قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في تقرير أصدره اليوم: "إن التدابير الرئاسية التي أعلنها الرئيس التونسي "قيس سعيد" في 25 تموز (يوليو) 2021 أطلقت العنان لممارسات أمنية غير قانونية ضد النشطاء والمعارضين، شملت منع التجمعات السلمية، وحملات اعتقال، وقرارات بالمنع من السفر دون مذكرات قضائية، وقرارات بفرض إقامات جبرية، واعتداءات أمنية على وسائل الإعلام والصحفيين".
واستعرض المرصد الأورومتوسطي، ومقرّه جنيف، في تقريره الذي جاء بعنوان "تونس.. التدابير الرئاسية ردة عن مسار احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون"، تأثير القرارات الرئاسية على حقوق وحريات السكان بموجب العهود والمواثيق الدولية التي صادقت عليها تونس، كما يقدّم التقرير توصيات لإنهاء حالة تركّز السلطات بيد الرئيس التونسي، على النحو الذي يضمن حماية الحقوق والحريات.
واستند التقرير، إلى جانب جهود البحث والتوثيق التي دامت أكثر من 3 أشهر، إلى عشرات المقابلات الميدانية التي أجراها الفريق الميداني للمرصد الأورومتوسطي مع عدد من ضحايا الانتهاكات ووكلاء الدفاع عن مجموعة منهم، وشكل من خلالها صورة واضحة عن الواقع الذي أنتجته الممارسات الحكومية ومدى تأثيرها على رصيد الحريات في البلد الذي كان يشهد بنية ديمقراطية نادرة في المنطقة.
وعلى الرغم من أن الدستور التونسي يتكفل بحماية الحق في التعبير والنشر، إلا أن التقرير وثق عشرات الاعتداءات التي مارستها الأجهزة الأمنية التونسية ضد عدد من نواب البرلمان، ونشطاء سياسيين وحقوقيين على خلفية نشرهم تدوينات ترفض التدابير الرئاسية، وتنتقد سلوك الرئيس "قيس سعيد" في التعامل مع الأزمة، حيث وصلت تلك التجاوزات في بعض الأحيان إلى حد الاعتداء الجسدي والاعتقال والإدانة بتهم فضفاضة.
وتناول التقرير، الذي أرسلت نسخة منه لـ "عربي21"، التضييقات التي مارستها السلطات على حقوق الأفراد في حرية التنقل والسفر، متسببةً بتقييد حركة عدد من القضاة ونشطاء الأحزاب السياسية المختلفة في البلاد. وبحسب التقرير، فقد فرضت السلطات التونسية منذ 25 تموز (يوليو) الماضي الإقامة الجبرية على نحو 13 تونسيًا، ومنعت عددًا آخر من السفر دون إبلاغهم بمذكرات قضائية واضحة، من بينهم برلمانيون وقضاة وموظفون رسميون كبار، ورجال أعمال.
وذكر التقرير أنه عقب الإجراءات الرئاسية جرى محاكمة 8 مدنيين أمام القضاء العسكري، على الرغم من أن الدستور التونسي يُلزم السلطات بعرضهم على القضاء المدني للتحقق من صحة الاتهامات المنسوبة إليهم، وحصر اختصاص المحاكم العسكرية في الجرائم الموسومة بأنها جرائم عسكرية، إلا أن الحكومة اختارت هذا المسار لمعاقبة المعارضين.
وقال الباحث القانوني في المرصد الأورومتوسطي "يوسف سالم": "إن الممارسات التي اتبعها الرئيس التونسي عقب إعلانه التدابير الاستثنائية تشكل انتهاكًا جسيمًا لنصوص الدستور التونسي 2014، ويسبقها إعلانه القرارات الرئاسية التي منح نفسه من خلالها صلاحيات لا يملكها."
وأوصى التقرير بوقف العمل بالإجراءات والتدابير الرئاسية المعلنة بتاريخ 25 يوليو/ تموز وكافة الأوامر والقرارات المترتبة عليها، بما في ذلك ملاحقة نواب البرلمان والنشطاء السياسيين والحقوقيين أمنيًا وقضائيًا على خلفية التعبير عن آرائهم، وإتاحة الفرصة لممارسة الحق في النشر دون تقييد.
وطالب المرصد الأورومتوسطي الحكومة التونسية بضرورة الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وفق دستور تونس لسنة 2014، وعدم تركيز السلطات في يد شخص أو هيئة واحدة. كما دعا إلى احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه تونس.
ومنذ 25 يوليو/تموز الماضي، تعاني تونس أزمة سياسية حادة، حيث بدأ سعيّد سلسلة قرارات "استثنائية"، منها تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وإقالة رئيس الحكومة.
ورفضت غالبية القوى السياسية تلك القرارات، واعتبرتها "انقلابا على الدستور"، بينما أيدتها قوى أخرى رأت فيها "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية (جائحة كورونا).
إقرأ أيضا: اتحاد الشغل لقيس سعيّد: الدولة ليست لعبة.. وموقف أمريكي
هيئة حقوقية تونسية ترصد التضييقات ضد معارضي سعيد
أبرز الانتهاكات ضد الإعلام بتونس منذ انقلاب سعيد (إنفوغراف)
تونس في ظل الانقلاب: انتكاسة لحرية الصحافة (مرصد)