المسكين لا يعرف بأن الرؤساء الديمقراطيين في الأنظمة الديمقراطية لا يقولون ما يقوله.. ولا يتحدثون بمثل لهجته.. ولا يتكلمون بمثل شراسته وتشنجه.. ولا يقومون بحركاته العدوانية ولا بإشارات يديه المتوعدة.. ولا يضربون على الطاولة..!!
وحدهم الحكام الديكتاتوريون في الأنظمة الاستبدادية يفعلون مثل ما يفعل.. ويتكلمون بمثل لهجته وعدوانيته وشراسته.. ويطلقون مثله الوعيد والتهديد الفج..!!
حتى زين العابدين بن علي الديكتاتور صاحب الخبرة والباع والذراع في الديكتاتورية.. كان يمارس الاستبداد دون أن ينطق به.. فلم يكن يهدد خصومه السياسيين ولا كان يتوعد الشعب بنفسه وبلسانه أمام كاميرات التلفزات.. وعندما جاهر مرة بفعل ذلك بعد انطلاق ثورة 17 ديسمبر 2010.. وتحدث عن الجماعات والمؤامرات والمخططات.. وتوعد المحتجين ضده بالويل والثبور.. وبأنه سيحاسبهم بكل حزم.. أسقطه الشعب خلال أقل من ثلاثة أسابيع.. بعد 23 سنة من الحكم مارس من خلالها ديكتاتوريته بقبضة مخمليّة.. حريصا على أن يُظهر عكس ما يخفي.. فلما أخطأ وكشر عن أنيابه علنا.. كان ذلك خطأه القاتل.. فلقد جاهر لأول مرة بإعلان الحرب على جزء من الشعب.. فأعلن جزء من الشعب بدوره الحرب عليه.. ولم تكن المواجهة المفتوحة لصالح الرئيس الديكتاتور كما يعرف الجميع..
قيس سعيد يعتقد أنه المهدي المنتظر المرسل إلى تونس.. وأنه المسؤول بمفرده عن إنقاذ البلاد والعباد.. وقد تناسى أنه هو نفسه جزء من المشكل السياسي اليوم في الدولة.. وأنه بدوره وكبقية القيادات السياسية ورؤوس السلطة يعد أحد أسباب تعثرها وجمودها وفشلها.. وأنه يفتقر تماما للخبرة وللكفاءة وللحنكة السياسية اللازمة لمن هو في مثل منصبه..
كما يظهره ويثبته أداؤه المخجل في رئاسة الجمهورية منذ دخل قصر قرطاج في نوفمبر 2019.. سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي..
رئيس الجمهورية قيس سعيد ترك كل مشاكل ومصائب تونس والتجاوزات الحاصلة فيها في كل المجالات والقطاعات وعلى كل المستويات.. ترك أزمة كورونا والموت الذي يحاصر البلاد والأزمة الاقتصادية وشبح الإفلاس والاضطرابات الاجتماعية الحادة وغلاء المعيشة وتغول البوليس ووقف الإنتاج في عديد المجالات الحيوية ومنها أساسا الطاقة والإضرابات العشوائية المستمرة المفتوحة في قطاعات استراتيجية وعمل الحكومة بنصف وزرائها منذ أشهر وحالة الجمود السياسي وتعطل إتمام الهيكلة الدستورية للدولة والتجاذبات الخارجية الإقليمية والدولية..
ولم يعد مهموما إلا بمشكل رفع الحصانة عن بعض النواب بمجلس نواب الشعب.. فقط لكونهم يعارضونه وينقدونه بحرية وجرأة وشراسة تعادل شراسته بدوره.. حتى وإن حاول إخفاء ذلك بالحديث عن حرصه على تتبع الفاسدين..
لكن الرئيس ناقض نفسه بنفسه.. فبعد أن تحدث سابقا بلسانه عن 25 نائبا مطلوبا رفع الحصانة عنهم.. عاد اليوم ليقول بلسانه أيضا بأن عددهم 15 نائبا فقط..!!
والرئيس الديمقراطي جدا أصبح مهووسا بتتبع من ينقده ويهاجمه على مواقع التواصل الاجتماعي.. ويعبر عن ذلك صراحة وعلنا دون خجل..!!
بل ويدعو النيابة العمومية للتفرغ لجلب من ينقد ويهاجم رئيس الجمهورية أمام المحاكم وإحالتهم على القضاء إرضاء لفخامته.. بعد أن سخر سابقا المحكمة العسكرية لتلك المهمة رغم عدم اختصاصها في الموضوع قانونا لكونهم مدنيين وهو مدني..
وهي سابقة لم يقم بها لا رئيس الجمهورية الأسبق الباجي قايد السبسي رغم أنه سليل الأنظمة الديكتاتورية.. ولا محمّد المنصف المرزوقي.. رغم كل النقد والهجومات التي طالتهما.. ومنها الكثير مما هو غير أخلاقي ولا صحيح..!!
لكن أستاذ القانون الدستوري أصبح على ما يظهر أكثر استبدادا منهما.. فقط لأنه حساس تجاه الرأي المخالف.. تماما ككل الحكام المستبدين..!!
في كل مرة يهدد الرئيس قيس سعيد ويتوعد.. ويلوح بالدستور.. وبما في الدستور من "صواريخ وأسلحة" يمكنه أن يقصف بها أعداءه وخصومه السياسيين ومنافسيه ومعارضيه.. والمسكين يجهل أيضا أن من يملك السلطة فعلا.. يفعل ولا يهدد..!!!
غير أن الثابت أنه إن تجرأ رئيس الجمهورية قيس سعيد على فعل ما لا يجب فعله.. فسيفاجأ على الأرجح برد لم يكن يتوقعه ليوقفه على حدود صلاحياته وسلطاته الدستورية الحقيقية.. بعيدا عن تأويلاته الفرديّة المطاطيّة والبهلوانية للدستور خارج سياق الدستور..!!
لم تعد البلاد منذ 14 جانفي 2011 على "قرن" سي السيّد وحده لا شريك له..!!
ذلك زمان وفات..
وواهم من يتخيل أنه يمكنه اليوم أن يفعل كل ما يريد دون حسيب ولا رقيب.. ودون أن تقول له بعض القوى في البلاد: "نأسف.. لكن ذلك ليس من سلطاتك"..!!!
نقلا عن الصفحة الشخصية على "فيسبوك"
هل يعكس عزل قيس سعيّد لسفير تونس بواشنطن مشاكل مع الولايات المتحدة؟