تناولت ورقة بحثية للوزير الأردني الأسبق والباحث محمد أبو رمان آفاق الإصلاح الديمقراطي في البلاد، مشيرا بشكل خاص إلى دعوة الملك عبد الله الثاني، نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي، إلى مراجعة التشريعات الناظمة للحياة السياسية، في مقدمتها قانون الانتخاب (الجدلي)، وقانون الإدارة المحلية وقانون الأحزاب.
وتنقل الورقة عن ساسة وخبراء تأكيدهم ملاءمة اللحظة الراهنة لإحداث إصلاحات حقيقية، وذهب بعضهم إلى التأكيد على أنها ستكون أيضا نابعة من الداخل وحسب، دون تأثيرات خارجية.
لكن أبو رمان، في المقابل، ناقش محددات هذا المسار وقيوده، التي من شأن طريقة قراءتها في دوائر صنع القرار التأثير على مستقبل مساعي الإصلاح سلبا أو إيجابا.
ما هي فرص وآفاق الإصلاح؟
وتساءلت الورقة عن فرص وآفاق الحديث الجديد اليوم عن الإصلاح السياسي، وإمكانية أن يحقق نتائج مغايرة للتجارب السابقة.
وأشار أبو رمان إلى أكثر من فرضية تتبناها النخب السياسية الأردنية، وأغلبها يرتبط بـ"توقيت" المبادرة الجديدة.
وبحسب زيد عيادات، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، فإن هنالك اتجاهين في أوساط السياسيين تجاه المبادرة الجديدة؛ الأول يرى أنّها "لا تخرج عن اللعبة المعتادة في شراء الوقت، في محاولة لتقديم رسالة نوايا للإدارة الأمريكية الجديدة".
أمّا الاتجاه الثاني –وفقا لعيادات- فيرى أنّ "المبادرة الجديدة لم تأت من فراغ بل تأسست على قراءة معمقة للتحولات الجيواستراتيجية في المنطقة، لا سيما بعد تراجع دور البلاد المحوري في القضية الفلسطينية، وحاجتها إلى تقديم نموذج ديمقراطي يحافظ على شيء من مكانتها بالنسبة للغرب.
إدارة أمريكية جديدة
وبحسب الورقة التي أصدرتها مع "مؤسسة فريدريش إيبرت"، فإن كلتا الفرضيتين السابقتين نجد انعكاسهما لدى النخب السياسية على الأرض، فمروان الفاعوري وهو مؤسس حزب الوسط الإسلامي سابقاً ومؤسس منتدى الوسطية العالمي، يربط الحراك الأردني الأخير بالإدارة الأمريكية الجديدة، ويصف ما يحدث بالاستدارة السياسية الداخلية لاستباق أي ضغوط أمريكية متوقعة وربط للمساعدات بملفات متعلقة بحقوق الإنسان والحريات العامة.
ويشير الفاعوري إلى أن "رسائل عديدة تلقتها دائرة القرار في عمان تؤكد على ضرورة إحداث انفراج سياسي لاستدراك التهتكات التي حدثت في العلاقة بين الدولة والمجتمع".
ويشارك صخر دودين (أصبح لاحقا وزير الدولة لشؤون الإعلام حاليا) في حديث للباحث أبو رمان رؤية الفاعوري لدور التحولات الدولية، بخاصة الإدارة الأمريكية الجديدة، في تفسير العودة لملف الإصلاح السياسي، ويربط ذلك أيضاً بالأوضاع الاقتصادية الصعبة وتداعياتها السياسية داخليا، بخاصة في ظل جائحة كورونا، ما دفع بصانع القرار للسعي لإحداث انفراج سياسي.
أمّا عضو مجلس الأعيان، محمد المومني، وهو وزير الإعلام الأسبق، وأستاذ العلوم السياسية، فيقلل من شأن الضغوط الأمريكية، ويذكر أن الإدارة في واشنطن ليست معنية خلال الفترة القادمة بملفات المنطقة ككل، فضلا عن الملف الديمقراطي، والأهم أنّ "الأصدقاء الأمريكيين يحرصون على الاستقرار السياسي الداخلي"، بدون ضغوط خارجية، وهو ما يدفعه لقراءة أي دعوة للإصلاح الداخلي في هذا السياق.
ويتوافق مستشار الملك السابق جعفر حسان (رئيس معهد السياسة والمجتمع) مع موقف المومني ويرى أنّ الفرصة سانحة اليوم أكثر من أي وقت مضى لعدم وجود ضغوط دولية أو إقليمية، وربما ذلك يساعد على المضي بهدوء في مسار الإصلاح السياسي.
اقرأ أيضا: أخطاء شائعة عن تاريخ الأردن
ويتساءل أبو رمان: "لماذا لم تتم المبادرة إلى إطلاق دعوات الإصلاح قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، وتأخرت إلى ما بعد ذلك؟".
ويقول: "يشير سياسيون إلى أنّ المعادلة الراهنة ارتبطت بالمرحلة السابقة، بسياسات إدارة ترامب التي شجعت الاتجاهات المحافظة، وبقايا إرث الربيع العربي وما خلقه من فجوة عميقة من الثقة بين النظام والقوى السياسية، بخاصة الإسلاميين، ما انعكس على تركيبة الحكومة ومجلسي الأعيان والنواب والتوجه العام للسياسات الرسمية التي دفعت بالأردن نحو تصنيفه كدولة سلطوية، وتراجع ترتيبه على قائمة بيت الديمقراطية العالمي".
محددات المسار الديمقراطي وقيوده
وتناول أبو رمان في ورقته البحثية غير المنشورة، محددات رئيسية ومهمة للمسار الديمقراطي والإصلاح السياسي عموماً.
وأوضح أن من هذه المحددات: الموقع الجيواستراتيجي؛ وهو ما يخلق للأردن حساسية شديدة تجاه الظروف المحيطة، دوليا وإقليميا، فالأردن يتوسط دولا عربية محورية (سوريا والعراق والسعودية ومصر)، ومجاور (ومتداخل كما حدث في وحدة الضفتين 1950) مع القضية الفلسطينية، ما ثقّل من الاعتبارات الأمنية في المعادلة السياسية الداخلية ومن تأثير العلاقات الخارجية على الداخل.
ولعل من المفارقات الطريفة، بحسب أبو رمان، أن أحد تعريفات السياسة الخارجية أنّها تمثّل فيض السياسة الداخلية (محصلة توجهات الحكومة والمعارضة والقوى المختلفة)، بينما في الحالة الأردنية تبدو السياسة الداخلية فيض السياسة الخارجية وانعكاساً للتطورات المحيطة.
أما المحدد الثاني، فهو العامل الديمغرافي وهو الاسم الحركي للعلاقة بين المكونين الأردني- الشرق أردني، والأردني- الفلسطيني، وهي إشكالية نجمت عن التداخل الكبير بين المجتمعين.
ويقول الباحث، إن "الاعتبار الديموغرافي يتغلغل في كثير من المفاصل السياسية والاقتصادية، وعنوانه لدى "الشرق أردنيين" حماية الهوية الوطنية للدولة، والخشية من "الوطن البديل"، وينعكس ذلك على قانون الانتخاب وعلى الجانب الاقتصادي والخصخصة والضرائب وعلى مفهوم المواطنة والحقوق السياسية وعلى التمثيل السياسي للأردنيين من أصل فلسطيني، وهكذا فإن أي تحولات أو تطورات في المسار الديمقراطي والإصلاح السياسي تأخذ بعين الاعتبار هذه المعادلة بصورة كبيرة، بخاصة مع بروز دعوات متبادلة بين نخب سياسية من الطرفين؛ الأولى تدعو لأخذ ما اعتبرته حقوقا منقوصة في المواطنة، والثانية تحذّر من أن الهوية الأردنية باتت مهددة!.
أما العامل الثالث فهو "الإسلاميون"، ممثلين بـ"جماعة الإخوان المسلمين" وحزبهم "جبهة العمل الإسلامي".
ويقول الباحث: "شكلت العلاقة مع الإخوان محددا رئيسا في السياسات الداخلية وفي تأطير المسار الديمقراطي لوجود قناعة لدى دائرة صنع القرار بارتباطات الإخوان الخارجية، بوصفهم جماعة عابرة للحدود، من خلال التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.. أو حركة حماس".
وتختم الورقة بأن "هنالك قناعة تتجاوز الدولة إلى النخب السياسية بوجود جديّة –هذه المرة- بدعوة الملك إلى فتح النقاش حول الإصلاح السياسي، ما يرتبط بتغيرات كبيرة في البيئتين الخارجية والداخلية، لكن حدود ومآلات تلك الدعوة ترتبط بعوامل ومتغيرات أخرى؛ منها إدارة نقاش وطني ذكي والوصول إلى توافقات وتفاهمات بين القوى المختلفة في الشارع، ليست التقليدية فقط، بل الجديدة المتمثلة بالشباب والمجتمع المدني".
طالع كامل الورقة البحثية التي تنفرد "عربي21" بنشرها
ما هي أسباب ودلالات التوتر الأخير بين الأردن والاحتلال؟
لماذا لم يغير نتنياهو مسار طائرته لتفادي الخلاف مع الأردن؟
انتقادات للتعديل الوزاري بالأردن.. وناشطون: "تبديل كراسي"