ما ترتكبه قوات الاحتلال الإسرائيلي هذه الأيام في المسجد الأقصى، ليس حدثا طارئا، بل هو سياسة ممنهجة قام عليها الاحتلال من يوم قيامه، وحول حياة الفلسطينيين إلى معاناة مستمرة، حتى غدت هذه الجرائم إلى جزء أساسي من مكونات هوية الشعب الفلسطيني، في مواجهة الاحتلال ورفض التسليم له بالهيمنة على الأرض والمقدسات.
وقد بقيت مذبحة قرية أبوشوشة شرقي مدينة الرملة بفلسطين المحتلة عام 1948، مجهولة طيلة العقود الماضية، وكشف عنها النقاب لأول مرة عام 1995 حين أصدر مركز الأبحاث في جامعة بيرزيت التي تقع شمالي مدينة القدس، كتابا ضمن مشروع المركز الخاص بالقرى العربية التي دمرت عام 1948، وتناول الكتاب ما جرى في قرية أبوشوشة بعد أن جمع مادته من شهود عيان بقوا على قيد الحياة بعد المجزرة ليروي ما حدث للباحثين نصر يعقوب وفاهوم الشلبي.
وقعت مذبحة أبوشوشة عشية موعد انتهاء الانتداب البريطاني يوم 14 أيار/ مايو عام 1948، بينما كان قادة الحركة الصهاينة يعدون عدتهم الأخيرة لقيام الدولة العبرية على حساب الشعب الفلسطيني.
أدرك سكان القرية أن القوات الصهيونية من لواء جفعاتي الذي أصبح أحد أعمدة جيش الاحتلال الإسرائيلي فيما بعد، اقتربت من القرية للانقضاض عليها. واجتمع رجال القرية واستبعدوا فكرة النزوح عنها كما أنهم رفضوا اقتراحا بترحيل النساء والأطفال والعجائز، وقرروا أن يبقى الجميع للدفاع عن قريتهم على أن تختبئ النساء والأطفال في مغارات في نطاق القرية حتى يكونوا بعيدين عن مخاطر القصف.
بقايا البيوت في قرية أبو شوشة
لم يجد أهالي قرية أبوشوشة أمامهم أي خيار سوى الصمود والقتال لوقف الهجمة الصهيونية على القرية، رغم أن كل ما كان لديهم من سلاح لا يتجاوز الـ70 بندقية منها 20 قديمة لا تصلح، بالإضافة إلى رشاش برن قديم وبضعة ألغام، وتوزع المقاتلون حول القرية.
ابتدأ الهجوم الصهيوني، بقصف بمدافع الهاون طال منازل القرية وأزقتها تمهيدا لتقدم القوات الصهيونية، وشرعت هذه القوات بالتقدم بعد توقف القصف، واستشهد عدد من المدافعين في خنادقهم أو خلف استحكاماتهم نتيجة المقاومة، غير أن الاختلال في موازين القوى أدى إلى انهيار خطوط الدفاع لمقاتلي القرية. وبدأت عملية قتل عشوائي لعدد من الشيوخ في أزقة القرية كما قتل الرجال بالبلطات وبعضهم بالرصاص.
وبينما كان جنود الاحتلال يداهمون بيوت القرية عثروا على بعض الشبان وألقوا القبض عليهم وأمروهم بالاصطفاف ووجوههم إلى أحد الجدران حيث رشوهم بالرصاص وقتلوهم جميعا.
وحرجت النساء والأطفال لدفن الشهداء بدون صلاة في المكان الذي سقطوا فيه لكثرتهم، وفي كثير من الأحيان حثي التراب على الجثث لعدم القدرة على حفر قبور لهذه الأعداد الكبيرة، وفي أحيان استخدمت الخنادق والمغر كمقابر جماعية.
وبعد اكتمال مجزرة أبوشوشة كان مجلس قادة الصهاينة يصادق في تل أبيب على وثيقة إعلان قيام "دولة إسرائيل" على أرض فلسطين، وكانت الوثيقة تعد سكان الدولة العرب والتي كان أهل أبوشوشة ضمن حدودها بـ"المواطنة التامة القائمة على المساواة والتمثيل المناسب في جميع مؤسسات الدولة".
وفي النهاية محيت القرية من الوجود وتحولت أرضها إلى حدائق تابعة لمستوطنة زراعية باسم "كرمي يوسف" وأقيمت في تخوم القرية أربع مستوطنات أخرى.
مشهد لقرية أبو شوشة وتظهر مستوطنة أقيمت على
أراضيها
ووثّق الباحثان شلبي ويعقوب أسماء الشهداء وأعمارهم وموقع القتل وأحيانا موقع الدفن. ورصدت أسماء ستين شهيدا في مجزرة لم يسجل عنها التاريخ قبل ذلك كلمة واحدة.
د. صالح عبد الجواد، أحد المشرفين على الدراسة، وصفها بـ"المهمة لأنها كشفت عن مجزرة وقعت يوم إعلان قيام دولة إسرائيل ولم تكن مسجلة في التاريخ قبل الآن".
المراجع
ـ معن منيف سليمان، أبو شوشة.. مجزرة ماثلة في الذاكرة العربية، صحيفة البعث السورية، 2020.
ـ "قرية أبوشوشة.. سلسلة القرى الفلسطينية المدمرة".
ـ نواف الزرو، من دير ياسين إلى مخيم جنين، 2002.
ـ علي سعادة، الهولوكوست الفلسطيني: تاريخ العنف ضد الفلسطينيين، 2000.
ـ عبد الحميد الهمشري، أيار شاهد على أبشع المجازر الصهيونية بحق الفلسطينيين، صحيفة الدستور الأردنية، 2017.
70 أسيرا فلسطينيا أعدموا في مجزرة "عين الزيتون"
صناعة الطباعة وظهور المكتبات عريقة بفلسطين قبل نكبة 48
حيفا.. مدينة التوت والأرجوان تقاوم على جبل الكرمل