الكتاب: استراتيجية المقاطعة ضد الاحتلال الإسرائيلي ونظام الأبارتهايد.. الواقع والطموح
المؤلف: مجموعة مؤلفين
الناشر : المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات/2018
ستة عشر باحثا من دول عربية وأجنبية يقدمون في هذا الكتاب مساهماتهم في موضوعين متلازمين هما تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، والمقاطعة بوصفها أداة من أدوات المقاومة الشعبية للاحتلال الإسرائيلي.
توزعت مواضيع الكتاب على قسمين؛ الأول ركز على حملات المقاطعة في العالم العربي ومساراتها التاريخية ومآلاتها، والثاني استعرض مجموعة من تجارب حملات المقاطعة الدولية وبحث في التحديات التي تواجهها.
جميع هذه الأبحاث قدمت في مؤتمر "استراتيجية المقاطعة في النضال ضد الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي: الواقع والطموح" الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في مدينة الحمامات التونسية في آب (أغسطس) 2016 بينما تم جمعها وإصدارها في هذا الكتاب في العام 2018.
يتساءل في مقدمة الكتاب عزمي بشارة عما إذا كانت حركة المقاطعة ضد إسرائيل مجرد حركة احتجاج تتأثر صعودا وهبوطا بالجرائم الإسرائيلية وإخفاق المفاوضات، أم أنها تتجاوز ذلك لتكون استراتيجية نضالية بأهداف مرحلية وطويلة الأمد؟
ويتابع: "ما دور العرب في المقاطعة؟ وإلى أي درجة تنطبق المقاطعة على الفلسطينيين في الداخل الذين يعيشون في ظل الاحتلال؟ وما دور الجاليات العربية في الخارج لجهة العمل مع القوى الديمقراطية لتعزيز المقاطعة؟ وكيف يمكن تحويل حركة المقاطعة إلى توجه ذي بعد إنساني دولي؟".
ويؤكد أن حركة المقاطعة قد "هزت" صورة إسرائيل بالفعل، لذلك فإن دولة الاحتلال تنظم حملة مضادة "لوأدها" في مهدها باتهام منصاريها بمعاداة السامية، واستخدام جماعات الضغط في الدول الغربية لتجريم المقاطعة، حتى أنها عقدت مؤتمرا سريا في القدس في فبراير 2016 تحت عنوان" التحالف الدولي من أجل إسرائيل" لبحث مواجهة اتساع رقعة نشاط حركة المقاطعة الدولية.
إصلاح المشروع الوطني الفلسطيني
في سياق شرح تاريخية حركات المقاطعة ودورها المؤثرعلى دولة الاحتلال، يلفت الباحث في المركز العربي للأبحاث ومدير تحرير مجلة "سياسات عربية" أحمد قاسم حسين إلى أن المقاطعة ظهرت كأسلوب من أساليب المقاومة، مع بداية ظهور الحراك الوطني ضد الاستعمار الاستيطاني لفلسطين. موضحا أن الإحصاءات تثبت أنها حققت نجاحات على أكثر من مستوى، إذ تشير الأرقام إلى أن الخسائر التي ألحقتها بالاقتصاد الإسرائيلي حتى عام 1999 تجاوزت 90 مليار دولار.
بالإضافة إلى ذلك فقد شكلت المقاطعة على المستويات الثقافية والفنية والأكاديمية "وسيلة ضغط دولية اعتمدها أكاديميون وفنانون عالميون رفضوا المشاركة في مهرجانات ومسابقات تشارك فيها إسرائيل... وهو الأمر الذي قاد إلى تكوين شبكة جماعات ضغط غير حكومية على مستوى العالم".
يشير حسين هنا إلى أن ما يجعل حركة المقاطعة الأكثر قبولا دوليا بين أساليب المقاومة المختلفة، فهي "استراتيجية سلمية قائمة على احترام القانون الدولي ومبادىء حقوق الإنسان. كما أن للمشاركة الجماهيرية من شرائح المجتمع كلها ميزة تمنح المقاطعة أهمية كبرى، لما تعنيه من رفض ومشاركة واسعة ضد الاحتلال".
يضيف إلى ذلك ميشال نوفل، البحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، أن نجاح حركة المقاطعة في تحوّل الرأي العام الغربي نحو تأييد الحقوق الفلسطينية يعد أحد الدلائل على أن نزع الشرعية عن الاحتلال الإسرائيلي أمر قابل للتحقق، لكن الأمر يحتاج، بحسب ما يقول، إلى" هبّة تردم الهوة بين تقدم الحركة عالميا وتراجع الموقف السياسي الفلسطيني والعربي، وهو أمر يستدعي إصلاح الخلل الذي أصاب المشروع الوطني الفلسطيني وجعله يتجمد عند خيار الدولة الفاشل". ويدعو نوفل إلى تبني استراتيجية بديلة تتمحور حول هدفين هما: دحر الاحتلال، وتفكيك الاستيطان.
يتوقف الباحث الفلسطيني أشرف عثمان بدر عند الاستراتيجية الإسرائيلية لإفشال حركة المقاطعة والحد من تأثيرها، والتي بنيت على محاور عدة إعلامية وقانونية، ومالية، وسياسية، وأمنية وأكاديمية. ويشرح كيف أن إسرائيل روجت لاعتبار المقاطعة شكلا من أشكال معاداة السامية الجديدة، واتجهت داخليا إلى تجريمها عبر سن القوانين في الكنيست، وخارجيا للسعي إلى سن قوانين دولية مشابهة، وكيف استخدمت المال وقائيا "عبر تحويل التصدير من أوروبا إلى آسيا لتجنب تطور المقاطعة في أوروبا"، وكيف دعمت منتوجات المستوطنات والشركات المتضررة من المقاطعة.
ويشير إلى أنها استخدمت الترغيب والترهيب دبلوماسيا، فعملت على استمالة بعض السياسيين لتبني موقفها، في مقابل إرهاب من ينتقد ممارساتها ووصفه بمعاداة السامية، بالإضافة إلى تشكيلها منظمات مضادة لحركة المقاطعة تعمل داخل الجامعات بهدف كسر المقاطعة الأكاديمية لها.
الرأي العام الأمريكي يتحرك ببطىء ضد إسرائيل
يقدم الباحث أسامة أبوارشيد، المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية دراسة تتناول محاولات اللوبي الصهيوني وحلفائه لنزع الشرعية عن حركة مقاطعة إسرائيل في الولايات المتحدة، وهي حركة نشطت بشكل أوسع منذ العدوان الإسرائيلي على غزة في العام 2014، حيث "تضاعف انخراط كنائس وجمعيات طالبية أمريكية، فضلا عن اتحادات الأساتذة الجامعيين... في المقاطعة وسحب الاستثمارات ومعاقبة إسرائيل والشركات التي تستثمر فيها".
يقول أبوارشيد: إن 29 هيئة طلابية جامعية صوتت على سحب استثمارات جامعاتها في إسرائيل أو أي شركة تستثمر فيها، كما أن ما يزيد على عشرة اتحادات أكاديمية أمريكية ك"جمعية الدراسات الأميركية"، و"جمعية دراسات السلام والعدالة" قررت مقاطعة إسرائيل بسبب استمرار احتلالها الأراضي الفلسطينية وممارسة التمييز ضد مواطنيها العرب.
ويضيف: "إن أهم انجاز لحركة المقاطعة يتمثل في اجتذاب الكثير من اليهود الأمريكيين، ممن يعارضون احتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وسياساتها التمييزية العنصرية، إلى الحد الذي دفع بعض القيادات اليهودية الأمريكية إلى التحذير من حدوث انقسام في صفوف جاليتهم بسبب هذه المسألة".
ويؤكد أبوارشيد أن ثمة تغيرا، وإن كان بطيئا جدا، في الرأي العام الأميركي، وهو لا يتحرك بالضرورة في مصلحة إسرائيل، لكنه يحذر من أنه لا ينبغي الإفراط في التفاؤل بنجاح حركة المقاطعة من دون إسناد فلسطيني وعربي وإسلامي، منبها في الوقت نفسه إلى ضرورة أن تبقى هذه الحركة شعبية وفي منأى عن سيطرة أطراف رسمية عليها.
"إن أهم انجاز لحركة المقاطعة يتمثل في اجتذاب الكثير من اليهود الأمريكيين، ممن يعارضون احتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وسياساتها التمييزية العنصرية، إلى الحد الذي دفع بعض القيادات اليهودية الأمريكية إلى التحذير من حدوث انقسام في صفوف جاليتهم بسبب هذه المسألة".
المدير التنفيذي لمركز العودة في لندن الباحث طارق حمود تناول في بحثه واقع المقاطعة في أوروبا في شقيها المدني والرسمي، والتي تشكل بحسب ما يرى هاجسا كبيرا لإسرائيل بسبب عاملين مهمين، الأول متعلق بأوروبا كبيئة حاضنة للمشروع الصهيوني تاريخيا، والثاني متمثل في أن الاقتصاد الإسرائيلي مرتبط ارتباطا جيوسياسيا بأوروبا، إذ قام هذا الاقتصاد على أساس العزلة، في محيط عربي معاد.
لذلك فإن أوروبا بحكم موقعها الجغرافي والسياسي هي الشريك الطبيعي للاقتصاد الإسرائيلي. ومن هنا لم يكن مستغربا أن يصف ايهود كوفمان المسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية عن مواجهة المقاطعة العربية لإسرائيل، المقاطعة الأوروبية الحالية بأنها "أسوأ كثيرا من المقاطعة العربية عبر سنواتها الأربعين".
يقول حمود: "إن استيقاظ التشريعات الأوروبية، وإن كان متأخرا، من أجل التعامل مع منتوجات المستوطنات بطريقة تقترب من المقاطعة أو تسهلها، أمر مرشح للتصاعد، نظرا إلى الموقف السياسي الأوروبي المتحفظ حيال سياسات اليمين الإسرائيلي .. أضف إلى ذلك مسألة شعور الشارع الأوروبي المتنامي ضد إسرائيل. وعلى الرغم من تبني الجانب الرسمي موقفا صريحا ضد المقاطعة ومهاجمته لها، رغم أنها تعمل تحت سقف قانوني متسق مع الموقف الرسمي سياسيا وقانونيا، فإنه لا يرغب في مواجهة هذا الشعور، بالنظر إلى مقدماته الأخلاقية والحقوقية".
حركة المقاطعة في أستراليا
تناقش إميلي بلزارد، الباحثة الأسترالية، دور وسائل الاتصال في تثقيف شريحة واسعة من الرأي العام، وقدرتها على استقطاب الدعم للقضية الفلسطينية عموما، وحملات المقاطعة خصوصا. وترى أنه يمكن إعطاء زخم إيجابي لحركة المقاطعة حتى في أشد السياقات عدائية مثل أستراليا من خلال التلاقي بين دعوات المقاطعة ووسائل الإعلام الجديدة ووسائل الإعلام الجماهيري. لافتة إلى أهمية إصلاح وسائل الإعلام بوصفها أولوية لحركة المقاطعة.
كما يعرض بيتر سلزاك، الأستاذ بجامعة نيوساوث ويلز نماذج عن حركة المقاطعة في أستراليا، والجمعيات التي تدعمها مثل"أستراليون من أجل فلسطين" في ملبورن، والتي نشرت كتيبا شاملا عن الحركة، وقامت بدور مهم في تنظيم المنتديات واستضافة المتحدثين، و"شبكة دعم فلسطين في أستراليا" التي شكلت تحالفا من جمعيات مؤيدة لفلسطين مكرسة أساسا لتنظيم مبادرات الحركة، فضلا عن "فريق سيدني في حركة مقاطعة إسرائيل" وهو مجموعة من الأكاديميين مقره جامعة سيدني، ويهدف لممارسة الضغط على الجامعة لسحب كل أنواع الدعم المؤسسي والمالي من المؤسسات الأكاديمية والبحثية الإسرائيلية.
ويشير سلزاك إلى أن حركة المقاطعة في أستراليا تسعى إلى تطوير نشاطها وإطارها بحيث تصبح حركة احتجاج شعبية عامة تشمل أطرافا حكومية وأحزاب سياسية مختلفة.