أثار إصرار الحكومة الأردنية على عقد الانتخابات النيابية في أوج تفشي وباء كورونا أسئلة كثيرين دون إجابات مقنعة. ولم تكن المقارنة مع الانتخابات الأمريكية منطقية، حيث يتيح النظام هناك الانتخاب بأكثر من شكل ولا يقتصر الأمر على الحضور الشخصي إلى مركز الاقتراع.
وعليه، لاح في الأفق حديث هيلاري كلينتون عام 2011 بضرورة وجود حكومة منتخبة في الأردن، وهو شعار يرفعه الديمقراطيون عادة في الولايات المتحدة في علاقاتهم مع الدول التي يقدمون لها الدعم وفِي مراقبتهم لحقوق الإنسان فيها. ويبدو أن المعنيين في الأردن قد قرأوا قدوم المرشح الديمقراطي بايدن لسدة الحكم في البيت الأبيض، فأرادوا استباق الأحداث بانتخاب المجلس في موعد استحقاقه الدستوري ليرتاح رأسهم لأربع سنوات قادمة.
هنا كان خيار التحالف الوطني للإصلاح المحسوب على الإسلاميين صعبا، فهو بين مطرقة المشاركة والاحتفاظ بشرعية قانونية وحصانة نيابية، وسندان عزوف الشارع وحالة الإحباط العامة من العمل السياسي وقانون الانتخاب العجيب الفريد، مع الخشية من تفشي الوباء في ظل منظومة صحية حكومية هشة؛ لم تكن بحجم الدعاية الإعلامية التي رافقتها بداية انتشار الجائحة حين اتخذت السلطات الأردنية قرارات قاسية جدا في الحظر والإغلاق.
الأمر لم ينسحب على الإسلاميين فقط، فالقوى اليسارية والقومية دخلت بقوة وموحدة لمعركة الانتخابات تحت اسم القائمة التقدمية، وكذلك القوى العلمانية المنادية بالدولة المدنية
الأمر لم ينسحب على الإسلاميين فقط، فالقوى اليسارية والقومية دخلت موحدة بقوة لمعركة الانتخابات تحت اسم القائمة التقدمية، وكذلك القوى العلمانية المنادية بالدولة المدنية التي شاركت تحت اسم قائمة معا، وكلاهما خسرت خسارة فادحة ولم تحظيا ولو بمقعد يتيم في المجلس.
أما التحالف الوطني للإصلاح فلم يحسم بعد - حتى وقت كتابة هذا المقال - عدد المقاعد التي فاز بها، بين سعي الإسلاميين للمحافظة على عدد 14 مقعدا التي حصلوا عليها في الانتخابات السابقة عام 2016 ،وبين قوى الشد العكسي التي تريد تقزيم حضورهم وإيصال رسالة مفادها تراجع شعبيتهم.
بطبيعة الحال كان منطق الفزعة لابن العم أو لرجل الأعمال الذي ينفق من غير حساب هو المسيطر، ورغم نجاح الإجراءات الحكومية في فرض تعليمات الوقاية الصحية في مراكز الاقتراع، إلا أنها لم تكن كافية وسط حاجة الناس للاكتظاظ على محلات التسوق لتأمين حاجيات أربعة أيام من الحظر المبالغ به، والتي فرضتها الحكومة لمنع التجمعات الاحتفالية بالانتخابات خشية تجدد انتشار الوباء.
وعليه من حق الأردنيين أن يشعروا بقلق شديد في الأمد القريب من تفاقم سوء الوضع الصحي وازدياد أعداد المصابين والوفيات جراء انتشار الفيروس، لا قدّر الله.
نتساءل عن هدف الدولة العميقة في الأردن من الاستمرار بهذه الطريقة العرجاء في إدارة المشهد السياسي التي تبدو سعيدة به، وصورة النواب مشوهة وكثيرون يطالبون بإلغاء المؤسسة التشريعية من أصله
وفِي الأمد البعيد نتساءل عن هدف الدولة في الأردن من الاستمرار بهذه الطريقة العرجاء في إدارة المشهد السياسي التي تبدو سعيدة به، وصورة النواب مشوهة وكثيرون يطالبون بإلغاء المؤسسة التشريعية من أصله؛ حيث لا يرون لها تأثيرا أو نجاحا في مراقبة عمل السلطة التنفيذية، فضلا عن مساءلة أعضائها وحجب الثقة عنهم إذا لزم الأمر.
المناخ السياسي في الأردن سلبي لدرجة أكبر من درجة المقاطعة التي تخضع لتجاذبات سياسية وحوارات، وإنما هي حالة عامة من العزوف والإحباط وانعدام الثقة، بل وأصبح هناك تناسب طردي بين حالة الإحباط ومستوى الوعي!
رغم ذلك ما زلت أؤمن بأهمية المشاركة السياسية تحت أي ظرف وعدم الاستسلام للمساعي التي ترغب بإبعاد الإسلاميين عن المشهد، فالدولة العميقة في غنى عن وجودهم حتى كمجرد ديكور ولديها بدائل جاهزة إذا اقتضى الأمر ذلك، أما المقاطعة فيمكن أن تكون فعلا قويا مؤثرا إذا كانت خياريا توافقيا لمختلف أحزاب المعارضة، وبمشروع وطني جامع يملك أجندة واضحة للتفاوض.
وفي لغة الأرقام، فقد شارك نحو 30 في المئة من المواطنين بهذه الانتخابات، رغم الخوف من كورونا والأجواء السلبية بعد حل نقابة المعلمين، مقابل 36 في المئة شاركوا بانتخابات 2016.
ولكن كانت النسبة العليا للمشاركة بنسبة جاوزت 60 في المئة في الدوائر ذات التنافس العشائري مثل البادية، وتدنت لتكون نحو 11 في المئة في الدائرة الثالثة في العاصمة عمان، المعروفة تاريخيا بدائرة الحيتان والتي أبرزت تاريخيا شخصيات بارزة مثل المعارض المعروف ليث شبيلات في أعوام 1989 و1983.
في النهاية أسدل الستار على الانتخابات النيابية في الأردن بصورة أكثر إحباطا؛ عززت قناعات العازفين عن المشاركة فضلا عن المروجين للمقاطعة، وشرعت الخوف على مستقبل وطن يعاني مديونية فاقت الـ43 مليار دينار وتنتظره استحقاقات سياسية كبيرة، في ظل برلمان هزيل ومواطن محبط ومسؤول غير مبال.