الحملة الدائرة على جماعة الإخوان في المنطقة ليست بمعزل عن الحملة الشرسة على المسلمين في أوروبا ومناطق الأقليات المسلمة حول العالم.. وتتمايز عن بعضها في طبيعتها وأدواتها وخطابها. ثم تلتقي في النهاية عند هدف واحد: هو العمل على استئصال جماعة "الإخوان المسلمون"، أو على الأقل شل حركتها كأكبر وأنشط مكون سني يمثل - مع غيره من المكونات الأخرى الصغيرة - القلب النابض للصحوة والانطلاق نحو النهضة والعداء للكيان الصهيوني.
وفي الوقت الذي تموج أوروبا بتحركات وإجراءات تهدف إلى فض المكونات الإسلامية المنتشرة فيها (مراكز ومؤسسات ومدارس وجامعات.. إلخ) بزعم أنها تمثل"الإسلام السياسي"، أي قريبة من جماعة الإخوان، ويتم الاستناد في هذا إلى الفتاوى الصادرة من هيئة كبار علماء السعودية والمفتي العام للمملكة ومفتي مصر، وعدد من علماء السلطان، وهي تمثل غطاء سميكا لشن حملات اعتقال وقتل في منطقتنا وحملات مماثلة في الغرب تجردهم من حقوقهم وتضيق على وجودهم، كما هو حادث اليوم في فرنسا والنمسا ومن المنتظر حدوثه في دول أوروبية أخري..! بينما الصهيونية العالمية تسرح وتمرح كما تشاء ومن يمسها يواجه بقوانين معاداة السامية!
يقول الخبراء إن أي حرب غير أخلاقية على أي شعب أو أي مكون بشري غير مرغوب فيه تحتاج حتى تنجح ولا تلقى سخط الرأي العام إلى:
1- غطاء أخلاقي بتحويل الهدف إلى وحش مرعب حتى يسلم الناس بأن القضاء عليه بات رسالة إنسانية.
2- غطاء قانوني بتصديره في الإعلام خارجا على القانون العام للدولة والمجتمع، فيتم إصدار فتاوى دينية وقوانين محلية وقرارات دولية تسوّغ لقتله وإبادته كواجب قانوني وضرورة اجتماعية.
3- غطاء القوة التي تنفذ المطلوب سريعا.. ومن يتمعن في الحملات التمهيدية لغزو العراق وأفغانستان ومجزرة رابعة وغيرها يجدها قد خضعت لتلك القوانين، وأنها بفعل الشحن الإعلامي المصحوب بتحركات سياسية لاقت تأييدا شعبيا جارفا، وهو عين ما يتم التبييت لتنفيذه اليوم في أوروبا والمنطقة العربية.
ومن هنا ينبغي التوقف أمام بيان هيئة كبار العلماء السعودية ثم بيان المفتي العام للمملكة عن جماعة الإخوان المسلمين وتصريحات مفتي مصر مؤخرا، والتفكر مليا في مآلاتها، وترقب ما تحمله الأيام والحوادث القادمة. فبيان هيئة كبار العلماء المفاجئ يتهم جماعة الإخوان بأنها ".. تتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب".. هكذا دون تقديم أي أدلة!.. ثم وإمعانا في الشحن العدواني تم تعميم البيان من وزير الشؤون الإسلامية على خطباء المساجد بما فيها الحرمين، يوم الخميس 12 تشرين الثاني نوفمبر 2020م لإذاعته على المصلين في صلاة الجمعة، بالتحذير من جماعة الإخوان المسلمين!
وبعد رد الإخوان و18 مكونا إسلاميا يضم علماء كبار من مناطق مختلفة في العالم الإسلامي برفض تلك الاتهامات، فوجئنا ببيان جديد (15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020م)، من مفتي عام المملكة يُخرج الإخوان من الملة: "جماعة الإخوان لا تمت للإسلام بصلة"!
ثم كانت المفاجأة المخزية بدخول الكيان الصهيوني معلنا تأييده لتلك الفتاوى، عبر حساب "إسرائيل بالعربية" التابع لوزارة الخارجية قائلا: "يسعدنا نحن في إسرائيل أن نرى هذا المنهج المناهض لاستغلال الدين للتحريض والفتنة، ولا شك أن جميع الديانات السماوية جاءت لزرع المحبة والألفة بين الناس. نحن بأمسّ الحاجة الى خطاب يدعو للتسامح والتعاون المتبادل للنهوض بالمنطقة برمته".. أمر تحار له الألباب!
وإكمالا للمشهد فقد سبق لمؤسسة الإفتاء السعودية ودار الإفتاء المصرية ذاتها إصدار فتاوى قريبة من هذا، كان أحدثها تصريحات تلفزيونية للمفتي شوقي علام مساء الجمعة (21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020م). كما أن الكنيسة المصرية لم تتوان عن القيام بالواجب بقيادة الأنبا تواضروس، بتأييد الانقلاب العسكري من فوق المنصة.. ثم حملة الكنيسة المستمرة ضمن زفة الحملات الانقلابية الظالمة!
نحن إذا أمام وضع غير مسبوق في تاريخ التعامل مع الحالة الإسلامية.. تحالف مصري سعودي صهيوني يشهر سيف فتاوى بالغة القسوة والشيطنة لجماعة الإخوان (الفصيل الإسلامي الأوسع في المنطقة). وما يمكن أن نفهمه من ذلك أننا مقبلون – لا قدر الله - على موجة عنيفة وواسعة ضد الحركة الإسلامية وفي القلب منها الإخوان، متسلحة بتلك الفتاوى. والغريب أنه في الوقت الذي انطلقت فيه هذه الحملة ضد التيار الإسلامي، كانت شركة طيران الاتحاد الظبيانية تنشر مقطعا ترويجيّا لزيارة الكيان الإسرائيلي، وتعرض فيه الهيكل الصهيوني (حائط البراق) وتنسب التراث الفلسطيني - كذبا - للصهاينة، في تناغم تام مع الرواية الصهيونية!
إن الحرب الضارية التي يتم شنها على الإخوان المسلمين منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013م حتى اليوم وتمارس فيها كل ألوان التنكيل، لم تسفر عما كانوا يخططون له وهو القضاء على الجماعة، لكن الذي حدث أن الجماعة ما زالت تمثل رقما صعبا في مواجهة الفساد والاستبداد، وما زالت تمثل عقبة كؤودا أمام محاولات تذويب المنطقة كلها في "بالوعة" التطبيع مع "العدو التاريخي".
ثم إن استمرار جماعة الإخوان رغم ما تتلقاه من ضربات متتالية وما تتعرض له من ضغوط هائلة؛ قد أشعل تخوفات أنظمة الحكم الاستبدادية في المنطقة على مستقبلها، خاصة مع مجيء رئيس أمريكي جديد.
والملاحظة التي رصدها كثير من المراقبين هو أن بيان هيئة كبار العلماء وحملة ماكرون صدرا بصورة مفاجئة ودون سوابق تستدعي ذلك، وقد تلاقت تلك التخوفات في المنطقة العربية مع تخوفات محمومة في القارة الأوروبية، بدأتها فرنسا بقيادة ماكرون ثم استقرت عند تحالف ثلاثي من فرنسا وألمانيا والنمسا يشحذ سيوفه وآلته الأمنية لشن حملة واسعة ضد ما يسمونه "الإسلام السياسي". لكن السبب الحقيقي هو ما تشهده أوروبا من تزايد في تعداد المسلمين وزيادة المقبلين على اعتناق الإسلام.
فبحسب دراسة لمعهد "ماك بلانك" للبحوث الديموغرافية الألماني، فإن عدد سكان القارة الأوروبية كلها سيتراجع 50 مليون نسمة بحلول عام 2050م، مقابل زيادة مضطردة في تعداد المسلمين، وذلك وفق دراسة مركز "بيو للأبحاث"، المنشورة في كانون الثاني/ يناير 2011م. وتوقعت زيادة نسبة المسلمين من سكان أوروبا من 6 في المئة في عام 2010م إلى 8 في المئة في عام 2030م، فكان لا بد من إعلان الحرب على التواجد الإسلامي وفي مقدمته جماعة الإخوان، المتهمة بأنها وراء هذا الحراك الإسلامي النشط.
هي إذا حملة عالمية، طرفها الأول في المنطقة العربية والطرف الثاني في المنطقة الأوروبية، والهدف إطفاء جذوة الصحوة الجديدة التي تزداد انتشارا.