تكشف حوادث الذبح، أو القتل، لمن تصدر منه إساءة بحق الإسلام، أو مقدس من مقدساته، سواء القرآن، أو الرسول صلى الله عليه وسلم، عن أخطاء فيمن يفتون بجواز هذا الفعل، والتنظير له دينيا، وأن القاتل فعل شيئا جائزا، ومنشأ الخطأ في الاستدلال على صحة الفعل، وبخاصة في بلاد الغرب، وهي موضع النقاش الآن، في الأدلة التي يسوقونها للتدليل على أن حكم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم هو: القتل.
ونحن في غنى عن تكرار موقفنا، من الرفض لأي إساءة لأي مقدس، أو الإساءة بوجه عام لأي إنسان، ولا يعني رفضنا الإساءة القبول بقتل المسيء، فهما قضيتان مختلفتان تماما، ولكن حديثنا هنا عن أن من يستدلون على جواز قتل المسيء بنصوص، هي التي يقع في الاستدلال بها الأخطاء التي نتحدث عنها، وقد تحدثت في مقالي السابق: عن خطأ من يجيزون هذه الأعمال، في أنهم يغفلون نتائج الأفعال، وهي نتائج كارثية على الإسلام والمسلمين، بلا شك، ولكن الأخطاء التي نتحدث عنها اليوم، تتعلق بمنهج الاستدلال والتنظير لهذه الأحداث.
أما الخطأ الأول، فهو استدلال كثير من المنظرين لجواز قتل المسيء للنبي صلى الله عليه وسلم، بأنه تم قتل هؤلاء لعلة سبهم النبي صلى الله عليه وسلم: كعب بن الأشرف، وأبا عزة الشاعر، وعصماء بنت مروان، وأم قرفة، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن الصبابة، وآخرين.
وهي أحداث منها ما هو صحيح من حيث السند، ومنها ما هو ضعيف، بل موضوع، ولا يصح، ولست هنا في موضع النقاش للنصوص، ولا لذكر تفاصيلها، بل هنا نبين الخطأ في الاستدلال، وهو أن هذه حالات لأناس قتلوا في حالة حربية، وليس في حالة سلمية، فجل من قتلوا، لم يقتلوا لعلة أنهم سبوا الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا سبوا القرآن، بل قتلوا لأن منهم من خان الدولة خيانة عظمى، ومنهم من كان محاربا وقتل في حالة إعداده للحرب، أو في حالة الحرب نفسها، وليس فيهم من قتل وكان مسالما.
وهو ما فهمه الإمام العيني وهو محدث وفقيه كبير، فقال مناقشا من يفهم أن قتل هؤلاء كان لعلة السب، مبينا أنها كانت لعلة الحرب، فقال: (الجواب في هذا كله: أنه لم يقتلهم بمجرد سبهم، وإنما كانوا عونا عليه، ويجمعون من يحاربونه، ويؤيده ما رواه البزار عن ابن عباس: أن عقبة بن أبي معيط نادى: يا معاشر قريش؟ ما لي أقتل من بينكم صبرا؟ فقال له بكفرك وافترائك على رسول الله، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، على أن هؤلاء كلهم لم يكونوا من أهل الذمة، بل كانوا مشركين يحاربون الله ورسوله). انظر: عمدة القاري بشرح صحيح البخاري (24/82).
الرأي الرسمي في حكم المسلمين في هذه الفترة، هو رأي الأحناف، وهو رأي لا يرى القتل بأي شكل كان، وهو ما يغفل عنه للأسف من يتناولون هذه القضية، أن هناك إرثا وتاريخا قضائيا وفقهيا سارت عليه الأمة في معظم حكمها في القضية.
وأما الخطأ الثاني: أن معظم النصوص التي يستدلون بها هي نصوص فيمن دخل بلاد الإسلام، وأقام فيها، وتجاوز في حق دينها، وهو عقد بين من يدخل بلاد المسلمين وبين الدولة، حسب قانون الدولة، فإن نص العقد على ألا يسيء إلى دينها، يكون قد تجاوز القانون في ذلك، أما الحالات التي نتكلم عنها الآن، فهي حالات لأناس في بلادهم غير المسلمة، والتي لا يجرم قانونهم ما يقومون به، ونحن قدمنا إلى هذه البلاد، إما مقيمين، أو حصلنا على جنسيتها فيما بعد، فيظل قانونهم هو الذي يحكم في الأمر، أو أن نسعى لتغيير هذا القانون بوسائل التغيير المتاحة في هذه البلاد.
أو أننا لا نقبل بذلك فنغادر هذه البلاد، ولا ندخلها بالأصل، وإلا فمن أقام في بلاد الغرب، وهي بلاد ليست مسلمة، يعلم يقينا أن شرع الإسلام غير مطبق فيها، وهو يقيم فيها بناء على رخصة من الفقهاء بجواز الإقامة، على ما في هذه البلاد من محرمات، ومعتقدات تتعارض مع ثوابت دينه، فإما أن يعيش في إطار الرخصة الشرعية لإقامته، أو توطنه، ويسعى لتغيير ما يريد بوسائل التغيير المتاحة والمشروعة، أو ألا يأخذ برخصة الإقامة في مجتمع لا يقبل قوانينه، ولا نظام حياته.
أما الخطأ الثالث: أن النقول التي ينقلونها سواء عن الفقهاء، أو الأدلة التي يذكرونها عندما ناقشوا قضية سب غير المسلم للرسول صلى الله عليه وسلم أو الإسلام، ناقشوا حكم غير المسلم في بلاد يحكمها الإسلام، وتطبق فيها شريعته، وللمسلمين فيها سلطانهم وقانونهم الذي يطبق عليه، أما حالتنا التي نناقشها، فهي حالة سب غير المسلم للإسلام أو مقدساته في بلاد غير المسلمين، التي لا تسير عليها شريعة الإسلام وحكمه، بل لها حكم آخر، وتفاصيل أخرى غير ما نناقشه الآن.
وهو ما لم نعثر عليه في كتاب من كتب الفقهاء الأقدمين، أو العلماء، تناول حكم هذه القضية تحديدا، بواقعها المعيش الآن، وهي: قضية سب غير المسلم لمقدسات الإسلام في بلاده غير المسلمة، فكل ما يقوم به المنظرون لرأيهم هنا، يستشهدون بنصوص وعبارات في حالة غير الحالة تماما، وواقع غير الواقع، وليس في إمكان المسلم في هذه البلاد تنفيذ أحكام الإسلام في كل مجالاته، إلا في حدود ما يسمح به قانون هذه البلاد، كما أن المخاطب بالشرع في هذه المسألة وتطبيقه هو الحاكم المسلم، والمجتمع المسلم، أو بعبارة أدق: الدولة، وهو غير متوفر في هذه الحالة.
رابعا: هنا أمر مهم ينبغي ملاحظته، فمذهب الأحناف، لا يرون قتل ساب الرسول صلى الله عليه وسلم، بل رأيهم ـ المعتمد في المذهب ـ يدور بين التأديب، أو النهي عن ذلك، وقد كان المذهب الحنفي لقرون عديدة هو المذهب الرسمي المعتمد في القضاء والحكم، وبخاصة البلاد التي كانت تحت حكم الخلافة العثمانية، وهي معظم البلدان الإسلامية، ومعنى هذا: أنه لم تطبق أي حالة ـ فيما نعلم ـ خلال فترة الحكم العثماني لأي مسيء للمقدسات، رغم جرم ما فعل.
فماذا كان موقف الفقهاء في المذاهب الأخرى؟ هل رفضوا ذلك وشنعوا، واعتبروا ذلك تقصيرا وإهمالا في حق مقدسات الإسلام؟ الحقيقة أن القضاء ظل في الخلافة العثمانية، وإمارات أخرى، يسير على نهج المذهب الحنفي، دون نكير من المذاهب الأخرى.
وهذا يعني أن الرأي الرسمي في حكم المسلمين في هذه الفترة، هو رأي الأحناف، وهو رأي لا يرى القتل بأي شكل كان، وهو ما يغفل عنه للأسف من يتناولون هذه القضية، أن هناك إرثا وتاريخا قضائيا وفقهيا سارت عليه الأمة في معظم حكمها في القضية.
هذه ملاحظات مهمة في الموضوع، تضاف لما كتبناه من قبل عن أهمية: أن ينظر الناس لما يترتب عن فعلهم من آثار على الفرد والأمة المسلمة.
Essamt74@hotmail.com
المقاطعة الاقتصادية لمن يسيئون للإسلام ونبيه
ماكرون وحملته "المقدسة" على الإسلام