مع تزايد الحديث عن سعي عربي لعودة
سوريا إلى حضن جامعة الدول
العربية؛ تثار تساؤلات في الأردن حول موقف عمّان من هذا الملف، وما إذا كان لديها
شروط حول "العودة" السورية، وهل ثمة ضغوطات وعوائق تقيدها عن الانفتاح على
جارتها التي ترتبط معها بحدود طولها 375 كيلومترا.
وبعد اجتماع طارئ عُقد في العاصمة المصرية القاهرة في تشرين
الثاني/ نوفمبر 2011، علّق وزراء الخارجية العرب عضوية النظام السوري في جامعة الدول
العربية، بعد أشهر من اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا، التي طالبت برحيل بشار الأسد.
ومنذ أكثر من عامين وهناك حراك يطالب بعودة النظام السوري
إلى
الجامعة العربية، ليرتفع عدد الدول الداعية لذلك إلى ستة؛ هي الإمارات ومصر وسلطنة
عمان والجزائر والعراق ولبنان، بينما تمتنع الأردن عن الإعلان عن موقف واضح إزاء هذه
المسألة.
وتجدد الحديث عن عودة سوريا إلى الجامعة العربية؛ إثر تقارير
إعلامية عن عقد لقاءات سرية مؤخرا بين مسؤولين سعوديين وسوريين تمهيدا لإعادة العلاقات
الدبلوماسية بين البلدين، وذلك بعد الكشف عن محادثات سعودية إيرانية في بغداد، وتصريح
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأن بلاده ترغب في إنشاء علاقات مميزة مع إيران.
"لا توافق عربياً على العودة"
وعلّل وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، امتناع
الأردن عن إعلان موقفه حول عودة دمشق للجامعة العربية، بأن "هذه العودة تحتاج
إلى توافق عربي كامل، وهذا لم يتوفر حتى هذه اللحظة".
وأضاف لـ"عربي21" أن عودة بعض العلاقات العربية
مع دمشق، أو إجراء تواصل أمني وسياسي بين هذه الدول وبين سوريا "لم يصل إلى مستوى
عمل تلك الدول على عودة سوريا إلى الجامعة العربية"، مؤكدا أن "عودة سوريا
إلى الحضن العربي ليست مطروحة عربيا حتى الآن".
وبين المعايطة أن الأردن "لم يقطع علاقته الدبلوماسية
مع النظام السوري منذ بداية الحرب وحتى الآن، وبقيت السفارة السورية في عمان تعمل وما
زالت، ولم يتم الإعلان عن إغلاق السفارة الأردنية في دمشق، لكن عملها تأثر بالأوضاع
الأمنية في دمشق".
وأوضح أن الأردن "يريد سوريا دولة متماسكة موحدة، ليس
فيها مليشيات إرهابية أو طائفية تهدد أمنه ومصالحه"، مشيرا إلى أنه "منذ
عام 2011 والأردن يدعو لحل سياسي للأزمة السورية، وما زال على موقفه".
وأضاف المعايطة أنه "كلما ذهبت سوريا للاستقرار السياسي؛ ذهبت العلاقة بينها وبين الأردن للأفضل"، لافتا إلى أن "الأردن قام
بفتح الحدود البرية مع سوريا قبل أن تجبره ظروف كورونا على إغلاقها، ليعود إلى فتحها
مؤخرا".
وتابع: "العلاقات السورية الأردنية مهمة جدا للطرفين،
فلكلا الطرفين مصالح كبيرة في هذه العلاقات".
وقال المعايطة إن "الأردن قدّم خطوات إيجابية في علاقته
مع سوريا، لكن الأردن كما كان دائما ينظر من منظار مصلحته، فهو متضرر من وجود مليشيات
التطرف، وفي الوقت ذاته لا يقبل مليشيات طائفيه قرب حدوده الشمالية".
وحول مستقبل العلاقات بين البلدين؛ رأى الوزير الأسبق أن
"تحسين العلاقات ممكن جدا بخطوات من كلا الجانبين، مذكّرا بأن "الأردن لم
يسلم السفارة السورية للمعارضة كما فعلت دول أخرى، ولم تكن الساحة الأردنية ساحة عمل
للمعارضة".
"ضغوط أمريكية"
وبينما قلّل المعايطة من أهمية الضغوط الأمريكية على الأردن
لاتخاذ الأخير موقفا متشددا من النظام السوري؛ أكد المحلل السياسي حازم عياد أن واشنطن
كبحت جماح السعي لإعادة سوريا إلى حضن الجامعة العربية، ووضعت عوائق أمام الأردن وغيره
من الدول؛ حالت دون إرسال سفرائها لدمشق والانفتاح على نظام بشار الأسد.
وقال عياد لـ"عربي21" إن طرح واشنطن لقانون "قيصر"
في أواخر عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والذي فرض مزيدا من العقوبات على
النظام السوري؛ ساهم بشكل كبير في الحيلولة دون عودة العلاقات الأردنية السورية.
وأشار إلى أن السفير الأمريكي في الأردن سبق وأن اجتمع برؤساء
الغرف التجارية في البلاد، وحذرهم من الانفتاح الواسع على النظام السوري، ومن أن ذلك
سيكون له عواقب سيئة، وخاصة في حال تم فرض المزيد من العقوبات على سوريا.
ورأى عياد أن الأردن ليست لديه موانع قوية ضد الانفتاح على
سوريا، أو عودتها للجامعة العربية، ولكنه في مقابل ذلك يريد تعاونا من قبل الحكومة
السورية في ما يتعلق بفتح المعابر والتبادل التجاري، والسماح بالوصول إلى الأسواق اللبنانية،
وتنظيم انتقال البضائع الأردنية إلى تركيا.
واستدرك بالقول إن الأردن يراقب مشهد تطور العلاقات السعودية
السورية، ولكنه لم يحدد موقفه إزاءه بشكل صريح بعد؛ بانتظار وجود مباركة أمريكية يتبعها
تخفيف من قيود واشنطن من الانفتاح على سوريا، وخصوصا في ما يتعلق بالجانب التجاري.
وأكد عياد أن "الأمر مرتبط بشكل أساسي بالنسبة للأردن
بالموقف الأمريكي، بمعنى أنه إذا كانت الإدارة الأمريكية الحالية مستعدة لتقبل عودة
سوريا إلى الجامعة العربية، وفتح الحدود بشكل أكبر مع الأردن، فأعتقد أن هذا الأخير
سيمضي بعيدا في العلاقة مع النظام السوري".
وعلل الموقف الأردني بالعلاقات التجارية القوية التي تربطه
بالولايات المتحدة، وبتلقيه المزيد من المساعدات الأمريكية، "فضلا عن توقيعه مؤخرا
معاهدة استراتيجية للتعاون العسكري مع واشنطن، وبالتالي فعمّان معنية بشكل كبير بربط
قرارها تجاه النظام السوري بتوجهات السياسة الأمريكية العامة".
وقال عياد إن انفتاح السعودية ودول الخليج العربي على النظام
السوري، وإعادة سوريا إلى الجامعة العربية؛ سيساعد الأردن على اتخاذ قرار بالانفتاح
على سوريا، "لكن تبقى العقوبات الأمريكية تشكل قيدا مهما على ذلك".
ووفق بيانات سابقة لوزارة الصناعة والتجارة الأردنية؛ فقد هبطت قيمة صادرات البلاد إلى سوريا إلى 13.9 مليون دولار في 2016،
بعد أن سجلت 255.5 مليون دولار في 2011، ووصلت الواردات الأردنية من سوريا إلى
19.5 مليون دولار في 2016، مقارنة بـ376 مليون دولار في 2011.
وفي أواخر كانون الثاني/ يناير 2019، أعلن الأردن رفع مستوى
تمثيله الدبلوماسي في سوريا إلى درجة قائم بالأعمال بالإنابة، قبل أن يقتصر على موظفين
إداريين فقط.
واختار الأردن منذ بداية الأزمة في جارته الشمالية الحياد
في مواقفه "المعلنة" إزاء ما يجري، مطالبا في كل المحافل الدولية بحل سياسي
يضمن أمن سوريا واستقرارها، إلا أن نظام بشار الأسد تمسك بـ"نغمة التشكيك" الدائم
والاتهامات المستمرة لعمان، بدعمها لـ"العصابات الإرهابية" بسوريا، وهو ما
ينفيه الأردن.