طرح حقوقيون ومحامون، مخاوف من تحول السجون الجزائرية إلى بؤرة لوباء فيروس كوفيد-19، بعد إعلان وفاة وزير جزائري سابق متهم بقضية فساد، داخل السجن.
وتوفي الوزير الجزائري السابق موسى
بن حمادي بعد أيام من إصابته بفيروس كورونا المستجد، وهو واحد من مجموعة إخوة
يمتلكون شركات ضخمة بالجزائر، ويواجهون تهما بالفساد، بفعل نشاطهم بمجال الصناعات الكهرومنزلية
والهواتف النقالة والإنشاءات.
يأتي ذلك بعد ساعات من إعلان إصابة
الوزير الأول السابق عبد المالك سلال بفيروس كورونا، وإخضاعه للعلاج بجناح خاص بمستشفى
مصطفى باشا الشهير بالعاصمة الجزائرية.
ونقلت مجلة "جون أفريك"
الفرنسية عن مصدر من عائلة سلال الذي تجاوز السبعين من العمر، أن الأخير أصيب
بالفيروس على مستوى السجن، دون الإفصاح عن مدى خطورة وضعيته الصحية.
وتشير أنباء متفرقة إلى احتمال أن
يكون أحمد أويحيى الوزير الأول السابق، أيضا مصابا بالفيروس، بعد نقله هو الآخر
للمستشفى، علما أنه كان يرافق سلال في كل القضايا الأخيرة التي واجها فيها تهم
فساد ثقيلة.
وكان أويحيى قد ذكر أمام القاضي في
إحدى محاكماته الأخيرة، أنه مصاب بالسرطان ولم يجد الوقت الكافي للعلاج بسبب إجباره
في كل مرة على الخضوع للتحقيقات على مستوى محاكم العاصمة.
اقرأ أيضا: الجزائر تكشف عن خسائر خطوط الطيران الوطنية جراء كورونا
أما سلال، فكان يتوسل إلى القاضي دائما
بأن يبرئه من التهم الموجهة إليه التي ينفي تورطه فيها، مشيرا إلى أنه يحس بدنوّ
أجله ولا يريد أن يقضي ما تبقى من عمره مدانا بالفساد في السجن.
واستمرت أخبار إصابة المسؤولين
السابقين بفيروس كورونا، فقد أعلنت محامية المرشح الرئاسي السابق، علي غديري،
إصابته هو الآخر بالفيروس وخضوعه للعلاج بدواء "كلوروكين".
واضطر علي غديري وهو من كبار ضباط
الجيش السابقين، إلى إيقاف إضرابه عن الطعام الذي كان قد بدأه الأسبوع الماضي،
احتجاجا على استمرار سجنه في قضية ينفي علاقته بها.
خطر الحبس المؤقت
ويكمن الإشكال بالنسبة لكثير من
السجناء، أنهم يخضعون لإجراء الحبس المؤقت منذ مدة طويلة، رغم النداءات الكثيرة لإطلاق
سراح من تتوفر فيهم ضمانات المحاكمة في الإفراج بسبب الظروف الحالية.
وقال المحامي عبد الرحمن صالح، في
حديثه لـ"عربي21"، إن قانون الإجراءات الجزائية، رغم بعض القصور إلا أنه
واضح، من حيث اعتبار الحبس المؤقت إجراء استثنائيا لا يُلجأ إليه إلا في ظروف خاصة
ومحددة ومقيدة.
لكن الإشكال حسبه، أن هناك إسرافا في
اللجوء إلى الحبس المؤقت، ففي سجن الحراش وحده بالعاصمة هناك حوالي ألف حالة، وهو
ما أدى إلى وضعيات صعبة من الناحية الإنسانية، بحيث أن هناك من ينتظر أشهرا طويلة دون
محاكمة.
ويعتقد صالح أن السبب يعود إلى ضعف
في تكوين القضاة وعدم قناعاتهم وإيمانهم بقداسة الحريات، ما يجعلهم يسرفون في
إيداع المتهمين الحبس المؤقت حتى ولو كانوا يوفرون كل الضمانات.
لكن مع ظهور وباء كورونا داخل
السجون، لم تعد المطالبات بوقف المبالغة في إجراء الحبس المؤقت، مجرد سجال قانوني
بين المحامين والنيابة، بل أصبحت ضرورة عند المختصين في القانون، تجنبا لوقوع
كارثة.
تحديد المسؤوليات
وفي تقدير المحامي والحقوقي، عبد
الغني بادي، فإن مسؤولية وفاة سجين بفيروس كورونا، تتحملها جهات متعددة في الجهاز
القضائي تبدأ من إيداع غير مبرر وتنتهي عند حبس غير مؤمّن من تفشي الوباء.
وأوضح بادي في حديث لـ"عربي21"،
أن الجهات المسؤولة يأتي في مقدمتها القاضي الذي أمر بإيداع السجين الحبس إذا ثبت
أن حبسه غير مبرر وكانت إجراءات الرقابة كافية في حقه، ثم قاضي التحقيق وجهات
النيابة إذا حدث تماطل في إجراءات التحقيق والمحاكمة.
وأضاف بادي أن المسؤولية المباشرة،
تتحملها بدرجة مباشرة إدارة السجن التي يجب أن تمنع عبر إجراءات الوقاية تسلل
الوباء أولا وتسارع في العلاج واتخاذ إجراءات العزل إذا ثبتت الإصابة.
اقرأ أيضا: إندبندنت: نظام الجزائر استغل كورونا لقمع الثورة
ويعود المحامي عبد الرحمن صالح في هذه النقطة إلى إشكالية توفر وسائل العلاج الضرورية داخل السجون، والتي لا تصل حسبه إلى مستوى مواجهة حالة وبائية مثل التي نعيشها اليوم.
وقال المحامي الذي يزور المؤسسات
العقابية بحكم عمله، إنه بالنظر إلى طبيعة السجون كبيئة مغلقة إضافة إلى أنها
وبحكم وظيفتها لا تحتوي سوى على عيادات طبية، تبقى قاصرة عن التكفل الأمثل بصحة
المحبوسين.
وتابع: "الملاحظ أن الطبيب المختص غير متوفر على مدار الساعة حتى
في المستشفيات العادية والهياكل الصحية المتخصصة تعاني من أجل التكفل بصحة المرضى،
فكيف بالعيادات على مستوى السجون؟".
دق ناقوس الخطر
ولمواجهة هذا الوضع، أصبح الحقوقيون
يلحون بشدة على ضرورة الانتباه إلى السجون وعدم تركها بؤرة للوباء، لأن ذلك يهدد
حياة مئات الأشخاص الذين يفتقدون أصلا للحرية.
وقال سعيد صالحي نائب رئيس الرابطة
الجزائرية للدفاع حقوق الإنسان، إن السلطة عليها أخذ هذا الوضع بجدية، ووضع كل
الإمكانيات لحماية صحة وحياة المحبوسين، مع ضمان كل حقوقهم والإفراج عن الموجودين
رهن الحبس المؤقت ممن يكفل لهم القانون ذلك.
وطالب صالحي في حديث لـ"عربي21"، السلطات بالكف عن التعتيم حول هذه القضية، وإطلاع الرأي العام الوطني عن
حقيقة الوضعية الوبائية وفتح المجال للإعلام وكل المتدخلين الاجتماعيين
والمدنيين.
وحذّر المتحدث من أن الحالة الصحية
جد مقلقة، ناهيك عن أن السجن والمحيط العقابي بحكم حساسية الوضع يتطلب تركيزا وعناية أكثر، خاصة فيما يتعلق بطمأنة عائلات المسجونين والرأي العام.
ولحدّ الآن لم يصدر أي ردّ فعل من
وزارة العدل حول الوضعية الوبائية داخل السجون، رغم مطالبات المحامين والصحفيين
بالكشف عن حقيقة الأخبار التي تروج حول تحول السجون لبؤرة انتشار للفيروس.
تقدم في تجارب كورونا على حيوانات "اللاما".. ونتائج مبشرة
جدل في الأردن حول الانتخابات النيابية.. وانتظار لحسم ملكي
كورونا يتفشى في الخليل.. العادات الاجتماعية أبرز الأسباب