نشرت صحيفة "
الغارديان" مقالا للصحفية نسرين مالك تناولت
فيه معاناة
المسلمات في
بريطانيا اللواتي يقتحمن المجال العام أو الإعلام.
ونقلت مالك في مقالها الذي ترجمته "عربي21" قصصا لبعض تلك
النسوة، مشيرة إلى أنها "جزء من قصة أطول عن المسلمين في هذا البلد، الذين تم
تصويرهم لعقود ليس كأشخاص عاديين، يمكنهم الوقوع في الخطأ مثل أي شخص آخر، ولكن كمشكلة أو تهديد أو عدو داخلي".
واتهمت مالك حكومة المحافظين بمفاقمة المشكلة "التي أنشأت نظاما
للإفلات من العقاب -إن لم يكن المكافأة الفعلية- على الإسلاموفوبيا"، على حد قولها.
وهاجمت مالك أولئك الذي يدعون أن الإسلاموفوبيا هي مجرد خيال "لإغلاق"
الحوار، مشيرة إلى أن "الحقيقة هي أننا نعيش (في بريطانيا) الآن في بيئة معادية
لدرجة أننا غير قادرين على خلق مساحة يتم من خلالها مناقشة الأشياء التي نهتم بها جميعا
-حقوق المرأة والتطرف والإقصاء الاجتماعي والاقتصادي- دون خوف".
وفي ما يأتي نص المقال:
قالت فيه إن زيشا سليم صحفية
شابة ترتدي
الحجاب في بداية حياتها المهنية. ومثل جميع الصحفيين الشباب، فقد تهيأت
نفسيا لتتمكن من التغلب على عدم القدرة على التنبؤ بالعمل وصدمة الرفض. ولكن عندما
تنجح ويتم تكليفها بعمل ويتم نشره، فإنه يتعين عليها مواجهة عقبة أخرى: الإساءة عبر الإنترنت.
وتقول: "مهما أكتب، سيكون هناك دائما أشخاص يجبرونني على تبرير
أشياء لا علاقة لها بالمقال".
كثيرا ما تُسأل عما إذا كانت قد أُجبرت على ارتداء الحجاب، وسُئلت عن
آرائها بشأن اعتقال النساء في بلدان أخرى لعدم ارتدائه، وقيل لها إنها لا يمكن أن تؤخذ
على محمل الجد في الأمور العلمية إذا كانت تؤمن بالله.
يشعر والداها بالقلق بشأن المدة التي يمكنها أن تستمر فيها في المجال
الذي اختارته إذا كان هذا هو الاستقبال الذي يقابل به عملها الشاق.
مثال آخر، لينا كمال (ليس اسمها الحقيقي)، كاتبة السيناريو، التي أخبرتني
عن تجربة مرّت بها مع شركة بث آلمتها كثيرا. تقول: "لقد شاركت فيما قيل لي إنه
قطعة كوميدية عن التعليقات العنصرية غير المباشرة، والطريقة التي تم بها تحريرها وتوزيعها
تركتني عرضة للكراهية المروعة عبر الإنترنت، ما جعلني أبغض التعامل مع الإعلام مدى
الحياة". سليم وكمال من بين العديد من المسلمين البريطانيين الذين قد يشعرون بالحذر
أو الشك أو حتى العداء لفكرة أن هناك قيمة للمشاركة في المجال العام في بريطانيا.
هذه التجارب هي جزء من قصة أطول عن المسلمين في هذا البلد، الذين تم
تصويرهم لعقود ليس كأشخاص عاديين، يمكنهم الوقوع في الخطأ مثل أي شخص آخر، ولكن كمشكلة،
أو تهديد، أو عدو داخلي.
في بعض الحالات، تم وصف المسلمين البريطانيين بأنهم جزء من "حصان
طروادة"، كما كان الحال في الادعاءات الملفقة والتي فضح كذبها بأن المسلمين كانوا
يخططون "للسيطرة" على المدارس في بيرمنغهام في عام 2014.
ولكن يمكننا أيضا الإشارة إلى عمق الآثار المجتمعية والنفسية لبرنامج
"بريفينت"، الذي حاول تجريم الشباب المسلمين بشكل فعال بسبب حديثهم عن السياسة
في أماكن معينة، أو الجدل الأبوي حول "حظر البرقع" خلال "الحرب على
الإرهاب" في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. واجتمع كل هذا ليتم تجسيد
المسلمين في الوعي القومي على أنهم شيء آخر: مجموعة منغمسة ومزعزعة (للاستقرار) تتمتع
بامتيازات من قبل مؤسسة ليبرالية خجولة.
والنتيجة هي انهيار في الطريقة التي يتواصل بها المجتمع البريطاني مع
المسلمين وعنهم، وهي حالة تفاقمت بسبب حكومة المحافظين التي أنشأت نظاما للإفلات من
العقاب -إن لم يكن المكافأة الفعلية- على الإسلاموفوبيا.
ولكن في أجزاء من وسائل الإعلام البريطانية كان انهيار الثقة أكثر وضوحا.
لا حاجة للحقيقة أن تقف في طريق نشر قصة جيدة (تجذب القراء): من طفل
مسيحي أبيض يُفترض أنه أُجبر على التبني مع عائلات مسلمة، إلى سائقي الحافلات المسلمين
الذين يقال إنهم يطردون الركاب من الحافلة حتى يتمكنوا من الصلاة، إلى التصوير بنجاح
أن استدراج الأطفال (للاعتداء عليهم) كما لو كانت مرتبطة حصريا بالرجال المسلمين، هجوم
(من الإعلام) لا هوادة فيه. في بعض الأحيان، بعد أشهر، قد ينشر نفس الإعلام تصحيحات
أو اعتذارات، بل ويدفع تعويضات، لكن الأوان قد فات.
تكرر هذا الأسبوع الماضي، في فصل أكثر دقة، لكنه مع ذلك يكشف الكثير. فبعد أن انتخب المجلس الإسلامي البريطاني أول امرأة كأمينة عامة له، زارا محمد، وفي
مقابلة مع إيما بارنيت في برنامج "ساعة المرأة" على إذاعة "بي بي سي
راديو 4"، سُئلت محمد، من بين أمور أخرى، عن عدد الأئمة الإناث في البلاد. وأوضحت
محمد أن دورها لم يكن دورا دينيا أو روحيا، لكن بارنيت بقيت تضغط بنفس خط الاستجواب،
وواصلت محمد التأكيد على أنه خارج اختصاصها، ما جعل الاستماع إلى المقابلة غير مريح.
بالنسبة للبعض، يبدو الأمر وكأنه سؤال مشروع يُوجه لامرأة مسلمة في
دور قيادي رفيع، سؤال تهربت من الإجابة عنه. بالنسبة للآخرين، بدا الأمر وكأنه الاختبار
المألوف الذي يخضع له المسلمون عندما يشاركون في المجال العام: كان المعنى الضمني في
انتخاب محمد يعني القليل، حتى عندما يتم إحراز تقدم، فإنه ليس جيدا بما فيه الكفاية.
وقد تفاقم عنصر "أفحمتك" بسبب ميزة أخرى مثيرة للفرقة في
المشهد الإعلامي اليوم: تحرير هذه اللحظات لوسائل التواصل الاجتماعي، ما يلغي السياق
ويثير ردود الفعل.
بالنسبة لي، بدت مقابلة "ساعة المرأة" وكأنها نقاش بين طرفين
يجلسان على جانبي خطوط تم رسمها على مدى سنوات عديدة، وهو الانقسام الذي جعل النقاش
الصحي حول قضايا معينة صعبا للغاية. كيف تجيب عن سؤال من هذا القبيل، في الوقت الذي
تشعر فيه بالقلق من أن أي إجابة ستمنح المزيد من الذخيرة لآلة إعلامية تسعد بمهاجمة
مسلمي بريطانيا؟
لأن هذا هو الشيء الوحيد الذي تفعله الإسلاموفوبيا: إنها تغلق المجتمعات
الإسلامية وتجعلها دفاعية، فاقدة للثقة، وتخشى أن أي محاسبة عامة في القضايا داخل تلك
المجتمعات سوف تستخدم ضدها.
أخبرتني كمال أنها تمتنع الآن
عن "الانتقاد أو المشاركة في حوارات حول المجتمع المسلم".
لقد أصبح من الشائع الادعاء أن الإسلاموفوبيا هي مجرد خيال "لإغلاق"
الحوار. لكن الحقيقة هي أننا نعيش الآن في بيئة معادية لدرجة أننا غير قادرين على خلق
مساحة يتم من خلالها مناقشة الأشياء التي نهتم بها جميعا -حقوق المرأة والتطرف والإقصاء
الاجتماعي والاقتصادي- دون خوف.
مع مرور سنوات عديدة من الشك التي تلقي بثقلها على كل تبادل (فكري)،
يجب بذل جهد واع لخلق تلك المساحة، مساحة يكون فيها الحوار أطول، غير معدلة من أجل
إحداث ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي، ويلعب فيها المسلمون دورا خلف الكواليس حتى
يتمكنوا من الإشارة إلى متى يكون المحتوى تحريضيا والتحرير غير مفيد. إذا أردنا
التحدث عن التأثيرات المرعبة على الحوار الحر، فلنبدأ هنا.