هل كُتبت دروب الآلام على الشعب
الفلسطيني؟ هل كتب عليه أن يكون هدفاً لكل مجرمي العالم وشياطين الأرض بلا معين له؟ هل كتب على هذا الجيل من العرب أن يكون هذا حاله؟ هل كتب على حكامنا أن يكونوا كلهم خونة ويتخذون من فلسطين وشعبها حصراً تجارة لهم؟
أسقطنا الحكام وأشك في عرقيتهم وبسلامة معتقدهم جميعاً، فأين الشعب العربي؟ أتساءل هل لمثلنا كعرب، نخباً وكتاباً وإعلاميين وسياسيين ومفكرين، أن ننخرط في المشاكل والقضايا الدولية بمعزل عن واقعنا الذي فيه تغرق دولنا وشعوبنا في انحطاط تاريخي وتَفّسّخ وانحلال وظلم وفساد، بأوطان ومقدسات مستباحة بوضع اليد، وشعوب بوصلتها الاستسلام؟ هل هذا من قبيل تبلد وانعدام الحس بواقعنا وبانتمائنا وحقوقنا وواجباتنا؟ أم أننا انسلخنا فعلاً عن حاضرنا وتاريخنا وأوطاننا وعقيدتنا وأصبحنا نجد أنفسنا في خارج كل هذا؟ وإلا بأي منطق غير منطق الذلة والجحود والهروب أن نسخر جهودنا وثقافتنا وعقولنا ووقتنا لحل وتحليل مشاكل بيوت الآخرين؛ وبيتنا محطم بكوارثه على خلفية البطش بالأقصى وبفلسطين درة الأوطان؟ وكيف نكون صادقين للغير ونحن فاشلون وخرّاصون في بلادنا؟
لماذا لا يرتبط تفاعلنا مع كل حدث في العالم بتأثيره على ميزان الصراع العربي الصهيوني واحتلاله، ولماذا نقول للفلسطيني اذهب أنت وربك وحرروا فلسطين والأقصى من الأسر؟ لماذا يستعصي على الكتاب والمفكرين والإعلاميين والأحرار العرب الائتلاف في جسم سياسي يمثل بيت العرب، في منظمة غير حكومية تمثل الضمير العربي وجرحه الغائر في جسد فلسطين والنازف في كل قطر عربي؟
أرددها حتى ينقطع النفس: لن ينجو عربي واحد ولا قطر عربي واحد ما دام المشروع الصهيوني قائماً وفلسطين مستهدفة، وأرددها أن هذا الجيل من شعوبنا يعيش حالة يُتم سياسي، وكفلاؤه خونة ولصوص ومداسات برجل العدو يبدلها ولا يُصلحها. إنها حربنا جميعاً، إنها للعدو الصهيوني وجودية ولنا حتماً وجودية، ولا تعايش مع احتلال أو استعمار. ولا تذويب للشخصية الفلسطينية، ولا قوة في الأرض يمكن لها فعل ذلك. إنها شخصية العربي الغائرة في التاريخ والحضارة والعقيدة، ونحن من نذوب فيها حتى تتحرر فلسطين، وعندها فقط يُفتح أمام العرب باب التحرر والنهوض..
ذكرت سابقاً أن لا صحوة ولا تغيير إيجابيا يمكن حدوثه في ساحتنا العربية ما لم يحدث تغيير جذري في واحد من ثلاثة أقطاب؛ هي حكامنا وشعوبنا وعدونا.. واستبعدت التغيير لدى الحكام والشعوب على المدى المنظور في ظل غياب مشروع
المقاومة على الأرض، فالحكام أدمنوا على الخيانة والمأجورية والخضوع لمادتها.. وهذا الجيل أدمن على التأقلم مع الظلم والفساد وعاد لعبادة الأصنام، حيث في هذه الحالة لا يبقى لنا أمل في التغيير إلا في انهيار المنظومة الأمريكية من الداخل، وهذا ليس شرفاً لنا. ولا خلاص لنا بشرف إلا في المقاومة التي استطاع تحالف حكامنا مع العدو على تجريمها وملاحقتها، ولكنها آتية، وسلطتها آتية.
فالشعب الفلسطيني المقاوم منذ ستة آلاف عام يتعرض في هذه الحقبة لأكبر وأعمق اختراق يمكن أن تتعرض له مقاومة عبر التاريخ، والسبب أنه اختراق تأسس ونما مع تأسيس المقاومة ومن داخل قياداتها ومؤسسيها.. اختراق غيّر اكتشافُه مدلول مصطلح الخيانة العظمى إلى مراتب يتربع على عرشها عباس وجماعته ويليه عفاريته من حكام العرب.
لقد حان للخيانة أن تحاسب وتُسحق، وحان للمقاومة الفلسطينية أن تنهض من رحم الشعب وأن تكون لها الكلمة في المواجهة وملاحقة العدو في كل مكان، فمن الجنون والخطر والخيانة والفشل والهلاك أن تكون لشعب أرضه محتلة قيادة أو سلطة غير سلطة المقاومة.
فخلال القرن الماضي خاضت جيوشنا العربية وخاصة (مصر، سوريا العراق، والأردن) حروبا ومعارك مع العدو الصهيوني، وفقدنا شهداء بعشرات بالآلاف ساحت دماؤهم الزكية على أرض فلسطين الطهور. وفي ذات الحقبة فقدنا عشرات الآلاف من الفلسطينيين الشهداء في سلك المقاومة الممأسسة وغير الممأسة، وصولا للحصار والذبح الجماعي المستمر في غزة. هؤلاء العسكريون العرب والمقاومون الفلسطينيون الذين استشهدوا على ثرى فلسطين أو من أجل فلسطين والأقصى؛ دماؤهم وتضحياتهم بأنفسهم ومعاناة من تركوهم يترتب عليها ثمن باهظ عندما يُغدَر بدمائهم وبرسالتهم وتضحياتهم. فما كانت المقاومة الفلسطينية ولا عسكر العرب يخوضون حروباً وهمية أو تحريكية أو وصولية، ولا كانوا يعلمون بأن قياداتهم خائنة أو مدسوسة وتتاجر بدمائهم، ولا أنها ستصبح هكذا وتستسلم للعدو وتندمج معه.
فدماؤهم كلها أصبحت في رقبة سلطة أوسلو ورقبة حكام اليوم من العرب، وذلك بعد أن انكشف القناع عن نواياهم، وهجمتهم على الحق الفلسطيني والفلسطينيين وعلى حقوق كل شعب عربي وقطره ووطنه، واعترافهم بالكيان الصهيوني المحتل وباحتلاله والتعاون معه، وتسليم مصائر الأمة للصهيو- أمريكي. إلا أن رئيس سلطة أوسلو انفرد عن عفاريته من حكام العرب بوظيفة المتعاون المباشر والمعلن مع
الاحتلال، وحمايته بالدماء الفلسطينية وتجريم وملاحقة وتسليم كل مقاوم فلسطيني للعدو الصهيوني. أما عند الله فمستحقات طاعات شهدائنا وجزاؤهم ومكانهم ومكانتهم محفوظة في عليين، وفي نفوس أحرار الأرض.
نعود للرهان على المقاومة، فالشعب الفلسطيني هو الشعب العربي الأكثر تضرراً ومسئولية واستهدافا، وصاحب القضية المباشر والوحيد المحاصر بإقليمية سايكس بيكو، لكنه الأكثر حرية وعزيمة وثباتاً رغم أن ناطوره وجلاده هو الأعمق خيانة وخسة. وليس من بشر على الأرض يشك في أنه أصلب وأثقف الشعوب على وجه البسيطة، وأنه شعب الله المختار لمقارعة وكسر شوكة شيطان العصر الصهيوني. إنه شعب يمتلك كل المؤهلات لمواجة التحديات العربية والعالمية لتنشيط وبناء مشروع المقاومة من جديد.
فلا خيانة السلطة وانخراطها في جيش الاحتلال، ولا تكنولوجيا السلاح ولا التعاون الاستخباري العالمي وأسخريوطياته مع العدو الصهيوني، ولا خونة حكام العرب؛ تمكنوا من منع الشباب الفلسطيني من أن يُجسدوا بطولات ملاحم الشعوب الخرافية التصويرية إلى حقيقة على أرض فلسطين. وما نجاح ستة فلسطينيين مقاومين في تحرير أنفسهم من الأسر بصورة إعجازية إلا طعنة وعي في صدر كل حاكم عربي، ونار تلتهم كل صهيوني على أرض فلسطين، ورسالة للمستوطنين بأن نجاتهم هي في رحيلهم، فكل العتاة بما ملكوا سيفشلون أمام إرادة الشعب الفلسطيني، والتحرير قادم.. ورسالة للشعوب العربية والإسلامية وكل أحرار العالم أن يستفيقوا على حكامه ووضعهم وليعلم أن الفلسطيني يخوض معركتهم ويستحق منها الهبة لنصرته.