رحم الله المهندس أيمن عبد الغني، الذي وافته المنية في تركيا وذلك بعد إصابته بكورونا، نسأل الله تعالى أن يكتب له أجر الشهادة، كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن موتى هذه الأمراض، وقد لاحظ الجميع كم الحب الذي عبر عنه كل من عرف أيمن، وبخاصة شريحة الشباب الذين التفوا حوله، والتف حولهم رحمه الله.
أول مرة التقيته كنا في ميدان التحرير في ثورة يناير في أيامها الأولى، يوم أن كان الميدان يعد من فيه، لا نتجاوز عشرات الأفراد، وكانت معه زوجه الزهراء خيرت الشاطر، والتي كانت قبل ذلك تتحرك بقضية أبيها، وقد كان معتقلا وقتها، ومعهم أخوها: سعد خيرت كذلك، ولم أر أيمن بعدها، أو يجمعنا لقاء، عاما كان أم خاصا.
ثم جاء الانقلاب وكنت أمر على المركز الإعلامي في رابعة، وكنت أراه، متحركا بين الناس، وكلما رأى خطأ أو سلوكا من حيث النظافة أو التنظيم، ينبه إليه، كل هذه اللقاءات كانت دون حديث بيننا.
وقبل ذلك كانت هناك حادثة ابنتي رحمها الله، وقد ظلت في الغيبوبة خمس سنوات، وعندما أصيبت كان من أوائل من اتصلوا بي لمواساتي، والدعاء، وعرض المساعدة الطبية حسب معارفه: المهندس خيرت الشاطر فك الله أسره وأسر الجميع، وكان ما لفت نظري أنه أخبرني أنه عرف الخبر عن طريق زوجته وبناته، وأنهن عقدن وردا للدعاء لابنتي لا ينسوها منه.
ثم بعد ذلك التقيت بأيمن عبد الغني بعد الانقلاب، وأخبرني أنهن لا يزلن على ورد الدعاء لها. وهو ما يدلك على معدن الناس، اتفقت أو اختلفت معهم، فما علاقة خيرت وزوجه وبناته، وأيمن وزوجه، بشخص ربما يعرفه الزوج، لكن يقينا لا يعرفونه، فيهتمون بالدعاء الدائم، والثابت، لطفلة في غيبوبة، وليس لهن أي مصلحة من وراء ذلك، وأعتقد أن هذا السلوك ليس مرتبطا بشخصي، بل هو مرتبط بكل صاحب حاجة، وأنه سلوك مصاحب لهذه الأسرة الطيبة في معاملتها، أسأل الله أن يجزيهم خيرا.
بعد الخلافات التنظيمية الأخيرة التي أصابت إخوان مصر في الخارج والداخل، اتخذ أيمن عبد الغني منحى هو أقرب لشخصيته، فركز في عمله مع الشباب، والوقوف إلى جانبهم، والبحث عما يفيدهم في مستقبلهم، وقد كنت جارا له لسنوات في تركيا، فلم يخل بيته منهم، ما بين ساكن دائم، أو ضيف يقيم معه لفترة حتى يتيسر له أمر سكن آخر.
أيمن رحمه الله عندما وجد التنظيم قد ضاق بأهله وعليهم، ظل فيه جسدا، يحاول أن يسدد ويقارب، ويتجه بقلبه وعقله وروحه للدعوة، ويبادر بمبادرات فردية منه بالعمل والحركة، فالتنظيم إن خلا من روح، وضاق بمن فيه، كان العوض عنه الدعوة بكل ما تحمله من قيم ومبادئ ومثل تسع الجميع
بل إنني فوجئت بأن هناك تفاصيل في الأحداث التنظيمية، لم يكن على دراية بها، ليس لشيء، إلا لأنه لم يرد أن يخوض فيها، أكثر مما مضى، وأنه مصر على إكمال خطه الذي اتخذه مؤخرا، وهو الشباب، ولم الشمل كلما استطاع إلى ذلك سبيلا، وكل عمل وأمر يجمع الناس بات يسعى إليه بدأب، سواء ما يجمع الناس في الدعوة، أو ما يجمعهم في السياسة.
لم أر أيمن عبد الغني يحتد على أحد، أو يهين أحدا، وكان سريع الفيء عند غضبه إذا غضب، وقد شهدت موقفا شخصيا بيننا، فقد تابع فقرة لي في برنامجي، وكنت قد انتقدت فيها قيادات الإخوان وموقفها من الإعدامات المتوالية، وصدرت مني عبارات لم يكن من الموفق أن تصدر مني بهذا الشكل، وكنت حادا بحكم صعوبة الموقف، وناقشني بعدها أيمن، وكان غاضبا لأول مرة معي، وبالطبع رددت عليه بما يتناسب مع حدته وقتها، وانتهى الحوار بحدة بيننا، ومشى ومشيت.
بعدها التقينا في عرس ابنة أحد الإخوة، وكنت جالسا، وإذ بشخص يحتضنني من ظهري، ويقبل رأسي بقوة حتى لا أرفض، التفت فكان هذا الشخص أيمن عبد الغني، الذي أبى أن يطول الخلاف، أو القطيعة، وكان خير من يبدأ بالسلام، ليستأثر بالأجر رحمه الله.
ما لاحظه الناس الذين تابعوا بكاء الشباب على أيمن، وحزنهم الشديد على وفاته، أن الجميع عدد مآثره، المآثر التي يلقى الله بها، من عمل صالح، وذكرى طيبة، وصدقات جارية تبقى إلى ما شاء الله، وحسن معاملة للمخالف والموافق داخل الجماعة وخارجها، وهي أخلاق وروح لا يقوى على السير فيها إلا من رزقه الله نعمة التوفيق والقبول.
فأيمن رحمه الله عندما وجد التنظيم قد ضاق بأهله وعليهم، ظل فيه جسدا، يحاول أن يسدد ويقارب، ويتجه بقلبه وعقله وروحه للدعوة، ويبادر بمبادرات فردية منه بالعمل والحركة، فالتنظيم إن خلا من روح، وضاق بمن فيه، كان العوض عنه الدعوة بكل ما تحمله من قيم ومبادئ ومثل تسع الجميع، فالتنظيم إلى زوال، والدعوة باقية، فأصر أن يبقى عمله، ولا يزول. هذه هي المعادلة التي بات يطبقها الكثيرون من تنظيم الإخوان بعد الخلافات العاصفة فيه، فذهب كثير منهم إلى رصيده الإيماني والدعوي يمارسه، ولا يبالي أبقي في التنظيم أم غادره. ونجح أيمن في تطبيقها، فربح الدنيا والآخرة إن شاء الله.
رحم الله أيمن عبد الغني، الذي ضرب نموذجا حيا بين الشباب وإخوانه، يستطيعون السير على دربه في بقاء الأثر الصالح للعبد الصالح، كما قال الإمام حسن البنا: العبد الصالح، هو من يترك أثرا صالحا أينما حل.
Essamt74@hotmail.com
علي السيد.. من عنفوان الحياة إلى هدوء الرحيل!
في رثاء رئيس القضاء السوداني الأسبق دفع الله الحاج يُوسُف