لبنان يحتاج إلى إصلاحات حكومية واسعة النطاق ودعم دولي طويل الأمد
ندعو إلى مساعدة الناس في بيروت وبقية لبنان على الوقوف على أقدامهم مرة أخرى
عدد هائل من الأسر ستجد نفسها في مواجهة فقر غير مسبوق وقد تزداد عمليات الإخلاء والتشرد
9 من كل 10 أسر سورية لاجئة بلبنان تعيش الآن في فقر مدقع
الطريقة الوحيدة لمواجهة الفقر المنتشر في لبنان هي توفير الوظائف والتدريب للناس
لبنان قد يستغرق سنوات لتغطية أزماته المجتمعية ومشكلاته السياسية والاقتصادية الخانقة
قالت مديرة شؤون الاتصالات بالمجلس النرويجي للاجئين، رشا الضاوي، إن انفجار مرفأ بيروت أثّر على الأوضاع في لبنان، وأدّى إلى فقدان 70 ألف شخص وظائفهم، ولا يزال هناك حوالي 9000 من أصل 200 ألف مسكن تضررت بالانفجار بحاجة إلى الإصلاح أو إعادة البناء من جديد، مُحذرة من أن "آلاف العائلات تواجه موجة جديدة من التشرد بسبب حالات الفقر المتزايد".
وأشارت، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أنه "من الضروري الآن النظر إلى ما وراء الأضرار الهيكلية التي أعقبت الانفجار، ولا بد من مساعدة الناس في بيروت وبقية لبنان على الوقوف على أقدامهم مرة أخرى"، مؤكدة أن "لبنان يحتاج إلى إصلاحات حكومية واسعة النطاق، ودعم دولي طويل الأمد، لخلق فرص عمل، وتوفير الخدمات والحماية الاجتماعية".
وعن الاحتجاجات الأخيرة بشأن أزمة كورونا المتفاقمة في لبنان، أضافت الضاوي: "الناس غاضبون، ومتعبون، وجائعون، ويريدون إجابات من قادتهم السياسيين. في حين أننا لا نستطيع التنبؤ بما إذا كان الوضع في لبنان سيتصاعد أكثر".
وشدّدت مدير شؤون الاتصالات بالمجلس النرويجي للاجئين على أن "الطريقة الوحيدة لمواجهة الفقر المنتشر الآن في لبنان، ولجعل الناس أقل اعتمادا على المساعدات، هي توفير الوظائف والتدريب لهم. في غياب ذلك، سيظل الناس ضعفاء اقتصاديا للغاية. ومن المرجح أن يستغرق لبنان سنوات لتغطية هذه الأزمات مجتمعة".
وفيما يلي نص المقابلة:
كيف تنظرون لتداعيات انفجار مرفأ بيروت على الأوضاع في لبنان الآن؟
بعد مضي ستة أشهر على انفجار بيروت، تواجه آلاف العائلات موجة جديدة من التشرد بسبب حالات الفقر المتزايد، ونحن نُحذّر من ذلك، خاصة أن عددا هائلا من الأسر ستجد نفسها في مواجهة فقر غير مسبوق، ما سيؤدي إلى زيادة عمليات الإخلاء والتشرد. بالرغم من إصلاح غالبية المساكن التي تضررت أو دُمّرت، تجد الفئات الأكثر ضعفا من اللبنانيين واللاجئين والعمال المهاجرين، أنفسهم عاطلين عن العمل بشكل متزايد، ولا قدرة لهم على دفع الإيجار، وأكثر اعتمادا علـى المساعدات من أجل استمرارية البقاء.
لبنان كان يعاني مُسبقا من أزمة سياسية واقتصادية خانقة، بالإضافة إلى تفشي عنيف لجائحة كورونا، الأمر الذي وضع البلاد تحت ضغط هائل. وانفجار المرفأ أدّى إلى فقدان 70 ألف شخص وظائفهم. يُظهر بحثنا أن 30% من الأسر الأكثر تضررا، كان لديها أفراد من الأسرة العاملة قبل الانفجار فقدوا وظائفهم. وأفاد 42% ممن يعانون من حالات طبية مزمنة بأنهم لا يستطيعون مواصلة علاجهم، لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليفه في الغالب.
كيف يمكن مواجهة لتداعيات انفجار بيروت برأيكم؟
من الضروري الآن النظر إلى ما وراء الأضرار الهيكلية، ومساعدة الناس في بيروت وبقية لبنان على الوقوف على أقدامهم مرة أخرى. يحتاج لبنان إلى إصلاحات حكومية واسعة النطاق ودعم دولي طويل الأمد لخلق فرص عمل وتوفير الخدمات والحماية الاجتماعية.
منظمة "هيومن رايتس ووتش" اتهمت السلطات اللبنانية بـ"التقاعس" عن تحقيق العدالة في انفجار مرفأ بيروت.. فهل ترون أن هناك تقصيرا وتقاعسا من قِبل السلطات اللبنانية في التعاطي مع انفجار بيروت وانعكاساته؟
هناك بعض المخاوف الهيكلية عميقة الجذور، والتي عبّر عنها الشعب اللبناني بوضوح شديد منذ بدء الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد العام الماضي. نأمل أن تُسمع أصواتهم، وأن يحصلوا على الدعم الذي يحتاجونه الآن وعلى المدى الطويل. أولويتنا بصفتنا منظمة إنسانية هي الاستجابة للاحتياجات الإنسانية العاجلة على الأرض، بغض النظر عن المركز والجنسية والدين والمعتقد السياسي.
وماذا عن رؤيتكم لموقف المانحين الدوليين الذين استجابوا لانفجار مرفأ بيروت ووعدوا بأن يضمنوا أن مساعداتهم ستؤمن حماية مباشرة وفورية لحقوق المتضررين؟ وهل قاموا بالالتزام بوعودهم وصرفوا المساعدات بالفعل؟
تم إصلاح غالبية المساكن المتضررة أو المدمرة. لا يزال هناك حوالي 9000 من أصل 200 ألف مسكن تضرر بالانفجار بحاجة إلى الإصلاح أو إعادة البناء. تم تمويل 81% من الاحتياجات الطارئة التي حددها نداء الأمم المتحدة بعد الانفجار. نحن، المجلس النرويجي للاجئين، نقوم بتنسيق استجابتنا والوصول إلى المجتمعات المتضررة بالتعاون مع السلطات المحلية والأمم المتحدة، بنفس الطريقة التي نفعلها دائما، إلا أننا لا نقدم الدعم المالي.
إلى أي مدى أنتم راضون عن التحقيقات في انفجار بيروت؟ وهل تسير على ما يرام؟
بصفتنا منظمة إنسانية غير سياسية، فإن مسؤوليتنا هي تقديم المساعدة لمَن هم في أمس الحاجة إليها. التحقيقات هي مسؤولية السلطات اللبنانية، ويجب أن تكون مسؤولة أمام الشعب اللبناني. نحن لا نشارك في هذه العملية ولا نراقبها، أولويتنا الوحيدة هي ضمان حصول أولئك الذين يحتاجون إلى المساعدة في القطاعات التي نعمل فيها على تلقيها في أقرب وقت ممكن.
قلتم إن من بين جميع الفئات المتضررة التي تم تقييمها لديكم، بلّغ اللاجئون السوريون أعلى نسبة حوادث عنف وإساءة ومضايقات من قِبل أصحاب العقارات وبسبب التوترات في المجتمع.. فكيف تنظرون لتداعيات تلك التفجيرات على اللاجئين بلبنان؟
أثّرت هذه الأزمة على الجميع بغض النظر عن الجنسية والمنصب. وتستهدف الاستجابة الإنسانية جميع المتضررين، لا سيما أولئك الذين ليس لديهم موارد مالية لتغطية احتياجاتهم الغذائية والطبية الضرورية.
تجدر الإشارة إلى أن 9 من كل 10 أسر سورية لاجئة تعيش الآن في فقر مدقع، وأن 55% من اللاجئين في لبنان يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
وفقا لبيانات الأمم المتحدة، تقييم الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان (VASyR) ، يعيش 57% من أسر اللاجئين السوريين في ملاجئ إمّا مكتظة وظروفها دون المعايير الإنسانية و/أو معرضة لخطر الانهيار.
بالنسبة للفئات الأكثر ضعفا، بما في ذلك اللاجئون والعمال المهاجرون، فقد ضاعف الانفجار صراعاتهم اليومية الموجودة مسبقا. بدون فرص لتوفير الدخل والوضع القانوني الهش في البلاد، فإنهم يعتمدون بشكل كامل على المساعدة الإنسانية ولا يزال النظر إليهم وتصويرهم كمواطنين من الدرجة الثانية.
قبل الانفجار، كانت عمليات الإخلاء والتشرد تُشكّل تهديدات مباشرة للعديد من اللاجئين وغيرهم من الفئات المستضعفة في بيروت وأماكن أخرى في لبنان، لأنهم لم يعودوا قادرين على دفع الإيجار ولديهم وصول محدود للغاية إلى الحماية القانونية ضد الإخلاء.
مع خروج فيروس كورونا المستجد عن السيطرة واستنزاف المستشفيات، بات امتلاك منزل ضروري أيضا لتجنب الإصابة بالفيروس أو عدوى الآخرين.
ما الذي يقدمه المجلس النرويجي للاجئين في لبنان؟ وما الصعوبات التي تواجه عملكم؟
يعمل المجلس النرويجي للاجئين في لبنان منذ عام 2006، وله مكاتب في بيروت، وصور، وتل عباس، وزحلة، وبعلبك، وعرسال. نحن نقدم الدعم للاجئين السوريين والمجتمعات اللبنانية الفقيرة، وتشمل خدمات التعليم والمأوى والمياه والصرف الصحي (WASH) ، وخدمات تقديم المعلومات والاستشارات والمساعدة القانونية (ICLA) .
تتماشى استجابة المجلس النرويجي للاجئين للانفجار جنبا إلى جنب مع الاستجابة الإنسانية الموجودة مسبقا للسكان اللبنانيين وغير اللبنانيين، بما في ذلك اللاجئين السوريين والفلسطينيين.
وقمنا بإصلاح منازل حوالي 1600 أسرة، وساعدنا نحو 600 أسرة إضافية في دعم الإيجار لمدة تصل إلى ستة أشهر. وبحلول شهر آذار/ مارس المقبل سيكون حوالي 15 ألف قد تلقوا الدعم من خلال توفير المأوى والمياه والصرف الصحي والتعليم والخدمات القانونية.
إلا أنه مع تزايد فيروس كورونا المستجد، وزيادة احتياجات المأوى والمياه والصرف الصحي للحد من انتشار الفيروس، نحتاج إلى التأكد من الحصول على الدعم المالي لمواصلة جميع هذه العمليات بالتوازي. لا يمكننا ببساطة تحويل التمويل بعيدا عن برامجنا العادية والاستجابة الخاصة بفيروس كورونا لمساعدة أولئك الذين ما زالوا بحاجة إليها في بيروت. هذا هو السبب في أنه من الضروري معالجة كل من الاحتياجات الفورية المتبقية والاحتياجات الهيكلية.
كيف يمكن أن تؤثر الاحتجاجات الأخيرة على أزمة كورونا المتفاقمة أصلا في لبنان؟ وهل الأوضاع ستزداد سوءا؟
الناس غاضبون، ومتعبون، وجائعون، ويريدون إجابات من قادتهم السياسيين. في حين أننا لا نستطيع التنبؤ بما إذا كان الوضع في لبنان سيتصاعد أكثر، فمن الواضح أن الناس يريدون رؤية تلك الإصلاحات الهيكلية التي طالبوا بها منذ عام 2019، وسيودّون أيضا رؤية المزيد من الدعم من المجتمع الدولي حتى يتمكنوا من إعادة بناء حياتهم.
بالنظر إلى الفقر المنتشر في لبنان الآن، فإن الطريقة الوحيدة لجعل الناس أقل اعتمادا على المساعدات هي توفير الوظائف والتدريب لهم. في غياب ذلك، سيظل الناس ضعفاء اقتصاديا للغاية. من المرجح أن يستغرق لبنان سنوات لتغطية هذه الأزمات مجتمعة.