سلطت مجلة "
إيكونوميست" الضوء على مآلات
الثورة السورية
بعد عشر سنوات على اندلاعها.
تقول المجلة في التقرير الذي ترجمته "عربي21" أن عشر
سنوات من الحرب تركت
سوريا محطمة، لكن حاكمها لن يتغير.
وتضيف المجلة أن الوضع الاقتصادي الآن هو الأسوأ من عقد كامل، كما
أن سوريا انقسمت واقعيا، فيما يقول مسؤول في الأمم المتحدة "إننا نشهد بلقنة سوريا".
يؤكد التقرير أن
الأسد القابع في دمشق لا يريد التخلي عن الحكم أو
المشاركة فيه، وهو لا يقدم أي تنازلات لأنه "يخشى أن يتم اعتبار التسوية كعلامة
على الضعف، لذلك فهو يهدد بمزيد من الحرب بدلا من ذلك".
وفيما يلي نص التقرير:
من مكتبه في القامشلي، شمال شرق سوريا، يصف تاجر كيف يجعل المسؤولون
من الصعب إيصال القمح إلى السوق. حيث يجب أن تعبر شاحناته عشرات نقاط التفتيش في طريقها
إلى العاصمة دمشق. ومعظمها تطلب الرسوم.
القوات الكردية تحاسب على الطن على حدود الأمر الواقع بين الأراضي التي
يسيطرون عليها وأراضي الرئيس بشار الأسد.
على الجانب الآخر، تحصل الفرقة الرابعة المدرعة، التي يسيطر عليها شقيق
الرئيس، على 3000 دولار لكل حمولة. يجب على التاجر أيضا رشوة المسؤولين في دمشق ودعم
الحكومة، حتى لا يتم اعتقاله كإرهابي. أحيانا تُغلق المعابر لأن أحد الجانبين يريد
الضغط على الآخر. ويقول إنه من الأسهل والأكثر ربحية بيع القمح في الخارج.
"السياسيون يجوعون الشعب"
قبل عقد من الزمان، شن الأسد حربا على شعبه بدلا من قبول مطالبهم بالإصلاحات
الديمقراطية. ولقي مئات الآلاف حتفهم في الصراع الذي اجتذب قوى أجنبية ودمر معظم أنحاء
البلاد.
نزح نصف سكان ما قبل الحرب البالغ عددهم 22 مليون نسمة. واليوم، تحد
مجموعة من الاتفاقيات، التي تدخل فيها أمريكا وإيران وروسيا وتركيا كأطراف، من القتال.
يسافر السوريون إلى البلاد للدراسة والتسوق وزيارة الأقارب. لكنها مقسمة إلى جيوب،
كل منها تحت حماية أجنبية. وأصبحت الإدارات المحلية راسخة، حتى أن لديها ميليشياتها
الخاصة، وتدير اقتصادها الخاص وغالبا ما تفضل عرقا أو طائفة. وقال مسؤول في الأمم المتحدة:
"إننا نشهد بلقنة سوريا".
استعاد رجال الأسد معظم المدن الكبرى واستحوذوا على حوالي 60% من الأرض،
بينما كانت نسبة الأراضي التي يسيطر عليها الأسد 30% في عام 2014. وحكمت عائلة الأسد
سوريا لأكثر من نصف قرن، (والد بشار، حافظ الأسد كان يقود قبله)، انتخابات زائفة في
أيار/مايو أو حزيران/ يونيو، إذا تم إجراؤها، ستمنح الرئيس دون شك فترة ولاية رابعة
مدتها سبع سنوات.
لكن هذه انتصارات باهظة الثمن. الاقتصاد السوري في وضع أسوأ من أي وقت
مضى خلال العقد الماضي. يتم تداول الليرة السورية بحوالي 1٪ من قيمتها قبل الحرب بالدولار
في السوق السوداء. يمكن لحكومة الأسد أن تدفع 15 دولارا شهريا فقط لموظفي الخدمة المدنية.
ويقضي الناس في جميع أنحاء البلاد ساعات في الوقوف في طوابير للحصول على البنزين. أسباب
الأزمة كثيرة، بما في ذلك الحرب والفساد والقيود المرتبطة بالفيروس والعقوبات الأمريكية
وانهيار البنوك اللبنانية، حيث خبأ الأثرياء السوريون أموالهم. الحليفان الرئيسيان
للأسد في الحرب، إيران وروسيا، لا يقدمان سوى القليل من المساعدة، ويعود ذلك جزئيا
إلى معاناتهما أيضا.
الأسد ليس لديه إجابات. وكثيرا ما يتجاهل في خطاباته مشاكل سوريا الكبيرة.
وأُعلن أنه وزوجته، أسماء، أصيبا مؤخرا بفيروس كوفيد -19. كان هناك ارتفاع حاد في الإصابات
منذ منتصف شباط/ فبراير. لكن نصف مستشفيات سوريا فقط تعمل بكامل طاقتها. وحتى خطط التطعيم
في البلاد منقسمة، حيث تتفاوض جماعات المعارضة بشكل منفصل مع المانحين من أجل التطعيم.
يبدو أن الأسد أكثر اهتماما بضبط شعبه، وليس الفيروس، حيث يبحث جواسيسه
عن أي تلميح للمعارضة، وحتى الصحفي الموالي الذي كتب عن الجوع على "فيسبوك"
سُجن مؤخرا.
لدى الخروج من العاصمة يبدو أن حكومة الأسد أقل نفوذا، حتى في المناطق
التي يسيطر عليها اسميا. القوات الروسية تعمل دون رادع. وتسيطر الميليشيات المدعومة
من إيران على الحدود بين مناطق سيطرة النظام والعراق ولبنان. إسرائيل تسقط قنابلها
على المليشيات من فوق. وفي الوقت ذاته يلجأ السوريون إلى إخوانهم في العرق أو الطائفة
للحصول على الدعم الذي كانت الحكومة تقدمه ذات يوم. القبائل الدرزية في الجنوب والعربية
في الشرق وحتى الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد على الساحل تدافع عن نفسها بشكل
متزايد. الاشتباكات بين المجموعات شائعة. يقول شيخ عربي من دير الزور في الشرق:
"إذا جاء علوي إلى هنا وحيدا وغير مسلح فسيقتل".
في الجزء الذي يسيطر عليه الأكراد من سوريا، في الشمال الشرقي، تخلى
السكان المحليون عن اللغة العربية ويتحدثون الكردية ويفضلون الدولار. يحتاج السوريون
من خارج الجيب الساعين إلى الإقامة إلى كفيل محلي. كما أن السلطات الكردية لا تحب المعارضة.
تلاحق قواتهم النقاد ويجرون الشباب (بمن فيهم العرب) إلى الخدمة العسكرية. والمنطقة
تعاني مع بقية البلاد، لكنها على الأقل تمتلك النفط وحماية أمريكية. تبيع النفط الأسود
والقمح للعراق. لذلك يمكن للإدارة الكردية في سوريا دفع رواتب أعلى بكثير من تلك الموجودة
في أراضي الأسد. وتصل مواد إعادة البناء من الخارج. كما تم افتتاح مصنع لتكرير الزيوت
النباتية الشهر الماضي، مما وفر مئات الوظائف الجديدة.
لطالما خشيت تركيا من أن يشجع أكراد سوريا انفصالييها الأكراد. لذلك،
منذ عام 2016، شنت هجمات داخل سوريا، واستولت على الزاوية الشمالية الغربية وشرائح
على طول الحدود. تم تطهير هذه المناطق إلى حد كبير من الأكراد وتم تسليمها إلى المتمردين
العرب السنة الذين يشاركون الميول الإسلامية لرجب طيب أردوغان، رئيس تركيا. تدفع تركيا
رواتب المسؤولين المحليين، مما يسهل أيضا إعادة الإعمار. تستخدم الأراضي الليرة التركية
وتم توصيلها بشبكة الكهرباء التي تخدم جنوب تركيا. ويشبه مسؤول بالأمم المتحدة الوضع
بشمال قبرص، التي غزتها تركيا عام 1974 ولا تزال تسيطر عليها.
ربما حاول رئيس سوري أكثر براغماتية عقد صفقات مع السلطات الإقليمية،
ونقل السلطة في محاولة لإبقاء البلاد موحدة. لكن الأسد يخشى أن يتم اعتبار التسوية
كعلامة على الضعف، لذلك فهو يهدد بمزيد من الحرب بدلا من ذلك. وقد أعاد في خطبه إحياء
مجازات والده القديمة عن أمجاد الحضارات العربية والإسلامية لإثارة ذعر الأقليات.
مذيعو الدولة يدينون السوريين خارج المناطق التي يسيطر عليها النظام
على أنهم إرهابيون وطابور خامس. وصادق مجلس النواب في دمشق في الأول من آذار/ مارس
على قانون ينزع الجنسية عن كل من يتقاعس عن تجديد بطاقة الهوية بعد عشر سنوات. وهي
تستهدف أولئك الذين فروا أو تحرروا من حكم الأسد. يرغب الكثير منهم في العودة، ولكنهم
يرغبون أيضا في رؤية شخص آخر مسؤول.