نشر موقع "ميدل إيست آي"، تقريرا أشار إلى النضال الفلسطيني في مواجهة المخطط الإسرائيلي الاستيطاني للقضاء على الهوية الفلسطينية لقرية لفتا المقدسية.
وأشار الموقع في تقرير ترجمته "عربي21"، إلى أن سكان القرية قد أجبروا على النزوح أثناء النكبة، واليوم يستمر النضال للحفاظ على ما تبقى من لفتا وحمايتها من الهدم الإسرائيلي.
وفي عام 2017 أعلن الاحتلال الإسرائيلي أن المنطقة "محمية طبيعية"، لكن ما يسمى سلطة الأراضي الإسرائيلية أعلنت مؤخرا عن نيتها تنظيم مزاد علني لتتقدم الشركات الخاصة بعروضها لإنشاء مستوطنة جديدة على أراضي لفتا.
ويعد المشروع خطة لبناء 250 وحدة سكنية استيطانية وفنادق ومراكز تجارية، ولكن المطلوب هو هدم ما بقي من معالم القرية ومنازلها، ومسح آثار الهوية والتاريخ الفلسطيني فيها.
وفي ما يأتي الترجمة الكاملة للتقرير:
تتناثر على سفوح التلال المجاورة للقدس مجموعات من البيوت التي نمت حول جدرانها ذات اللبنات الرملية الأشجار والأعشاب. بينما يستمر أصحابها السابقون وذراريهم في العيش في الجوار إلا أن هذه المباني ظلت غير مسكونة لعقود – وهي الآن مهددة بالاختفاء تماماً.
قرية لفتا، التي تقع في شمال غربي القدس، هي ضحية سياسات توسعية ما لبثت تنتهج منذ النكبة التي حلت بالفلسطينيين مع قيام دولة إسرائيل في عام 1948.
على الرغم من أن المنطقة أعلنت من قبل إسرائيل في عام 2017 محمية طبيعية، إلا أن سلطة الأراضي الإسرائيلية أعلنت في التاسع من مايو/ أيار عن نيتها تنظيم مزاد علني مفتوح في يوليو/ تموز لكي تتقدم الشركات الخاصة بعروضها لإنشاء مستوطنة جديدة على أراضي لفتا. وتجري الدعاية للمشروع باعتباره خطة لبناء 250 وحدة سكنية وفنادق ومراكز تجارية، كلها بإطلالات جميلة على سفوح التلال على بعد ما لا يزيد على العشرة كيلومترات من القدس.
إلا أن هذا المشروع الحديث يتطلب هدم ما بقي في لفتا من منازل ومعالم، ويسعى فعلياً إلى مسح كل آثار الهوية والتاريخ الفلسطيني في هذا الموقع الذي صنفه صندوق المعالم التراثية العالمية تراثاً مهدداً في عام 2018.
في تصريح لموقع "ميدل إيست آي" قال زكريا عودة، منسق الائتلاف المدني لحقوق الإنسان في القدس، إن المجتمع الدولي بحاجة إلى أن يتدخل ويضغط على الحكومة الإسرائيلية لإنهاء سياساتها التي تهدف إلى محو جميع آثار الفلسطينيين الذين أخرجوا قسراً من ديارهم منذ عام 1948.
وقال: "نطلب من اليونسكو التدخل ووضع حد لإبادة تراث وتاريخ هذه القرية".
تارة أخرى تسلط الخطة الإسرائيلية الأخيرة الضوء على تاريخ لفتا الطويل ونضال سكانها السابقين الذي باتوا الآن لاجئين أو نازحين داخلياً في سبيل الحفاظ على ذاكرتها مهما كان الثمن.
عقود من محاولات الطمس
كانت لفتا واحدة من بين أول 38 قرية في منطقة القدس يتم إخلاؤها من السكان قسرا في عام 1948، وهي قرية يعود تاريخها إلى الحقبة الكنعانية عندما كانت تعرف باسم نيفتواه. وتمتد القرية على مساحة تقدر بحوالي 8743 دونماً (ما يعادل 2160 هكتاراً)، وقع جزء منها تحت الاحتلال في عام 1948 وتم الاستيلاء على بقيتها من قبل إسرائيل في حرب عام 1967.
قبل النكبة كان يعيش في لفتا ما يقرب من ثلاثة آلاف نسمة موزعين على ستمائة منزل. وبحسب ما يقوله النازحون من لفتا فإنه لم يبق فيها حتى اليوم سوى 73 بيتاً – 56 منها كاملة تقريباً وسبعة عشر مهدمة.
ومن المعالم التي ما تزال قائمة مسجد عمره عدة قرون ومقبرة القرية، ونبع ماء ومدرسة ابتدائية شيدت في عام 1929، تؤوي اليوم طلبة من الإسرائيليين اليهود. وعبر السنين، أقيم فوق الأراضي الزراعية التي كانت تابعة لقرية لفتا عدد من الوحدات السكنية الإسرائيلية والمباني الحكومية – بما في ذلك الكنيست، أي البرلمان الإسرائيلي، وجزء من حرم الجامعة العبرية.
وقال زكريا عودة في تصريحه لموقع "ميدل إيست آي" إن المشروع الأخير لسلطة الأراضي الإسرائيلية ليس جديداً، مشيراً إلى أن الحكومة الإسرائيلية أقرت في عام 2006 خطة تعرف بالخطة رقم 6036 لإقامة مستوطنة تعرف باسم ماي نيفتواه على أراضي ليفتا. ويقال إن الخطط المبدئية للمشروع كانت قد وضعت في الفترة من منتصف إلى أواخر تسعينيات القرن الماضي عندما كان آرييل شارون وزيراً للبنية التحتية.
وفي عام 2009، عرضت سلطة الأراضي الإسرائيلية أراضي لفتا للبيع في المزاد العلني، في خطة تقضي بهدم جميع المباني القائمة في القرية فيما عدا خمسين.
إلا أن السكان السابقين وذراريهم من لفتا تقدموا عبر المحكمة باعتراض في عام 2011 عبروا فيه عن رفضهم للخطة.
وبحلول عام 2012، أصدرت محكمة الشؤون الإدارية في إسرائيل حكماً يقضي بإلغاء خطة المزاد العلني لبيع أراضي لفتا. والآن، ثمة محاولة أخرى من قبل سلطة الأراضي الإسرائيلية للمضي قدماً في خطة مشابهة.
قيم الذكريات
يعتبر يعقوب عودة، الذي ولد في لفتا في عام 1940، ويشغل حالياً منصب رئيس هيئة حماية التراث الثقافي للفتا، واحداً من أكثر المصادر اطلاعاً على تاريخ القرية.
من منزله في حي شعفاط المقدسي، تحدث يعقوب عودة في تصريح لموقع "ميدل إيست آي" عن ذكريات طفولته حينما كانت حينها قرية تنبض بالحياة والنشاط.
وقال: "عندما غادرت لفتا كنت في الصف الثاني الابتدائي. وما زلت أتذكر كيف كنت أقفز من صخرة إلى أخرى في طريقي من البيت إلى المدرسة. كما أنني أتذكر كيف كنت ألهو في الحي مع الأطفال الآخرين بالقرب من نبع المياه الرئيسي في داخل القرية".
وبعد أكثر من سبعين عاماً ما زال يعقوب يتذكر جيداً الظروف التي أفضت إلى الخروج رغماً عنه من لفتا، حيث اتخذت المليشيات الصهيونية في ذلك الوقت لنفسها موقعاً على المدخل الرئيسي الذي يربط لفتا بالقرى المجاورة وبالقدس – مما دفع الفلسطينيين للسعي لنقل النساء والأطفال خارج القرية إلى الكهوف المجاورة ومن هناك إلى حيث يجدون ملاذاً آمناً في القرى المجاورة.
وذات يوم في شهر مارس من عام 1948، يقول يعقوب إن والده حمل شقيقته الصغيرة على كتفيه وأمسك بيد شقيقها، وطلب من يعقوب وشقيقته الأخرى السير خلفه إلى أن وصلوا إلى الطريق الذي يربط القدس بيافا، حيث أطلقت عناصر المليشيات الصهيونية رصاصة لامست ثوب والده واستقرت بين قدميه.
ويضيف يعقوب: "كانت تنتظرنا عربة تقل أطفالاً من أربع عائلات. صعدنا إلى العربة وأصبحنا بذلك أطفال العائلة الخامسة على متنها. وخلال ساعة تحولنا من ملاك أرض في قريتنا إلي باحثين عن لجوء وملاذ ومساعدة في بيوت الآخرين. غادرنا بيوتنا ولم نأخذ معنا سوى ما تمكنا من حمله على ظهورنا من متاع، ظناً منا أننا سنعود في اليوم التالي. وها قد مضت ثلاث وسبعون سنة على ذلك اليوم".
يعتبر يعقوب واحداً من سكان لفتا السابقين المحظوظين إذ تمكن من العودة إلى القرية بفضل حمله لبطاقة هوية القدس الشرقية. بينما يعيش عدد من القرويين وأقاربهم في محيط لفتا، في أحياء مثل وادي الجوز والتل الفرنسي، يقيم آخرون في الضفة الغربية المحتلة – حيث يحظر عليهم دخول القدس – أو هاجروا إلى الخارج.
يقول يعقوب: "أحرص على زيارة القرية بشكل منتظم بصحبة النساء والأطفال والرجال والمسنين من سكان القرية، وذلك سعياً منا للحفاظ على روايتنا وحقوقنا هناك. ولا شيء يعادل الأيام التي نقوم فيها بزيارة قريتنا إلا يوم عودتنا الفعلية إليها".
وعندما سئل عن الخطة الأخيرة للبناء على أنقاض لفتا، أجاب يعقوب: "الذاكرة والتاريخ هما الحياة نفسها، ولن أسمح لأحد تحت الشمس بأن يأخذ مني ذكرياتي ولا تراثي وتراث أجدادي".
وأضاف: "تشهد قبور أجدادنا في القرية على وجودنا الفلسطيني التاريخي. ولذا فإننا نعتني بمقبرتنا وننظفها في كل مرة نزور فيها القرية".
ما أن يرد ذكر القرية حتى تنفجر فوزية عبيدي بالبكاء مباشرة، وهي التي ولدت في لفتا قبل 79 عاماً.
وقالت في تصريح لموقع "ميدل إيست آي" من منزلها في حي راس العمود في القدس الشرقية: "لفتا صديقة روحي ومسقط رأسي وأمي التي فاتها أن تحتضنني. لا أفوت أي فرصة لزيارة لفتا وأعود منها ببعض النباتات البرية لكي أغرسها في زهريات شرفتي – رغم أنها لا تحتفظ برائحتها الأصلية".
يتوجه ابنها البكر إبراهيم إلى لفتا خلال موسم الفواكه لكي يأتي أمه ببعض من تينها وخوخها ولوزها، رجاء أن يشفي طعم هذه الفواكه حنينها إلى الماضي.
وعلى الرغم من الخطط الإسرائيلية الأخيرة في لفتا إلا أن فوزية عبيدي تبقى على عهدها والتزامها مع القرية.
وتقول: "نرفض رفضاً قاطعاً أن تهدم بيوتنا ومواقعنا التراثية من أجل بناء وحدات استيطانية استعمارية. يتعامل الإسرائيليون مع القرية كما لو كانت أملاك غائبين، ولكننا نبقى متمسكين بها ونتحرق شوقاً للعودة إليها، ولا يغادرنا هذا الحنين إليها بتاتاً".
NYT: بعد الشيخ جراح حي سلوان ساحة معركة للتطهير العرقي
WP: رصيد حماس يرتفع.. ونزيف عباس بدأ قبل المعركة
فورين بوليسي: جيل الألفية الثانية يتبنى القضية الفلسطينية