قفز هذا السؤال مرة أخرى مع إعلان فوز الشاعرة الأمريكية لويز غلوك (77 عاما) بجائزة نوبل للآداب هذا العام 2020، الذي جدد الجدل حول الجائزة عموما وحول انحيازها اللغوي والثقافي للغرب، رغم زعمها الإنساني العالمي.
جائزة أخرى تذهب لأمريكا، خلال الأربع سنوات الماضية. ولا يطرح موضوع القيمة الأدبية لهذا العام مقارنة بمفاجأة عام 2016 "غير المستساغة"، حين تم اختيار المغني الأمريكي بوب ديلان للفوز بالجائزة الأدبية المفروض "الرفيعة"، وقد بررت أكاديمية نوبل منحه الجائزة بـ"مساهمته الشعرية في الأغنية الأمريكية"! واللافت أن وسائل الإعلام الإسرائيلية شددت هذه المرة كذلك مثلما هو الحال مع ديلان (الذي له أغنية تدعم غزو إسرائيل للبنان عام 1982)، على الأصول اليهودية للشاعرة لويز غلوك، التي هاجر أجدادها من المجر للولايات المتحدة الأمريكية.
"جائرة" أخرى تكافئ كاتباً يكتب باللغة الإنجليزية، خلال الثلاث السنوات الأخيرة، حيث فاز بها في 2017، الكاتب البريطاني (الياباني المولد والأصل) كازو إيشيغورو (66 عاما)، ما يثير التساؤلات مرة أخرى حول هيمنة الكتاب باللغة الإنجليزية على سجل الجائزة بـ 29 فائزا مقابل 14 يكتبون بالفرنسية.
هل لغة شكسبير وبدرجة أقل موليير هما اللغتان الوحيدتان القادرتان على التعبير عن "العواطف العميقة"، وتحملان "الطابع العالمي"؟! مثلما جاء في حيثيات قراري الأكاديمية السويدية، حيث بررت قرارها منح الجائزة للشاعرة الأمريكية لـ "صوتها الشاعري المميز الذي يضفي بجماله المجرد طابعا عالميا على الوجود الفردي"، وكما بررت في 2017 منح الجائزة للكاتب البريطاني (الياباني المولد والأصل) لأنه "كشف في روايات مشحونة بعواطف قوية، الهاوية الكامنة تحت شعورنا الوهمي بالتواصل مع العالم".
وكنت، حينها تساءلت: ماذا لو اختار إيشيغورو الكتابة بلغته الأم، أي اليابانية، هل كان سيحظى باختيار وإطراء الأكاديمية السويدية؟ وفي ماذا يتفوق إيشيغورو على الكاتب الياباني هاروكي موراكامي الأكثر رواجاً يابانيا وعالميا، والذي كان اسمه مرشحاً للفوز بالجائزة عكس الكاتب البريطاني، الذي تجاهلت الأوساط الأدبية اسمه كليا هذه المرة؟ ومثلما قالت دار النشر التي تصدر كتبه في السويد للإذاعة العامة: "كان الأمر غير متوقع بتاتا. طُرح اسمه لفترة طويلة لكن ليس هذه السنة".
وللإشارة فإن الرواية الثانية لإيشيغورو "فنان العالم العائم" (1986) تدور أحداثها في مدينة ناغاساكي (مسقط رأسه) اليابانية بعد مرور سنوات قليلة على الحرب العالمية الثانية.
اللافت هذا العام، مثل مرات سابقة، احتفت وسائل الإعلام الإسرائيلية بمنح جائزة نوبل، للشاعرة الأمريكية لوزي غلوك بالتأكيد على "يهوديتها"، وأنها بقدر ما تستوحي أعمالها من الأساطير الرومانية والإغريقية، فإنها تستوحي كذلك من التراث اليهودي ومن التوراة.
ومثل إيشيغورو، كان فوز غلوك بالجائزة هذا العام مفاجئا، فيما كان فوز الروائي النمساوي بيتر هاندكه، بالجائزة العام الماضي (2019) صادما، بسببه موقفه الداعم لـ"جزار البلقان"، الزعيم الصربي سلوبودان ميلوشيفتش، وحضوره جنازته وإلقاء خطب تأبين فيها، وذهب إلى حد إنكار المجازر التي قام بها بحق مسلمي البوسنة، ودافع عن المليشيات الصربية!
وبرغم غضب ودعوات عالمية، رفضت الأكاديمية تجريد الكاتب من الجائزة، وبرّرت خيارها بأنها تمنح الجائزة على أساس الجدارة من دون أية اعتبارات سياسية. ولكن هذا التبرير كان بالتأكيد سيرفع لو تعلق الأمر مثلا بـ"إنكار" ما تعرض له اليهود على يد النازية، أو حتى بـ"معاداة السامية"، كما تسمى، مع أن المصطلح يعني أساسا "معاداة اليهودية"، لأن "السامية" تشمل المفروض الشعوب "السامية"، ما يعني العرب كذلك مثل اليهود!
واللافت في هذا السياق أن جائزة 2018 منحت للكاتبة الروائية البولندية أولغا توكارتشوك، التي اشتغلت في أعمالها على جذور معاداة اليهود في بولندا، التي شهدت أسوأ مظاهر معاداة اليهود، والتي زادت خلال الاحتلال النازي، وما زال محتشد "اوشفييتز" أبرز شواهدها.
وكانت جائزة 2018 منحت العام الماضي (2019) بسبب فصيحة التحرش الجنسي لزوج عضوة في أكاديمية نوبل.
وفي 2014 فاز الكاتب الفرنسي باتريك موديانو بالجائزة، والذي ظلت "النازية والاحتلال الألماني لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية"، التيمة الرئيسية لرواياته، هو الذي كان أبوه يهوديا إيطاليا وأمه بلجيكية فلمنكية غير يهودية. وقد التقيا أثناء الاحتلال ولعب هذا الإرث المختلط مع التساؤلات الأخلاقية التي ثارت حول علاقات فرنسا مع قوات النازي دورا مهما في رواياته.
احتفاء إسرائيل.. النبي يوسف ودرويش
اللافت هذا العام، مثل مرات سابقة، أنه احتفت وسائل الإعلام الإسرائيلية بمنح جائزة نوبل، للشاعرة الأمريكية لوزي غلوك بالتأكيد على "يهوديتها"، وأنها بقدر ما تستوحي أعمالها من الأساطير الرومانية والإغريقية، فإنها تستوحي كذلك من التراث اليهودي ومن التوراة. ويشير موقع "تايمز أوف إسرائيل" مثلا إلى أن في ديوانها "انتصار آخيل" (1985) تربط الشاعرة ما حدث لأجدادها اليهود المهاجرين لأمريكا بقصة النبي يوسف في مصر.
اللافت أن النبي يوسف بالبعد القرآني الإسلامي نجده في قصيدة "أنا يوسف يا أبي" المتميزة للشاعر الفلسطيني الكبير الراحل محمود درويش، وإسقاطاتها اللافتة على فلسطين، وعلى شاعر "سجل أنا عربي" الذي يمثل رمزا من رموز الشعرية العربية، وكان سيكون منحه جائزة نوبل مثلا تكريما للشعر العربي. لكن تلك الفرضية، كانت وستبقى مستحيلة بالنسبة لشاعر مثل درويش، ليس لأسباب أدبية، إنما سياسية، رغم مزاعم أكاديمية نوبل.. درويش "شاعر التراجيديا والثورة الفلسطينية"، الذي عقد البرلمان الإسرائيلي جلسة خاصة، بسبب قصيدته "عابرون في كلام عابر"، واتهمه الاحتلال الصهيوني ـ هو السامي ـ بـ"معاداة السامية"!
في المقابل يبقى الكاتب المصري نجيب محفوظ، العربي الوحيد الفائز بجائزة نوبل للآداب، وهناك من ذهب للقول إنه حصل عليها بسبب موقفه الداعم للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وإن كان يستحقها لقيمة وجهده الأدبي.
نوبل وأدونيس والعرب!
جدل جائزة نوبل للآداب لا يتوقف طبعا عربيا، ويأخذ كالعادة أبعاداً "تراجيكوميدية". ويبقى الشخصية الرئيسية في هذا الاستعراض السنوي، الكاتب والشاعر السوري علي أحمد سعيد إسبر، الذي اختار لنفسه اسم "أدونيس" (إله الجمال والرغبة في الأساطير الإغريقية!)، والذي يتهم بالترويج لنفسه وعبر زُمر ثقافية عربية بجدارة الفوز بجائزة نوبل كممثل للأدب العربي، رغم اتهامه بالتهجم على العرب وبمواقف "شعوبية"!
في تعليقه على خيبة أدونيس (وهو في الـ 90 من العمر) مرة أخرى مع جائزة نوبل ـ وبوقع أكبر هذا العام لأنها منحت لشاعرة ـ علق الكاتب والناشر السوري فاروق مردم بيك، على صفحته على فيسبوك: "بما أنّ الشعوب العربيّة، بحسب أدونيس، لا علاقة لها بالثقافة الإنسانيّة الحديثة، فمن الطبيعي أن لا يستحقّ أحدٌ من مُثقّفيها جائزة نوبل ـ حتّى إذا كان يعتقد أنّه من طينةٍ أُخرى.. هذه غابت عنه!".
ويثير أدونيس الجدل بمواقفه؛ من بينها مثلا مهاجمته الثورة السورية، التي ظلت لأشهر سلمية برغم قمع نظام الأسد لها بالرصاص الحي، وذلك بقول أدونيس إن "المظاهرات تخرج من المساجد"، رغم أنه كتب قصيدة في مدح الخميني بعد "لثورة الإسلامية" في 1979. وقد اتُهم أدونيس بدعم ضمني لنظام الأسد بـ"منطلق طائفي".
وهناك من أثار نقطة مهاجمة أدونيس "السلفية الأصولية الإسلامية" وربطها بانتفاضة الشعب السوري، بينما كان قد أشرف ـ وبـ "مقابل سخي"ـ برفقة زوجته الناقدة خالدة سعيد، على كتاب قدم محمد بن عبد الوهاب، زعيم السلفية الوهابية السعودية، كرمز من رموز الإصلاح في المنطقة!
وحتى شعريا، يثير أدونيس الجدل، بين من يعتبره من رموز الحداثة الشعرية العربية، وبينما من وثق سرقاته الشعرية، وخاصة من الشعر الفرنسي، مثلما فعل ذلك الشاعر والناقد والمترجم العراقي كاظم جهاد في كتابه "أدونيس منتحلا".
كما اتهمه الشاعر والأكاديمي التونسي محمد الغزي بأنه سرق فكرة ومحتوى كتابه (ديوان البيت الواحد في الشعر العربي) من كتاب الشاعر والناقد الليبي خليفة محمد التليسي الذي يحمل العنوان ذاته، والصادر قبل أكثر من ثلاثين عاماً.
*كاتب جزائري مقيم في لندن
هل يمكن تصور حرب كونية على أنقاض الأزمات؟
مسؤولية المفتي عن أحكام الإعدام في مصر
فقاعة التطبيع وزوايا الإقليم الحادة