مع تصعيد الحكومة البريطانية لهجتها في مهاجمة الاحتجاجات على خلفية عرض مدرس بمدرسة بريطانية رسما كاريكاتيريا للنبي محمد، صدرت اتهامات بـ"اختطاف" القضية من قبل متطرفين "على الجانبين".
وقالت البارونة سعيدة وارسي، الرئيسة السابقة لحزب المحافظين، إن النقاش حول القضية تم اختطافه من "المتطرفين على الجانبين" لتغذية "حرب ثقافية" على حساب الأطفال وتعليمهم".
وقالت لـ"راديو 4" التابع لـ بي بي سي إنها تحدثت لتلاميذ وأهاليهم خلال اليوم الماضي، موضحة أن "العديد من التلاميذ تُركوا قلقين بسبب ما حدث".
وأكدت أن المسألة تتعلق بـ"حماية الأطفال والتأكد من أن المدرسة تنظر مرة أخرى، وككل مدرسة، لضمان أن كل تلميذ في مدرسته يتلقى تعليمه بالطريقة التي تخلق بيئة تعليمية إيجابية وموحدة".
وفي المقابل، وصف وزير المجتمعات البريطاني روبرت جينريك الاحتجاجات أمام المدرسة بأنها "مزعجة للغاية"، معتبرا أنه يجب أن يكون المدرسون قادرين على أن "يعرضوا صورا بشكل مناسب للنبي" خلال الدرس.
وقال مدير المدرسة جاري كيبل: "المدرسة تعتذر دون تحفظ بسبب استخدام صورة غير مناسبة مطلقا خلال درس للأديان مؤخرا. لم يكن ينبغي استخدامها".
وأوقفت المدرسة المدرس عن العمل بانتظار انتهاء التحقيق في الحادثة، لكن المحتجين يطالبون بطرده نهائيا. وأطلقت عريضة وقع عليها أكثر من 10 آلاف حتى الآن تحمل هذا المطلب.
من جهته، وصف رئيس مؤسسة قرطبة لحوار الحضارات، أنس التكريتي، ردة فعل إدارة المدرسة بأنها "كانت جيدة وربما كانت تكفي وتنهي الموضوع.. علقت عمل الأستاذ المعني وأصدرت رسالة اعتذار.. باعتقادي كان يكفي، مع تواصل المجتمع المسلم مع إدارة المدرسة لتفتح بناء على ذلك نقاشات لكي لا يتكرر هذا الموضوع بهذه الصيغة أو بصيغ أخرى".
وأضاف لـ"عربي21": "لكن الذي حصل أن هذه الحادثة أثارت حفيظة شريحة كبيرة من المسلمين، وهي قضية تمس رمزا مقدسا لدى المسلمين، لذلك فإن البعض لم يكتف بما فعلته المدرسة، وإنما خرحوا للتظاهر".
وأشار إلى أن المتظاهرين "كانوا بضعة عشرات ولم يكونوا بالمئات ولا بالآلاف، ولم يذكر أحد أنه تم توجيه تهديدات أو الإساءة أو الاعتداء على أحد، ولكن في مدينة صغيرة مثل باتلي، ونظرا لأن حالة مشابهة انتهت بقطع رأس المدرس، وبحوادث عنف واسعة في فرنسا، فلا شك أنه أصاب المدرسة وأصاب المدرسين والمجتمع المحلي الذعر".
وقال التكريتي: "لست مع البارونة وارسي بأن التطرف من الجانبين، برأيي أن هناك حالة مجتمعية تنبغي محاولة فهمها. مثلا هل كان المدرس ينتمي لليمين المتطرف؟ وإذا كان كذلك، فالمشكلة ليست في أنه أظهر صورة مسيئة للرسول وإنما الإشكالية أنه يقوم على تدريس طلبة، حتى وإن لم يسئ.. هذه مشكلة في الحقيقة.. ففي بريطانيا من يريد التعامل مع الأطفال عليه أن يحصل على شهادة تجدد سنويا للأهلية للتعامل مع الأطفال.. فإذا كان يمينيا متطرفا مثلا فيفترض أن يحصل على هذه الشهادة أصلا".
وأوضح أن "هذه قضية إشكالية.. وإذا لم يكن متطرفا، فهل فعل ذلك من باب السذاجة وبطريقة عفوية بلهاء؛ فينبغي أن يتم توجيه هذا المدرس وغيره من المدرسين. وفي المقابل لا يصح وصف الآباء والأمهات الذين وقفوا احتجاجا كمتطرفين. ردة الفعل على هذا العمل يجب أخذها في حدود رد الفعل الطبيعية ما لم تصدر تهديدات أو إساءة، فهذه وهذه مدانة ولأي سبب كانت".
وأكد أن "الذي فعله المدرس، رغم أنه لم يتبين بعد الدافع لاستخدام واحدة من الرسوم كوسيلة للإيضاح أو ما شابه، إلا أن هذا فعل مدان، وخاصة في مدرسة 70 في المئة من طلبتها مسلمون، وفي مدينة يشكل المجتمع المسلم شريحة واسعة ربما تزيد على الـ40 أو الـ45 في المئة".
واعتبر أن من "سهولة إلقاء المسؤولية على المتطرفين، يمينا أو يسارا أو الأطراف الإسلامية، أو المجتمع العام، لا تخدمنا ولا تخدم السلم الأهلي في المجتمع وهو الذي نسعى إليه جميعا. فهذه إشكالية يجب أن تدرس وأن يتم التعامل معها بشكل أكثر عمقا وأكثر اتزانا".
وحذر التكريتي في حديثه لـ"عربي21" من أن "هذه القضية سنجد لها نماذج تتكرر بين الحين والآخر، ومن ظن أنها ستبقى حبيسة فرنسا أو بعض الدول المجاورة كبلجيكا أو ألمانيا فهو مخطئ. الواقع أن هناك حالة من الارتداد عن المعايير التي سادت في خلال فترة الألفين، وهي ما يمكن أن نسميها أتيكيت التعامل مع الآخر، والتي ربما بالغت في الحساسية في المسائل التي تستفز الآخر".
وأضاف: "قضية الإسلام والمسلمين في أوروبا إحدى القضايا التي تم الارتداد عليها من قبل البعض. ليس الغالب الأعم، ولكن القلة هي التي تقوم بفعل معين، بحيث تعبر ربما عما يجول في نفوس أو أذهان الكثير من الناس".
وحول تعامل الحكومة مع هذه القضية، قال التكريتي: "المشكلة أننا نطلب من الحكومة أن تتعامل مع مثل هذه المسائل بشيء من العقلانية، في حين أن قضايا أكثر خطورة وأكثر أهمية وأكثر أولوية في حياة الناس فشلت الحكومة في التعامل معها. ليس لدي أمل كبير في أن تتعامل مع المسألة بشكل معقول".
وأضاف: "أولا الحادثة حدثت داخل المدرسة فينبغي أن تتعامل معها المدرسة وأن لا تصبح قضية سياسية. بمجرد أنها خرجت، وأنا باعتقادي أن الوقفة التي وقفها الآباء والأمهات هي رد فعل طبيعي، فإن البعض اقتنصها فرصة من أجل إثارة الحفيظة وإشعار المجتمع والبلد كله بالخوف مما قد يأتي. ولذلك فإن كل الأخبار أوردت في نهايتها ما الذي حصل في فرنسا، وكأن هذا الذي سيحصل بشكل طبيعي وأن هذا الذي يهدد به الآباء والأمهات".
وقال: "هذه إشكالية، ولكن بما أن الأمر خرج عن إطار المدرسة والمجتمع المحلي، فقد تدخلت فيه الحكومة. وأنا لا أثق في توجه الحكومة، لا سيما أن الحكومة لم تأخذ على يد اليمين المتطرف على مدى سنوات، وكثير من أعضاء حزب المحافظين الحاكم كانوا على صلة باليمين المتطرف، ولم يتم فعل شيء حيالهم. وبعض التصريحات صدرت من أعضاء الحزب، إما في البرلمان أو البلديات أو غير ذلك ولم يتم اتخاذ أي إجراء بحقهم".
وحذر من أنه "بما أن الحكومة قد تدخلت، فإن هذا يعني مباشرة تدخل الأمن، لتخرج القضية عن طور المعقول"، وفق تقديره.
وأشار التكريتي إلى أنه على ما يبدو أن الصورة هي واحدة من تلك التي نشرت في مجلة شارلي إيبدو، وهي تصور رجلا مسلما يرتدي عمامة فيها قنبلة، "وهي صورة سخيفة".
وقال: "أستغرب من يصدق أكذوبة أن هذه إساءة للرسول صلى الله عليه وسلم. أتمنى من المسلمين أنفسهم أن ينظروا إلى هذه الأفعال كما ينظرون إلى الطفل الذي يرتكب خطأ، أي بطريقة الإشفاق وطريقة الاستصغار وعدم تكبيره وعدم إعطائه قيمة".
ولفت إلى أن "صحيفة شارلي إيبدو كانت على شفا الموات فتم إحياؤها وتمجيد عملها بسبب فعلة رعناء مجرمة قام بها البعض، بينما شارلي إيبدو كانت مجلة محتقرة حتى في الوسط الفرنسي، والذي يقتنيها يخفيها حتى لا يراها أحد، لكن للأسف الشديد بفعل جريمة شنيعة تمت إعادة تفعيل هذه المؤسسة وجرت مظاهرات حول العالم باسم شارلي إيبدو، وصارت المجلة هي تعبير عن الحرية".
ورأى أن "هذا من الأمور المضحكة، لكن هذا ما نجنيه عندما نقوم بردات فعل مبنية على عاطفة، بينما في الواقع هذه الرسومات لا تمت بصلة للرسول صلى الله عليه وسلم، ولا تمت بصلة للمسلمين".
وقال: "أعلم أن هذا الكلام يثير حفيظة الكثير من المسلمين، ولكن ينبغي أن يقال: وماذا بعد؟ كلما رفع أحد صورة نخرج في معركة؟ هذا لا يبنغي أن يكون.. عمل سخيف وصور قبيحة ولا تمت للرسول صلى الله عليه وسلم بصلة ولا للإسلام ولا والمسلمين وحقيقتهم بصلة".
وتابع: "كنت أتمنى من المسلمين أن يبلغوا درجة من النضج بحيث يزدرون ويسخّفون مثل هذه الأعمال حتى لا تكون ذات قيمة".
وقال شازاد أمين، نائب رئيس مؤسسة "ميند" التي تساعد المسلمين على الانخراط مع الإعلام البريطاني، إنه لا يرى مشكلة في مناقشة التجديف في المدرسة، لكن الصورة التي تم عرضها "مسيئة جدا" و"تعزز الصور النمطية والتصورات المعادية للإسلام".
وبينما عبّر عن تفهمه لاحتجاج الأهالي، فإنه دعاهم إلى إعطاء الفرصة للمدرسة للتحقيق في الحادثة بشكل مناسب، مؤكدا أن الأهالي استقبلوا بإيجابية الإجراءات التي اتخذتها المدرسة حتى الآن.
اقرأ أيضا: احتجاجات بعد عرض كاريكاتير للنبي محمد بمدرسة بريطانية