لو استعانت جماعة "
الإخوان المسلمون" بمنظومة إعلامية متكاملة لرد التهم التي تكيلها لها هيئة كبار العلماء
السعودية وأجهزة الإفتاء في المملكة بالاتهام بالإرهاب والخروج من ملة الإسلام، ما استطاعت تلك المنظومة أن تحقق ما حققه البيت الأبيض والكونجرس والسي آي إيه مجتمعين، وهم يمثلون ركائز الحكم في الولايات المتحدة. وبالطبع لن يكون بوسع أحد تصنيفها بالتبعية للإخوان!
فقد أعلنت هذه الأجهزة عن "القلق من السعودية"، ووجهت لها اتهامات شديدة الوقع بالإعلان صراحة أن "المملكة تُشكّل خطرا على الأمن القومي الأمريكي!".
الخبر أعلنه إلى العالم موقع "إنتلجنس أونلاين" (Intelligence Online) الفرنسي، قائلا؛ إن "المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه - (CIA وجدت نفسها، مع انتخاب جو بايدن، على الموجة ذاتها مع البيت الأبيض لأول مرة منذ أربع سنوات". وأشار الموقع الفرنسي إلى تقرير أعدته لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي، يحدد مصادر القلق التي ستتطلب اهتماما خاصا من "سي آي إيه" عبر العالم.
وأوضح التقرير أن قضيتي الصحفي جمال خاشقجي وسعد الجبري أدتا إلى إجماع بين البيت الأبيض و"سي آي إيه" والكونجرس - رغم سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ - على القلق من السعودية، مشيرا إلى أن المملكة تشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي؛ بسبب حروب النفط التي تشعلها.
وكشف أن الكونجرس يريد من الاستخبارات تركيزا أكبر على قطاع النفط السعودي، والخطط النووية للمملكة، ويقترح وقف دعمها استخباراتيا في اليمن (وكالة الصحافة الفرنسية).
هذه هي القضايا الوطنية الكبري التي ينبغي أن تنتفض للرد عليها أجهزة الفتوى والسياسة معا في السعودية بل والعلماء جميعا.. فهل هناك أهمية أخطر من تلك الاتهامات التي يصوبها للسعودية أركان الحكم في الولايات المتحدة؟ وإذا لم تتحرك المملكة للرد القوي وبالأدلة على تلك الاتهامات، فستجد نفسها في موقف اتهام سيكون من الصعب الفكاك منه، ويحتم عليها الواجب الوطني والإسلامي سرعة التحرك للرد على تلك الاتهامات، بدلا من الانشغال بدبج اتهامات مكررة لجماعة الإخوان، التي باتت كأسطوانة مشروخة ملّ الناس من سماعها من أجهزة الفتوى، التي باتت أجهزة سياسية بامتياز، يطول صمتها واختفاؤها ثم تظهر فجأة بتكييف التهم دون تمحيص.
أتمنى ألا تترك الهيئة وأجهزة الإفتاء والعلماء كل ذلك ويهرولون إلى الأمام بإعادة اجترار الاتهامات نفسها ضد جماعة الإخوان بالإرهاب والتطرف، لشغل انتباه العالم عن التهم الموجهة إليها أمريكيا. مثلما فعل السيناتور الجمهوري والمرشح السابق للرئاسة الأمريكية "تيد كروز" فجأة بمطالبة الكونجرس بوضع جماعة الإخوان المسلمين في مصر علي قائمة
الإرهاب، معتمدا - كما قال - على "العديد من حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي منذ فترة طويلة". وهؤلاء الحلفاء معروفون، وهم الانقلاب العسكري وداعموه في المنطقة، التي تحولت مؤسسات الإفتاء فيها إلى ماكينة تضخ
فتاوى التكفير والاتهام بالإرهاب لمخالفي سياسات بعض الدول، وهو ما أدى إلى تهاوي ثقة الشعوب في تلك المؤسسات، التي كانت يوما محط أنظار واحترام الجماهير ومقصدهم في تلقي الصحيح من شؤون دينهم.
منذ الإعلان عن سقوط دونالد ترامب (صاحب مقولة دكتاتوري المفضل) في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهناك حالة استنفار غريبة تجري هذه الأيام داخل الأنظمة القمعية في المنطقة وأصدقائها من ساسة الغرب، موجهة سهامها لجماعة الإخوان المسلمين، في محاولة لمزيد من شيطنة الجماعة، وقطع الطريق على أي مساع أو ضغوط لرفع الغبن عنها وإزاحة أسوار الحديد من حولها، ورد أبسط حقوق الإنسان إليها لتعيش في حرية كباقي الخلق.. فالدنيا كلها تعلم الحقيقة، وليست في حاجة لفتاوى أو تصريحات سياسية طائشة حتى تتبين حقيقة أكبر جماعة في العالم، مشهود لها بالاعتدال والوسطية على امتداد أكثر من تسعين عاما، وبأنها تمثل حائط صد ضد التطرف والإرهاب، وفق شهادة بريطانيا بعد تحقيقات امتدت لشهور طويلة.
إن الأحداث تتسارع وتنبئ عن متغيرات في المنطقة، نتمنى ألا تكون هذه المرة أيضا ضد مصالح الشعوب وحقوقها، وأن تنتصر هذه المرة لحق الإنسان في حياة كريمة.