"أكون أو لا أكون هذا هو السؤال "، عبارة كتبها الكاتب والشاعر الإنجليزي وليام شكسبير، وأجراها على لسان شخصية هاملت، في المسرحية الشهيرة التي حملت اسمه، ذات العبارة ردّدها قرابة مليون أسير فلسطيني، تم أسرهم منذ عام 1948، وحتى آخر إحصائية أصدرتها هيئة شؤون الأسرى والمحررين بتاريخ 17-4-2021 في ذكرى يوم الأسير الفلسطيني؛ فسياسة الاعتقال هي سياسة اتبعها الكيان الصهيوني، بهدف معاقبة الذات الفلسطينيّة، وتحويل مسار فكرها من ثوري إلى فكر مُسلِّم بالأمر الواقع.
اتبعت مصلحة السجون الصهيونيّة سلسلة من الإجراءات القمعية على مدار تاريخ الحركة الأسيرة، تعمّدت فيها وضع الأسرى في ظروف سيئة تفتقر لأدنى مقومات الحياة الإنسانية، وعملوا على تغييب واقع السجون عن العالم فلم يسمحوا لمراكز حقوق الإنسان بالدخول للسجون، ولم يسمحوا لكاميرا الإعلام بتوثيق حياة الأسرى في الزنازين وسماع رواياتهم ونشرها.
برع الإعلام الصهيوني بفن التقاط الصورة المتحركة لشاب فلسطيني وهو يفجر نفسه أو امرأة تهاجم جندياً بالسكين أو طفلا يرميه بالحجارة، ونشرها للعالم كإثبات على إرهاب الشعب الفلسطيني، مبرراً أسرهم بضرورة الحفاظ على أمن إسرائيل، ورددوا ذلك في المحافل الدولية ومجالس حقوق الإنسان العالمية، متذرعين بأنهم شعب مضطهد.
فلطالما تبنى الإعلام الصهيوني رواية أن الأسرى الفلسطينيين يعيشون في فنادق خمس نجوم، وأنَّ ما يتوفر لهم من حقوق وحياة كريمة يفوق سجون أية دولة أخرى، وعمّمت هذه الرواية على العالم مدّعية أن الأسرى أصحاب فكر إرهابي لا يفقهون إلا لغة القتل، وأن من حق الكيان الصهيوني الحفاظ على أمنه، عبر زج هؤلاء الإرهابيين _كما أسموهم _مدى الحياة داخل السجون وبعيداً عن الحياة الطبيعية.
برع الإعلام الصهيوني بفن التقاط الصورة المتحركة لشاب فلسطيني وهو يفجر نفسه أو امرأة تهاجم جندياً بالسكين أو طفلا يرميه بالحجارة، ونشرها للعالم كإثبات على إرهاب الشعب الفلسطيني، مبرراً أسرهم بضرورة الحفاظ على أمن إسرائيل، ورددوا ذلك في المحافل الدولية ومجالس حقوق الإنسان العالمية، متذرعين بأنهم شعب مضطهد.
بالمقابل استشعر الأسرى بأن قضيتهم بعيده كل البعد عن مجهر الاهتمام الإعلامي، الأمر الّذي مكّن مصلحة السجون من الاستفراد بهم، عبر سياسة التعذيب والحرمان من أبسط الحقوق التي نصّت عليها اتفاقيه جنيف الدولية الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في حالة الحرب المؤرّخة في 12-8-1949 .
ولأن الإنسان بطبيعته يتمرد على كل ظلم، وينتفض تلقائياً بوجه كل جائر رفضاً للإذلال وحفاظاً على كرامته، قرر الأسرى عبر تاريخهم الطويل في السجون أن يصرخوا ويتواصلوا مع الخارج، وأن يشكّلوا إعلاماً خاصاً بهم، يفرض وجوده على الساحة المحليّة والدوليّة، إيماناً منهم بقوة تأثير الإعلام لخدمة قضيتهم.
وأطلق البعض من المهتمين بالشأن الإعلامي للأسرى مصطلح " الصحافة الاعتقالية " على الأنشطة الإعلامية التي يُمارسها الأسرى داخل السجون، وهو المصطلح الذي أُطلق في المؤتمر السنوي الثالث الذي أقامه مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة، وحمل عنوان " إبداعات انتصرت على القيد، الصحافة والترجمة في تجربة الحركة الأسيرة في المعتقلات الإسرائيلية في فلسطين" عام 2014، كما وأطلقه الأسير الإعلامي الباحث أمين عبد العزيز أبو وردة في كتابة " بصمات في الصحافة الاعتقالية " عام 2013، في إشارة إلى شريحة الإعلاميين الذين خاضوا تجربة الاعتقال وعاينوا البيئة الاعتقالية بصرياً، وسمعياً، وشعورياً، ووصفياً، مما مكّنهم وجعلهم الأقدر على إنتاج مادة صحفية أكثر قرباً وأكثر ملامسةً للواقع الاعتقالي.
ويُعتَقد أن تسميته بـ" إعلام الأسرى" هي الأنسب على غرار الإعلام الرياضي والاقتصادي والسياحي ، وغيرها من مجالات الإعلام المتخصصة، وذلك لأن الإعلام هدفه خلق رأي عام، أما الصحافة فمهمتها جمع المعلومات والإِخبار بها عبر الأشكال الصحفية المعروفة، كما أنّ إعلام الأسرى مصطلح يتعلّق بجهد الحركة الأسيرة جمعاء سواء كانوا متخصصين إعلامياً أم لا في تأسيس هذا الإعلام الخاص .
ولخصوصية إعلام الأسرى تاريخ طويل، ولفرادة التجربة وتميّزها بات من المهم تأصيل هذا الإعلام وتوثيقه، عبر رواية من خاضوا التجربة في السجون، ومن كتب حوله من مُحرَّرِين من سجون الاحتلال وباحثين، كي نؤسس لإعلام الأسرى الذي بات يشكل خطراَ كبيراَ على المنظومة الإعلامية للكيان الصهيوني، بعد وصول رسائل الأسرى لمجالس حقوق الإنسان العالمية، وكسر الحواجز عبر المرئي والمسموع والمقروء والتفاعليّ لحدود فلسطين الجغرافية، وهكذا استطاع الأسرى عبر إعلامهم الخاص الإجابة على سؤال هاملت الذي سقناه ببادئ البدء " أكون أو لا أكون هذا هو السؤال ".