حيران: ما الذي دهى العرب في قصة
التطبيع هذه، وكأنهم سيحققون الفردوس الأعلى؟ لماذا لم يستفيدوا من الدول العربية التي سبقتهم في التطبيع وما سموها باتفاقيات السلام، وكأن كل مشاكلهم السياسية والاقتصادية وعلاقاتهم الدولية معلّقة برقبة التطبيع، وكأنها بوابة الفرج من كل كرب وضيق والالتحاق بركب المتنورين والسابقين لكلّ الخيرات؟
فهمان: لا أريد أن أذهب بالتحليل إلى تركيبة هذه الدول ومدى استقلاليتها، وهل تملك السيادة الكاملة على قراراتها حقيقة، وهل هي تابعة أم مستقلّة؟ وهل شعوبها توافق على هذا التطبيع رغم ما نراه من صور لشواذّ يسارعون في التماهي مع الحالة الجديدة التي سلكها زعماؤهم؟ وهنا لا بدّ من التنويه إلى أن الشعوب العربية قاطبة ترفض التطبيع مع كيان اغتصب واحتلّ قلبها؛ القدس وفلسطين، ولكن تأتي في سياق سياسات هذه الدول المنحرفة أصلا عن إرادة شعوبها، والتي لم تقم على ديمقراطية حقيقية تشرك الشعب في اختيار حكامهم.
حيران: أعود لنفس السؤال ما الذي عضّ ذيلها ودفعها إلى هذا الفعل الشنيع. هل هناك مصالح ستتحقّق بهذا التطبيع ودونه ستضيع فرص عظيمة على هذه الدول ولن تتحقّق إلا بهذا التطبيع؟ أو انسدّ الأفق أمامهم وضاقت عليهم العلاقات مع الدول بما رحبت ولم يتبقّ إلا هذا الكيان كحبل نجاة لهم؟
فهمان: أبدا، فقد مضى زمن مديد على هذه الدول دون تطبيع، ولم يكن الحبل السرّي قائما مع الكيان الصهيوني (إلا إذا كان ذلك سرّا كما تسرّب هذه الأيام). ولم تكن في يوم من الأيام هي بحاجة إلى هذه العلاقات، بل الكيان هو الذي بأشدّ الحاجة إليها لفكّ عزلته في المنطقة، فشعوره الدائم أنه كيان زُرع في وسط معاد يقضّ مضجعه ويشكل له أرقا دائما، بينما هذا التطبيع والانسجام في المنطقة في غاية الأهمية، عدا عن أنه يفتح له مجالا رحبا لأطماعه الاستعمارية في المنطقة والتي لا تخفى على أحد. فشمعون بيرس قال قديما إن معادلة ازدهار المنطقة تكون بالأيدي العاملة المصرية والمال الخليجي والمياه التركية، إذا أضيف لها العقل
الإسرائيلي.
حيران: هو إذا مصلحة إسرائيلية كبرى لا تقف أمامها أية مصلحة عربية؟ فما الدافع إذا (عودة إلى ذات السؤال)؟
فهمان: أعتقد أن السبب الرئيسي هو هذه التبعية السياسية وانتظامها وارتهانها الكامل للمحور الأمريكي في المنطقة، فأمر هذه الدول أصبح مرتكزا على هذا النوع من العلاقة الاستراتيجية التي لا انفكاك عنها، ومن موقع التبعية لا من موقع المصالح المشتركة أو على الأقلّ ما فيه حدّ أدنى من مصلحة البلد، وإنما هو وحده مصلحة النظام الحاكم وضمان استمراره مهما كان الثمن، ولو كان على حساب التضحية بالسيادة واستقلالية القرار.
حيران: فلو تحرّك اللوبي الصهيوني في أمريكا على صانع القرار هناك لدفع حلفائه العرب للتطبيع فإن على هؤلاء أن يلبّوا الطلب ويسارعوا في التطبيع دون أيّ نقاش.
فهمان: وكانوا من قبل يجدون لها إخراجا يحفظ ماء الوجه لحلفائهم أو يقومون بالأمر سرّا، والآن أصبح لا حاجة لذلك ولا داعي لمراعاة ظروف الاستهلاك المحلّي إلا بما يحتمل من جرعات تعمل على ترويض الشارع وتطويع الشعوب بالتدريج.
حيران: لقد فشلوا فشلا ذريعا مع الشعب المصري والأردني بعد توقيع الاتفاقيات مع المستوى الرسمي، فهل تراهم يفشلون كذلك مع المجتمع الخليجي؟
فهمان: هذا متوقّع جدا، رأيت المظاهرات الحاشدة التي تستنكر هذا التطبيع في البحرين، الشعوب متعاطفة جدا مع الشعب الفلسطيني ولن تطبّع مع من احتلّ فلسطين ودنّس مقدساتها أبدا. وما تفعله الأنظمة المطبعة هو وصمة عار في جبينها، ويشكّل فضيحة مدويّة ترهن مستقبلها بهذا الخيط الواهي الذي هو أوهن من بيت العنكبوت.