زخر تاريخ
فلسطين برموز وقامات في كافة المجالات التي تشي عن
هوية فلسطين وتجذر شعبها في وطنه؛ ومنهم الصحفي والمؤرخ الفلسطيني أحمد خليل العقاد، الذي ولد في مدينة يافا أرض البرتقال الحوين عام 1916، ليتنقل بعد النكبة الكبرى عام 1948 بين عدة دول عربية، وليدفن ضريحه في نهاية الأمر في في مقبرة الدحداح وسط العاصمة دمشق بعد وفاته في مخيم اليرموك جنوب العاصمة السورية دمشق، تاركاً إرثاً مشهودا له في مجالات عدة وخاصة الصحافة.
بين التاريخ والإعلام
ولد الصحفي والمؤرخ الراحل أحمد العقاد في مدينة يافا خلال عام 1916، وتوفي عام 1977 في لجوئه الأخير بمخيم اليرموك جنوب العاصمة السورية دمشق، وقد تلقى الراحل علومه في يافا ثم أتمّها في الكلية الإسلامية في بيروت، وقد صدر كتابه تاريخ الصحافة العربية في فلسطين في عمان عام 1966، وترأس تحرير إحدى الصحف الفلسطينية في يافا وهي "الرأي العام" منذ تأسيسها في يافا عام 1946، وواظب على إصدارها حتى بعد النكبة، فقد انتقل إلى بيروت لاجئاً وهناك تابع إصدارها، وفي أواخر عام 1949 انتقل إلى الأردن وأقام في القدس وواصل إصدارها حتى صدور قرار بإلغاء امتياز عدد من الصحف والمجلات وكانت "الرأي العام" من بينها فتوقفت عن الصدور؛ مع الإشارة إلى أن الراحل العقاد لجأ وعائلته بعد النكبة 1948، والمؤلفة من زوجته وبناته الثلاثة إلى الأردن، وهناك أصيب بالشلل سنة 1960، ليرحل بعد ذلك إلى مخيم اليرموك في سوريا، ويتوفى هناك ويدفن في مقبرة الدحداح وسط العاصمة دمشق عام 1977، وهي مقبرة كان يدفن فيها قادة عسكريين وسياسيين سوريين ورؤساء سابقين.
واللافت أن الراحل أحمد العقاد؛ كان متعدد المهارات والمهن، حيث عمل في مهنة نجارة الموبيليا عدة سنوات، وفي سنة 1935 عين معلما في مدرسة (سلمة) الأميرية؛ الواقعة في الشرق من مدينة يافا مسقط رأسه، لكنه استقال من وظيفته هذه بعد سنة واحدة ليعمل محرراً صحفياً في يومية الجامعة الإسلامية، التي كان يملكها الشيخ سليمان التاجي الفاروقي، ثم انتقل للعمل في جريدة "فلسطين" التي كانت ذائعة الصيت، التي كان مالكها ورئيس تحريرها الراحل رجا العبسى؛ ثم غادرها إلى يومية "الدفاع" التي كانت مملوكة لإبراهيم الشنطي الذي ترأس تحريرها أيضا؛ وبقي العقاد فيها حتى عام 1936.
إضافة إلى عملي كصحفي وإعلامي بارع، ثمة إصدارات للراحل أحمد العقاد؛ ومنها ديوان الشعر الشعبي الوطني في فلسطين في بيروت عام 1939. في عام 1946، صدر في يافا بفلسطين كتاب بعنوان (من هو Who Is Who ) يعرف برجالات فلسطين ويقدمهم لأبناء الأمة، وقد قدم صاحب الكتاب أحمد خليل العقاد في كتابه زهاء أربع مئة ترجمة لشخصيات فلسطينية عاملة في مختلف الميادين من علم وصناعة وتجارة وسياسة وما إلى ذلك، في أثناء حياتهم، بقصد إرشاد الناس إلى بعضهم بعض، وإقامة المعاملات والمنافع المتبادلة على أساس التعارف، فضلاً عن كتاب تاريخ الصحافة العربية في فلسطين؛ وهو ثمرة جهد وبحث متواصلين داما عشرين سنة، جمع فيه أسماء الذين عملوا في الصحافة منذ نشأتها من كتاب ومحررين ومراسلين في كافة المدن والأقضية الفلسطينية.
طبع الكتاب مرتين في دمشق الأول عام 1966 والثانية عام 1967، والكتاب يتألف من مئتي صفحة؛ مترجمة حول أعلام الصحافيين الفلسطينيين ممن عمل في فلسطين والبلاد العربية، كما أنه أرخ للصحف والمجلات التي صدرت في فلسطين قبل نكبة عام 1948، وكذلك الحال بالنسبة لصحف أصدرها فلسطينيون في في دول عربية مختلفة.
ومن رموز الصحافة الذين ترجم لهم أو ذكرهم الراحل العقاد؛ الأستاذ عيسى العيسى، ونجيب نصار، وفهمي الحسيني، وسليمان التاجي الفاروقي، والشيخ عبد الله القلقيلي، وبولس شحادة، وعادل جبر، وإبراهيم الشنطي، وعيسى البندك وعارف العارف، كما ذكر العقاد (251) رمزاً وقامة من الكتاب والأدباء الذين عملوا في الصحافة الفلسطينية، ورتبهم حسب حروف المعجم مع ذكر المدن التي عملوا فيها، وقد يكون بذلك الأهم في إطار
سيرة الراحل
الإعلامية التوثيقية .
كفاحه الوطني
لم تنحصر سيرة الراحل أحمد خليل العقاد، عند حدود الإعلام؛ حيث اعتقل في بداية الثورة الفلسطينية (1936 ـ 1939) من قبل جيش
الاحتلال البريطاني لمدة ثلاثة أيام مع ثلاثة صحافيين، وبعد الإفراج عنه سافر إلى بيروت حيث عمل مدرسا للغة العربية والتاريخ في مدرسة العزيزية، وعاد إلى فلسطين سنة 1940 وأصدر جريدة (المهد) وبعد سنتين أسس مكتب الصحافة والنشر في مدينة يافا، وهو أول مكتب عربي قام بأعمال الصحافة والنشر والدعاية في فلسطين.
وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها بعدة أشهر، أسس العقاد مجلة "الرأي العام" الأسبوعية، وكانت تلك المجلة رائدة المجلات الكاريكاتورية في فلسطين، وانخرط العقاد في الأنشطة النقابية حيث أسس سنة 1945 نقابة عمال النجارة الفلسطينية وانتخب سكرتيرا لها؛ وكان قد افتتح سنة 1945 مصنعا أو ورشة لصناعة الموبيليا، كما اشترك في تأسيس جمعية العمال العرب الفلسطينيين، وانتخب عضوا في هيئتها الإدارية.
من خلال سيرة الراحل أحمد خليل العقاد، يمكن الجزم بأنه كافح على عدة جبهات ضد المحتل البريطاني وزيف الرواية الصهيونية إزاء فلسطين وشعبها، راسما معالم الهوية الفلسطينية في تجلياتها المختلفة.
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا