لا أحسب أن البشرية أجمعت على كره رجل كما فعلت إزاء الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، ليس فقط لأنه يحتقر كل من هو ليس بـ "أبيض" ـ فبيض أوروبا يكرهونه كما سود إفريقيا ـ ولكن لأنه طعان ولعان وفاحش وبذيء، وفوق هذا كله لأن سياساته الرعناء جعلت الكون كله في حال توتر نفسي وعضوي وخطر وجودي.
ولهذا كان بديهيا أن تسود العالم أجواء البهجة والسرور لهزيمته في الانتخابات الأخيرة أمام جوزيف بايدن الذي سيصبح الرئيس الـ 46 للولايات المتحدة، ولهذا ـ وفي تقديري ـ لا يجوز أن نقول إن ترامب وبايدن من طينة واحدة، من منطلق أن معظم شعوب العالم تعرضت للدغ واللسع من رؤساء أمريكيين متعاقبين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فإسحاق رابين وبنيامين نتنياهو مثلا يشتركان في الإيمان الراسخ بالفكر الصهيوني الاستعلائي الاستيطاني التوسعي، ومع هذا كان من الممكن محاورة رابين وإقناعه بتنازل هنا أو هناك، بينما يرى نتنياهو أن الجلوس أمام أي عربي لغير غاية الحصول من الأخير على الكثير بلا مقابل ذي بال أمر لا يليق بقائد شعب الله المختار؛ ثم هل يستوي باراك أوباما وترامب؟ ورئيسا جنوب إفريقيا السابقان نلسون مانديلا وجيكوب زوما؟
والمهم في الأمر هو أن انتصار بايدن انتصار للديمقراطية و دليل قاطع على أن علاج علل الديمقراطية يكون بـ "تجويد" ممارستها وحسن استخدام آليات تحقيقها، وعلى رأس تلك الآليات الانتخابات الحرة؛ فقد خاض ترامب الانتخابات الأخيرة وبيده مفاتيح الحل والربط في البلاد، مما جعله قادرا على اللعب بالأرقام والتلاعب بها ليثبت أنه أنجز الكثير على الصعيد الاقتصادي، وتقديم الرشى للقطط السمينة بمنحها إعفاءات ضريبية ضخمة، وهبات مالية مليارية لمساعدتها لاحتواء التأثير السلبي لجائحة كورونا على سوق المال والأعمال، ومع هذا فإن الناخبين الأمريكيين الذين ظلوا على مدى السنوات الأربع السابقة يتعرضون لسيل عرِمٍ من الأكاذيب والتجهيل والتضليل الممنهج من قبل الإعلام الشعبوي الغوغائي وعلى قمته قناة فوكس، خرجوا أفواجا كما لم يفعلوا من قبل، وأسقطوا ترامب.
وكان فوز بايدن أيضا تنبيها للأقليات بأن بإمكانهم إحداث فرق في المشهد السياسي، ولم تكن تجليات ذلك فقط في أن أصوات الأمريكان السود في فيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا قلبت الموازين على ترامب، الذي كان مع بداية الاقتراع متقدما على بايدن بأكثر من نصف مليون صوت، بل أيضا لأن المسلمين الأمريكان أدركوا لأول مرة أن لهم ثقلا يجعلهم قادرين، ليس فقط على ترجيح كفة على أخرى، بل إثبات وجودهم في هياكل السلطة وذلك بالفوز بمقاعد برلمانية على مستويي الولايات والمركز.
لفوز عدد من المسلمين بثقة الناخبين في 24 ولاية دلالات في غاية الأهمية، فقد عمل ترامب على شيطنة الإسلام والمسلمين، وأشعل هوجة الإسلاموفوبيا مجددا، وإذا بالناخبين يثبتون أنهم ليسوا من السذاجة بحيث يصدقون خطرفاته الكثيرة عن المسلمين، ويقبلون أن ينوب مسلمون عنهم في منابر الحكم.
فقد فاز أكثر من نصف المرشحين المسلمين بمقاعد برلمانية نافسوا عليها خلال الانتخابات الأمريكية الأخيرة، فمن بين 110 مرشحين مسلمين فاز 57 بالمقاعد التي سعوا للفوز بها في 24 ولاية، وأهم المقاعد التي فاز بها مسلمون هي الثلاثة في مجلس النواب المركزي في واشنطن والتي كانت من نصيب أندريه كارسون ورشيدة طليب وإلهان عمر، وقد سبق للأخيرة أن انتقدت ممارسات الحكومة فقال لها ترامب: إذا لم يعجبك الحال فعودي إلى حيث أتيت (يعني موطنها الأصلي الصومال)، أما بقية المقاعد الـ 57 فقد كانت في مجالس الولايات النيابية.
سقط ترامب ومازال يواصل السقوط بسلوكه الصبياني المتمثل في رفضه قبول نتيجة الانتخابات، وهو في هذا كالصبي المدلل الذي أعطوه لعبة يتسلى بها لأجل معلوم على أن يعيدها لأصحابها ليتم تقديمها لغيره، وينقضي الأجل ويرفض إعادة اللعبة، وفي هذا، وكحاله خلال سنوات حكمه الأربع، كان يعطي للأنظمة القمعية ما تحتاجه من حجج بأن الديمقراطية مجرد لعبة يستطيع الأغنياء والأقوياء التحكم في مجرياتها، وها هي الصين تقضي على جميع مظاهر الديمقراطية البرلمانية في هونغ كونغ، منقلبة على تعهداتها بأن يدار الإقليم بواسطة برلمان يأتي أعضاؤه بالانتخاب الحر.
ولفوز عدد من المسلمين بثقة الناخبين في 24 ولاية دلالات في غاية الأهمية، فقد عمل ترامب على شيطنة الإسلام والمسلمين، وأشعل هوجة الإسلاموفوبيا مجددا، وإذا بالناخبين يثبتون أنهم ليسوا من السذاجة بحيث يصدقون خطرفاته الكثيرة عن المسلمين، ويقبلون أن ينوب مسلمون عنهم في منابر الحكم.
ولعل مسلمي أمريكا يدركون بعد تجربة الانتخابات الأخيرة أنهم ذوو "شنّة ورنّة"، فإذا كان عددهم دون الخمسة ملايين بقليل (مقابل 5.7 مليون يهودي) فإن أصواتهم قادرة على صياغة المشهد السياسي الأمريكي بنفس الكفاءة التي يفعل بها اللوبي اليهودي ذلك، وقد أدرك بايدن أهمية الصوت المسلم، ووعد حتى قبل بدء عمليات الاقتراع بأن يستعين بمسلمين في هياكل الدولة العليا في حال فوزه.