في الوقت الذي يعاني فيه نحو
30 بالمئة من
المصريين من الفقر، لا ترى الحكومة غضاضة في إنفاق عشرات الملايين على
مشروع إنارة
ميدان التحرير وسط
القاهرة.
وقالت الحكومة إن تكلفة مشروع
إنارة ميدان التحرير وسط القاهرة، الذي يعد أشهر الميادين في مصر، بلغت حوالي 60 مليون
جنيه، تتحملها وزارة الإسكان في المشروع الذي استغرق 3 شهور (الدولار يساوي 15.70 جنيه)
وبررت وزارة قطاع الأعمال الهدف
من المشروع بـ"إحداث نقلة نوعية في منطقة وسط القاهرة، عبر تحسين صورتها البصرية، وتعظيم شخصيتها المعمارية، عبر الحفاظ على واجهات مبانيها المميزة، ويضفي على المنطقة
ليلا بعدا جماليا جذابا".
"تنوير أم طمس"
وواجه إعلان الحكومة المصرية
قبل نحو عام تطوير الميدان، ونقل كباش فرعونية له من جنوب البلاد، انتقادات واسعة،
واتهامات بمحاولة طمس معالم ميدان الثورة من جهة، والعبث بآثار مصر التاريخية من جهة
أخرى.
وأكد مسؤول مصري حينها لـ"عربي21"
أن الحكومة المصرية عازمة على استكمال تطوير ميدان التحرير بالقاهرة بنقل أربعة تماثيل
ضخمة لكباش فرعونية بالفناء الخلفي لمعبد الكرنك بمدينة الأقصر الأثرية، بالإضافة إلى
مسلة فرعونية بطول 60 مترا.
"انقلاب على الثورة"
وقال عبدالرحمن عاطف، أحد نشطاء
ثورة 25 يناير، إن "السيسي لم يكتف بإطلاق أبواق الإعلام لتشويه يناير وأبنائها
فقط، بل انتقل لتزييف بعض الحقائق عن الثورة،
وتشويهها، واصفا إياها مرة بالتخريبية ومرة أخرى بالمؤامرة".
وانتقد في حديثه لـ"عربي21"
ما وصفه بـ"محاولات نظام السيسي الدؤوبة من أجل تغيير معالم ميدان الثورة تحت
مزاعم التجديدات وتحسين صورة القاهرة"،
لافتا إلى أنه "يجب أن يحاكم بتهمة إهدار المال العام في إضاءات لا قيمة لها".
وتساءل الناشط السياسي والحقوقي:
"ماذا عن مئات الميادين التي بحاجة إلى تجديد وصيانة وتوسعة؟ بل ماذا عن ملايين
الأسر المحرومة من المأوى وبحاجة إلى تلك النفقات؟ لكنه نظام يحاول محو آثار دماء الشهداء
و تاريخ الثورة".
"متى يعود النور للتحرير"
واعتبر رئيس الدائرة المصرية
بمركز حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية، إسلام الغمري، ما يجري في ميدان التحرير
بأنه "تقطيع أوصاله وتجريف معالمه، والآن يكبدون الشعب المصري المنهك 60 مليون
جنيه بدعوى التطوير"، مضيفا: "ميدان التحرير لن يعود إليه النور الحقيقي
حتى تتحقق مطالب الشعب والشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل العيش الكريم والحرية والكرامة".
وتابع لـ"عربي21":
"رغم مرور 10 سنوات على ذكرى 25 يناير، التي حقق المصريون خلالها في عام ما لم
يحققوه في دهر، لا يزال قائد الانقلاب وسلطته تراودهم أحلام مزعجة بعودة الثورة، رغم
أنهم يرددون في كل مناسبة أن ما حدث في 2011 لن يتكرر مرة أخرى".
ليست الخطوة الأولى ولا الأخيرة،
بحسب الغمري، فقد سبقها "تجريم المظاهرات
وتكميم الأفواه، وتقييد الحريات وسجن الأحرار، ولَم يكتفوا بذلك، بل مسحوا من الأرشيف
كل ما يتعلق بثورة يناير، وعمدوا إلى تشويهها بكل نقيصة"، على حد قوله .
"رعونة الحكم"
من ناحيته، قال الناشط الحقوقي
والسياسي، هيثم أبو خليل، إن "الأمر لا يقتصر على تبديد عشرات الملايين، بل تبديد
مليارات الدولارات على صفقات أسلحة، ومدن في الصحراء، ومشروعات مثل تفريعة قناة السويس،
في حين أن البنية التحتية متهالكة، والوضع الصحي في مصر مزر".
وأضاف لـ"عربي21" أن "تغيير جغرافية ميدان التحرير بالكباش والمسلة والأضواء هو في نهاية المطاف
تصور خاطئ بأن العبث بشكل ميدان التحرير، ويوتوبيا العاصمة الإدارية، سوف تحميه من
أي تغير قادم، لكن الواقع أن الحديد يتحول إلى ماء عندما يريد الشعب".