على الفضائل والكمالات النفسانية منذ النشأة وما يتطلبه ذلك من تعليمها ما لا غنى لها عنه من لوازم مهمتها من القراءة والكتابة والحساب والدين والتاريخ (تاريخ السلف الصالح رجالا ونساء) وتدبير المنزل والشؤون الصحية ومبادئ التربية وسياسة الأطفال وكل ما تحتاج إليه الأم في تنظيم بيتها ورعاية أطفالها، معتبرا أن المقالات في غير ذلك من العلوم فيدخل ضمن ما لا حاجة للمرأة، وذكر من الأمور التي ليس من الحاجة أن تصرف وقتها النافع فيه، تعلم اللغات المختلفة، والدراسات الفنية، ودراسة الحقوق والقوانين، وأن حسبها أن تكتفي من ذلك مما يحتاج إليه عامة الناس، وأما الثاني، فهو التفريق بين الرجل والمرأة ومنع الاختلاط بينهما وأن ذلك يشكل خطرا محققا من شأنه مباعدة الزواج.
وينتصر البنا في رسالته لحرمة مزاولة المرأة للأعمال العامة ويستدل بالنصوص التي حرمت الاختلاط وإبداء الزينة والخلوة والنظرة المحرمة وتحبيب صلاتها في بيتها، ويعتبرها دالة على ذلك، ويخلص في نظرته للمرأة أن مهمتها الطبيعية الأساسية هي المنزل وتهييء مستقبلها الأسري، وأنه إذا كان من الضرورة الاجتماعية ما يلجئ المرأة إلى مزاولة عمل آخر غير المهمة الطبيعية لها، فإن من واجبها حينئذ مراعاة الشرائط التي وضعها الإسلام لإبعادها عن فتنة المرأة عن الرجل وفتنة الرجل عن المرأة، وأن يكون عملها بقدر ضرورتها لا أن يكون نظاما عاما من حق المرأة أن تعمل على أساسه.
يتحصل من نظرة البنا للمرأة، أنه يقصر وظيفتها الطبيعية في البيت وبناء الأسرة وتربية الأعمال، وأنه ينتصر في الأصل لمبدأ تحريم اشتغالها في الأعمال العامة إلا ما كان لضرورة، فيستثني من النساء لهذا الغرض صاحبات الضرورة، على أساس أن تقدر الضرورة بقدرها لا أن تصير قانونا عاما يجري على كل النساء.
المودودي: إضفاء مضمون فكري وفلسفي على وظيفة المرأة التربوية
على نفس نسق الإمام حسن البنا، لم يؤثر عن الأستاذ أبي الأعلى المودودي أنه خص كتابا بعينه بقضية المرأة، وهو المعروف بكثرة التأليف وتشعبه وتناوله لموضوعات مختلفة مقارنة للحضارة الغربية ومخرجاتها الفكرية والفلسفية، لكن عدم إفراده قضية المرأة بكتاب مسقل، لم يمنعه من تناول الموضوع في كتابين، في سياق بيان دور الرجل والمرأة وطبيعة العلاقة بينهما في النظام الاجتماعي، إذ تعرض للموضوعين، في كتابين هما "الحجاب" ثم كتاب "تفسير سورة النور".
وسنكتفي في هذه الوقة بتصوره في كتابه "الحجاب" لأنه الكتاب الأوفى التي تضمن تأصيلا فكريا وفلسفيا من جهة، مشحوذا بكثير من الحجج، فضلا عن دخول في سجال علمي مع مخرجات الحضارة الغربية بهذا الخصوص، ومساجلة قوية لأطروحة المساواة التي تأسست عليها هذه المخرجات.
وقد وطأ المودودي لكتابه بذكر تصورات اليونان والرومان للمرأة، ونظرة أوربا المسيحية وأوربا الجديدة لها، وانتهى من هذه الجولة إلى تقرير واقع الإفراط والتفريط في النظرة للمرأة، بين نظرة تحتقرها وتنزع عنها الإنسانية، ونظرة أخرى تعظمها وتبرز دورها في المجتمع بقصد استغلالها في ممارس النزوات، وانتهى في قراءة للتجربة الغربية إلى استخلاص تصور الغرب لموضوع المرأة وذلك في ثلاث نقاط:
1 ـ المساواة بلين الرجال والنساء
2 ـ استقلال النساء بشؤونهن الاقتصادية
3 ـ الاختلاط المطلق بين الرجال والنساء.
وفي تقييم المودودي لرصيد تصورات الفكر البشري لقضية المرة منذ ثلاث آلاف سنة، سجل واقع التيه والعجز عن الاهتداء إلى نقطة الاعتدال في أمر المرأة وكيفية تقصيره في فهمها والاستمساك بها، معتبرا أن نقطة الاعتدال هذه، ليست إلا إتاحة الفرص الكاملة لها لتنشئة مداركها وإنماء كفاءتها، وأن تؤهل للقيام بنصيبها من العمل على ترقية المدنية والحضارة الإنسانية بكل ما تملكه من الكفاءات، ولا تترك - بجانب آخر- أداة للتفسخ والانحطاط الخلقي وسببا لخراب الإنسانية وأن يوضع لتعاون الجنسين في مضمار الحياة خطة مستقيمة لمشاركتهما في العمل كل المنافع والبركات للتمدن البشري.
وبعد أن يدخل في تأصيل فكري عميق لوظيفة المرأة، واستنطاق خصائصها الجسمية من ناحية العلم محتجا بثلاثة علوم في هذا السياق، انتهى إلى تقرير القسمة التي اختارها لعلاقة الرجل بالمرأة وطبيعة دور كل واحد لخدمة وظيفة التمدن الإسلامي، وذلك على النحو التالي:
1 ـ أن الرجل تعود إليه وظيفة عيالة الأسرة ورعايتها وحمايتها والقيام بما هو عسير شاق من خدمات التمدن، فيكون تعليمه وتربيته على النحو الذي يجعله أنفع ما يكون لهذه المقاصد.
2 ـ يكون للمرأة وظيفة تربية الأولاد وواجبات البيت على أن يكون تعلميها وتربيتها خادما لهذا الهدف لتقوم بأعباء هذه المهمة على أحسن وجه.
3 ـ أن تكون السلطة والأمر بيد الرجل حتى يتم استبقاء نظام الأسرة ووقايته من الفوضى والشتات.
4 ـ لا بد وأن تقرر التحفظات اللازمة لإدامة هذه القسمة والتنظيم بين وظائف أفراد السرة حتى لا يحل الفوضى محل النظام.
الحاصل من تصور أبي الأعلى المودودي أنه لا يفترق في شيء عن تصور الإمام حسن البنا، سوى ما كان من تأصيل فكري قوي، وسجال فلسفي عميق يستحضر خلفيات كل المقاربات الفكرية، وأطروحتها، وتجنب بعض الأحكام التي سقط فيها الإمام حسن البنا من قبيل اعتبار تعلم المرأة لبعض التخصصات الفنية أو اللغات المختلفة عبثا لا طائل من وورائه أو الزعم بأنه لا حاجة لها في ذلك، إذ عالج الأستاذ المودودي الموضوع بصياغة لغوية أكثر لباقة، أكثر، جعلته في مأمن من كثير من الانتقادات التي وجهت للإمام حسن البنا متهمة غياه بتبني نظرة دونية للمرأة.
سيد قطب: وفلسفة التصور الإسلامي للعلاقة بين الجنسين
مثله في ذلك مثل الإمام حسن البنا، والأستاذ ابي الأعلى المودودي، لم يؤثر عن سيد قطب أنه كتب كتابا حول المرأة بسط فيه تصوره لها ولموقعها في الإسلام وحدد نظرته منها، وإنما اكتفى بعرض تصوره لهذا الموضوع ضمن موضوع أعم، هو مشكلات الحضارة، ضمن كتابه "الإسلام ومشكلات الحضارة"، وربما وقع لسيد قطب وهم حين تناول هذا الموضوع في هذا الكتاب باختصار واقتصاد محيلا على فصل كبير في كتابه "نحو مجتمع إسلامي"، زعم أنه فصل فيه الموضوع، إذ أثبت الرجوع إلى هذا الكتاب خلوه من هذا الفصل.
ويبقى بذلك كتابه "الإسلام ومشكلات الحضارة"، مع كتابه "السلام العالمي في الإسلام" من أهم المصادر التي كشف فيها عن تصوره للمرأة ونظرته للعلاقة بين الجنسين، بالإضافة إلى ما تضمنه كتابه "في ظلال القرآن"، وذلك من خلال تفسيره للآيات التي تتناول هذا الموضوع.
ففي كتابه "الإسلام ومشكلات الحضارة"، حاول سيد قطب التركيز بوجه خاص على موضوع المرأة والعلاقة بين الجنسين، منتقدا فيه بشدة ما أسماه التخبط في نظر الحضارة الغربية للمرأة والعلاقة بين الجنسين، ط والتفريط على منواله أستاذه المودودي، مبررا للحاجة لمنهج وسط يتسق مع فطرة من خلق، منطلقا في ذلك من مسلمة استحالة أن تستقيم أو تعتدل الحياة البشرية وتطمئن إذا لم تكن العلاقة بين الجنسين مستقرة، بحكم أن هذه العلاقة يقوم عليها بناء العمران وأنها قاعدة النظام الاقتصادي وتوزيع الثورات، والأرضية التي يقوم عليها بناء الأخلاق الإنسانية في مجالات واسعة مشتبكة.
وبسط سيد قطب تصور الإسلام لهذه العلاقة، والأسس التي تقوم عليها، منطلقا في ذلك من تقرير وحدة الزوجين وتساويهما من ناحية الإنسانية، ومن ناحية علاقتهما بربهما وجزائهما عنده، وبيان نوع الصلة بين شقي النفس الواحدة، وأهداف هذه الصلة المتنوعة سواء ما يختص منها بالزوجين أو ما يختص بالمجتمع الإنساني كله، وبتنظيم الصلة بين الجنسين في كل أحوالها وأطوارها وما يشتركان فيه وما ينفرد به كل منهما وفقا لتكوينه ووظيفته في المجتمع الإنساني القائم عليه كلاهما.
كما أعاد سيد قطب في ظلال القرآن أسس النظرة التي أصل لها أستاذه المودودي، وذلك حين لفت الانتباه إلى اختلاف وظائف المرأة والرجل وتمايزهما واجتماعهما في نواح واختلافهما في نواح أخرى، وأن مرد هذا الاختلاف إلى اختلاف طبيعة التكوين البيولوجي، إذ اختصت المرأة بخصائص الرقة والعطف وسرعة الانفعال والاستجابة العاجلة لمطالب الطفولة بغير وعي ولا سابق تفكير، في حين اختص الرجل بخصائص الخشونة والصلابة ، وبطء الانفعال والاستجابة، واستخدام الوعي والتفكير قبل الحركة والاستجابة واعتبر سيد قطب أن هذا الاختلاف في التكوين البيولوجي يفسر اختلاف الوظائف، واختصاص المرأة بمهمة حراسة البيت والحضانة للأبناء المكلفة بصناعة البشر، واختصاص الرجل بالسعي لطلب المعاش.
والحاصل من تصور سيد قطب، أنه لم يغادر في الأغلب ألأعم ما سجله أستاذه المودودي في كتابه "الحجاب"، بل اضطر إلى نقل فقرات منه، وأجاد من حيث صيغة في تقريب مضمونه، وزاد عليه ذكر المشاهد الكثيرة التي رآها في أمريكا والتي تكشف جانبا من السقوط ألأخلاقي للحضارة الغربية في نظرتها للمرأة وطبيعة العلاقة بين الجنسين والمآل الخطير الذي انتهت غليه.
مصطفى السباعي: إعادة صياغة مفاهيم الإمام حسن البنا حول المرأة ووظيفتها التربوية في المجتمع
يمثل كتاب مصطفى السباعي: "المرأة بين الفقه والقانون" واحدا من الكتب التي صاغت نظرة الإسلاميين حول قضية المرأة، ففي هذا الكتاب، أشار السباعي إلى أن الإسلام أحل المرأة المكانة اللائقة بها في ثلاث مجالات رئيسة، الإنساني، والاجتماعي، والحقوقي، مستعرضا بعض الفوارق التي يدفع بها كشبهات ضد مساواة الإسلام بين الرجل والمرأة (الشهادة، الإرث، دية المرأة، رئاسة الدولة)، ومؤكدا بأن الإسلام بعد أن أعلن موقفه الصريح من إنسانية المرأة وأهليتها وكرامتها، أبعدها عن كل ما يناقض طبيعتها أو يحول دون آداء رسالتها كاملة في المجتمع، وأنه لهذا القصد خصها ببعض الأحكام عن الرجل، وأن ذلك لا يتنافى مع مساواتها مع الرجل في الإنسانية والأهلية والكرامة الاجتماعية.
وبالنسبة للحقوق السياسية للمرأة، فقد اعتبر السباعي أن الإسلام كرس موقف النفور الشديد منها، ليس ذلك لعدم أهلية المرأة، بل للأضرار الاجتماعية التي تنشأ عن ذلك وللمخالفات الصريحة لآداب الإسلام وللجناية على سلامة الأسرة وتماسكها.
وانتقد السباعي بشدة عمل المرأة خارج البيت، مع إقراره بتصحيح الشريعة الإسلامية لعقود المرأة وتصرفاتها التجارية، واستثنى من ذلك المرأة المحتاجة التي تضطرها حالتها المادية للخروج عن العمل، ويعتبر السباعي أن عمل المرأة خارج البيت تترتب عنه آثار خطيرة، منها تفكك الأسرة بخروج المرأة عن طبيعتها وفسادها وتبرحها بالاختلاط. ويوجز السباعي خلاصة موقفه من حقوق المرأة بالقول بوجوب تعليمها، وتمتعها بالحقوق التي منحها إياها الإسلام، وضرورة التضييق من نطاق توظيفها في الدولة، وتهيئتها لأداء رسالتها الاجتماعية، ومنع اختلاطها بالرجال، ومنع إفساد سعادتها بالاشتغال بالسياسة، وتهيئتها للقيام بالإصلاح الاجتماعي والأخلاقي في الأوساط النسائية، وعدم السماح لها بالاشتغال خارج البيت إلا في حالة الفقر، ووجوب منعها من التبرج، وضرورة تعاون الحكومة مع الشعب لإيقاف طوفان أدب الجنس.
وهكذا، يتحصل من رؤية الدكتور مصطفى السباعي أنه لم يفعل أكثر من إعادة صياغة نظرة البنا في رسالته حول المرأة المسلمة، مع قدر من الانفتاح المحدود في التعاطي مع قضية عمل المرأة خارج البيت، وأيضا مع قضية تعليمها وتثقيفها وما يدخل ضمن موارد ومشمولات هذا التعليم وما لا يدخل ضمنه.
العلماء في مواجهة كورونا.. أي مساهمة للدين في تجنب الوباء؟
عن الكتلة التاريخية ومعركة الديمقراطية .. تونس نموذجا
السودان.. أطروحات لتجديد الخطاب الإسلامي ما بعد الثورة