قضايا وآراء

قطار التطبيع.. المحطة السعودية!

1300x600
الإنصاف حلّة الأشراف، والأشراف صنفٌ كُثُر في خليجنا العربي، ولو أنّهم غير ذلك لما كتبنا هذه المقالة قليلة الكلمات غنيّة المعلومات. فالمسار الرسمي الخليجي تسارع تسارعًا مذمومًا في نسج العلاقات مع الكيان الصهيوني.

ولما هو متوفّر من دلائل على هذه العلاقات، يجبرنا القلمُ على كتابة أنّ نصيب الأسد منها كان مع المستوى الرسمي لخليجنا العربي وبأشكالٍ عدّة رياضية، اقتصادية وطبية. كما لم تنجُ من ذلك دولٌ أخرى.

لعلّ البعض يسمّي ذلك تطبيعًا لسهولة التداول ولكنها في الحقيقة عيْن الخيانة للأمّتين العربية والإسلامية. هي مشروعٌ غير عفوي ببرامج مدروسةٍ بعناية زمانًا ومكانًا.

سرًّا ثمّ علانية!!

مستترًا كان قبل ثورات الربيع العربي، مفضوحًا أصبح بعد الانقلاب عليها فضيحةَ غير المُبالي بمآلات الخيانة استغلالًا منه لانشغال الشعوب بما أُريد لهم أن ينشغلوا به.

إحدى الفضائح مؤخَّرًا والتي لم ولن تكون الأخيرة تمثلت في مؤتمر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بلندن حمل عنوان "المبادرة العربية للتكامل الإقليمي"، والتكامل المراد له يجب أن لا يستثني الكيان الصهيوني.

تكامل وتعاونٌ وشراكة تلك هي الأهداف. أما المجالات فهي عديدة تصل لحد الثقافة والفكر ولن تقف بطبيعة الحال عند حدّ الاقتصاد، وطالما تفرّدت قناة الحرّة بالنقل فاعلم أنّ ثمّة مؤامرةٍ تُحاك.

ولو أنّ الدول العربية الخمسة عشر المشارِكة تحمل فكرًا قويمًا لما أكّدت على عدم شيطنة الكيان الصهيوني ولما أشارت إلى ضرورة الحوار معه، وهو نفس الحوار مرفوضٌ الدعوة له داخل هذه الدول مع بعض أبنائها.

إرهابٌ لغيرِ أهله!!

إرهابٌ يُلصَق بغيرِ أهلِه. أمّا أهلُه التاريخيون يُدعَى للحوار معهم بكل معاني اللطافة السياسية وغير السياسية تزامنًا مع النحت في التاريخ بحثًا عن أيِّ إشادات بالكيان الصهيوني ومكوناته.

فضيحةٌ أخرى كانت في وارسو حيث الضغط الدولي عامة والأمريكي خاصة على خليجنا العربي بمستواه الرسمي من أجل تعزيز التطبيع مع الكيان الصهيوني استغلالًا للفزّاعة الإيرانية.

وانطلاقًا من مبدأ لا اتفاقية لا حرب بين الخليج والكيان الصهيوني تتحرّك الإدارة الأمريكية بأدواتها كوشنر غرينبلات فريدمان لدفع مشروع التطبيع وبرامجه قُدُمًا إلى الأمام.

مناحٍ عدّة انتهجوها دراسةً دون عشوائية، رياضةً اقتصادًا وطبًّا، على الرغم من كوْن نَكِرَاتٍ مُتَصّدِّريها إلا أنَّ حجم الإساءة لخليجنا ومحيطنا العربي كبيرة لأنّه ما يجب أن يكون حتى بيننا هؤلاء النكِرة.

عقيرٌ عاقر!!

نكِرةٌ سرًّا كانوا منذ مؤتمر العقير 1922م وما كتبه النظام السعودي تعهُّدًا وإقرارًا للمندوب السامي البريطاني آنذاك السير بيرسي كوكس أنه لا يمانع من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو لغيرهم كما تراه بريطانيا.

إضافةً للقاء الصهيوني السعودي الأول الذي كان بلندن عام 1939م ضمن مؤتمر يتناول القضية الفلسطينية.

محطّاتٌ من الخيانة ومعلومات ظلَّت سرًّا حتى لحظة رفع واشنطن السرية عن عدد كبير منها حول العلاقة بين الكيان الصهيوني ودول الخليج.

زياراتٌ 

تبادلٌ للزيارات لم يتوقف، وعلى سبيل الذكر لا الحصر: زيارة كلٍّ من مئيردغان الرئيس الأسبق للموساد، وسلفه تامير باردو للرياض ولقاءهما مسؤولين سعوديين.

وزيارة الأمير بندر بن سلطان رئيس المخابرات السعودية الأسبق عام 2006م للكيان الصهيوني، وعقده لقاء مع رئيس الوزراء الصهيوني السابق إيهود أولمرت.

ولقاءات مدير المخابرات السعودي الأسبق تركي الفيصل بوزيرة الخارجية السابقة تسيفي ليفني، إضافةً لمناظراته الإعلامية مع مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو الجنرال يعكوف عامي درور، ورئيس شعبة الاستخبارات الصهيوني الأسبق عاموس يادلين.

ولعلّ أبرز ما ينظِّر له الفيصل هو مبدأ: “بالعقل العربي والمال اليهودي يمكننا المضي قدما”، مؤكّدًا مرارًا أنه بالعقول العربية والمال اليهودي يمكن المضي قدمًا بصورة جيدة في المواضيع العلمية والتكنولوجيا والمسائل الإنسانية والعديد من الأمور الأخرى.

ناهيك عن زيارات اللواء المتقاعد رئيس المعهد السعودي للدراسات الاستراتيجية أنور عشقي للكيان الصهيوني، ولقائه بعدد من المسؤولين السياسيين والعسكريين في تل أبيب منفردًا وبصحبة وفد سعودي يضمّ أكاديميين ورجال أعمال.

ولعل أبرز هذه اللقاءات كان ما كشفه رئيس أركان العدو الصهيوني غادي آيزنكوت حول لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان برئيس مجلس الأمنِ القومي الصهيوني مئير بن شبات في إطار ما أسماه تطابقَ مصالحَ بين تل أبيبَ والرياض.

وفي نفس السياق نقلت صحيفة "التايمز" البريطانية عن مصادر سعودية أن "وفدًا سعوديًا قاده لواء متقاعد أجرى زيارةً إلى الكيان الصهيوني عام 2016"، وأضافت أن "القادة الصهاينة الكبار مُتحمِّسون لتوسيع هذا التحالف". وقالت الصحيفة إن المحادثات التي تجري بين السعودية والكيان الصهيوني هي نتاج زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

تطبيعٌ جوّي!!

ترامب افتتح عمليًا خط الطيران المباشر بين الرياض وتل أبيب، ولعل ذلك ما دفع الصهاينة لطرح خطّة "سكة قطار السلام الإقليمي" والذي يربط الكيان الصهيوني بالأردن ومنها إلى السعودية ودول الخليج عبر شبكة سكك حديد تسمح للدول العربية بمنفذ إلى البحر المتوسط.

ومما يستوجب ذكره أنّ الرياض سمحت للخطوط الجوية الهندية باستخدام أجوائها عبورًا من وإلى الكيان الصهيوني، في خطوةٍ استبشر من خلالها نتنياهو بقرب تسيير الرحلات المباشرة بين الكيان والسعودية.

مقاطعةٌ موقوفة!!

وعلى الصعيد الاقتصادي ها هي السعودية تدرس شراء الغاز من الكيان الصهيوني ومدّ خط أنابيب إلى إيلات وفقًا لما نقله موقع وكالة بلومبرغ الأمريكية نقلًا عن مسؤول مقرَّب من رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو.

وهذا التفكير السعودي ما كان ليكون لو أنّ مجلس دول التعاون الخليجي لم يقرر في أيلول (سبتمبر) 1994م وقف المقاطعة الاقتصادية غير المباشرة المفروضة على الشركات العاملة في الكيان الصهيوني.

وهذا ما تلاه إقامة علاقات بين "الكيان الصهيوني" وهيئات ومؤسسات وشركات طيران عربية، مثل الخطوط الجوية الأردنية "رويال جوردن يان"، و"غلف إير" ومقرها في البحرين، والخطوط الجوية القطرية، وغيرها من الشركات التى خففت من القيود المفروضة على المسافرين والبضائع القادمة من "الكيان الصهيوني" إلى الدول العربية.

حَرَمٌ لم يَسْلَم!!

وهل يسعنا أن نقول بأنّ ثمة تطبيعٍ ديني وصل حدّه للحرم النبوي الشريف، خصوصًا وأنّه في تشرين الثاني (نوفمبر) نوفمبر الماضي نشر الصحفي الصهيوني "بن تزيون" مجموعة صور له من داخل الحرم النبوي.

وهو الحدّ الذي قد يتم استغلاله لنقل حجاجٍ فلسطينيين عبر مطار بن غوريون الصهيوني وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء الروسية "سبوتنيك".

بل تجاوز التطبيع حتى باتت التهاني المتبادلة بينهما، فها هو الكيان الصهيوني بات يهنئ السعودية بعيدها الوطني كل عام، وترد السعودية بالتهنئة برأس السنة العبرية.

كلُّ ذلك ذُكِرَ استحضارًا لا حصرًا، ولعلّ حجم العلاقات الموجودة غير الملحوظ ومتانتها هو ما دفع الرئيس الأمريكي ترامب للتصريح بأنّه لولا السعودية لكان الكيان الصهيوني في ورطة كبيرة.

إذن؛ ووفقًا لما تمّ ذكره، فالتطبيع ليس وليد الصدفة أو كان مؤخّرًا أو حتى أنَّه في مجالٍ واحد، بل هو قديم يحاول إحياءه علانيةً حكّامٌ جدد بحاشيةٍ نكرة وبدواعٍ عدّة. وبطبيعة الحال لم يكن ولن يكون فقط سعوديا بل تمدَّد لدولٍ أخرى سنتناولها في مقالاتنا القادمة.

*كاتب فلسطيني