في وطننا العربي الكبير، ساسة وسياسات وقيادات وزعامات كثيرة، وفيه معاناة وآلام مبرحة وأزمات مزمنات، ومعاملات وممارسات تفرق الناس وتزيدهم هماً وغماً، ووقائع حياة يشقى بها معظم المواطنين. تعارضُ السياسات يفرق الأمة، وتنافر الساسة يمزقها، وكل ذلك وسواه وما ينتج عنه، يضعف البلدان، ويعيق العمران، ويقهر الإنسان، ويهدد الوجود ذاته.
أوضاع وأحوال مؤسفة مؤسية لا تَجني منها الدول ولا الأقطار ولا الشعوب خيراً، ولا تعود على صانعيها ومسببيها ومحركيها بالمجد بل تعود عليهم بمتاع دنيوي مُدنَّس رخيص، وتورُّمٍ ذاتي أناني خبيث قتال، واستبداد وطغيان وتسلُّط وتوحش وغير ذلك من مظاهر وأفعال وعنجهيات هي أمراض عواقبها وخيمة على الوطن والأمة بالدرجة الأولى.
تجلب الضعف والسقم، وترسخ التبعية المُذِلَّة، وتفقد الناس الأمن والأمان والاعتزاز بالانتماء، وتنشر الفساد والإفساد، وتدمر البلاد وتشقي العباد. وهي سياسات وخطط وخيارات وممارسات ظاهرها مموه بالوطنية والعبقرية والرحمة وباطنها فيه القصور والعجز والعذاب، واستقراء نتائجها بعد سنوات وسنوات بل عقود من الزمن الرديء، يشير إلى تزلزل بنينان الأوطان وشلل قدرات الإنسان، وإفقار وقهر وتعطيل للإرادة، وفقدان المواطن الشعور بالأمن والكرامة، وغرقه في البؤس وبقاءه على ضفاف اليأس.
والهدفُ الرئيس لهذه "المآثر والمأْثورات"، إبقاءُ الشعب في القبضة الحاكمة المُتحكِّمة الباطشة، مقيداً بالحاجة والضرورة، يزحف أفراده على الرُّكب والأكواع ورموش العيون راغمي الأنوف، يلهثون وراء الرغيف وأبسط مقومات العيش، ويرتعدون وهم يقدمون البرهان بعد البرهان على البراءة والطاعة والولاء، ويبقون قيد الاتهام والشك، وتحت الرقابة الصارمة، محرومين من الثقة والحرية والمبادرة الخلاقة، والمواطَنة المتساوية، والحق في التعبير عن شؤونهم وشجونهم، وفي المشاركة الفاعلة في تقرير مصيرهم في وطنهم.
ومن عجبٍ أن أصحاب تلك السياسات والممارسات وسدَنتُها وجلاوذتُها، كلما لمسوا عقمها ووجدوا أنفسهم في مأزق بسببها، ووقفوا على ضرورة تغيير نهجهم لعدم جدواه وشدة أذاه وبلواه، تَمسَّكوا به وبما هم عليه، " ثباتاً منهم على المبدأ، وتعزيزاً للعصمويّة؟!"، وبالغوا في ترسيخ نهجم بالقوة والقسوة، وأضافوا إليه من ماهيته ما يجعله ضِغثاً على إبَّالَة.. فيعزون الإفلاس إلى الناس، ويموهون سوء التقدير والتدبير وبؤس الخيارات والعجز وانعدام الكفاءة والجدوى بذرائع لا يقبلها عقل ولا يقرها منطق، ويستمرون فيما يفضي إلى مزيد من التهافت والمصاعب والمصائب..
ويدعمون ذرائعهم البائسة ومنطقهم القسري بوثوقية عالية، وقوة غازية تجعلهم يهددون ويرعدون باسم الوطنية والديمقراطية والحرية والتقدم، وباسم الدماء والشهداء، وباسم الله وأولياء الله..؟! ويرفعون في وجه مَن يعترض أو يشكك أو يغمغم وهو يسمع ما يناقض ما يرى ويعيش.. يرفعون الصوت واليد والصوت والسلاح، غير مكترثين بالبلوى، صامين آذانهم عن الشكوى.
إن ساسة من هذا النوع، يفهمون المسؤولية تسلطاً والحكم تعالياً، والثقة الممنوحة لهم تَورماً أنانياً، ولا يرون سبيلاً للبقاء والارتفاع والارتقاء بالأداء سوى بالفتك بالشعب لإخضاعه، والتحكم بالوطن لابتلاعه. إنهم يتبعون سياسات لا خير ولا رشد فيها، تعود عليهم بالنفع وتعود على أقطارهم ومعظم أبناء أمتهم بالقمع ، وبالمحن والكوارث والفتن، ويكونون بهذا أعداء أنفسهم وبلدانهم وأمتهم.. لأنهم بنهجهم ذاك الذي يختارون وسلوكهم الذي يتبعون، يضعفون وعي شعوبهم وحسها الوطني السليم وقدرتها على الدفاع عن الحق والنفس، وعجزها عن المبادرة وعن القيام بأداء وطني حرٍّ مُحرِّرٍ، ينقذ ويبني ويحمي ويحقق المساوة والعدالة والنهضة والازدهار.
إن ساسة من هذا النوع، يفهمون المسؤولية تسلطاً والحكم تعالياً، والثقة الممنوحة لهم تَورماً أنانياً، ولا يرون سبيلاً للبقاء والارتفاع والارتقاء بالأداء سوى بالفتك بالشعب لإخضاعه، والتحكم بالوطن لابتلاعه. إنهم يتبعون سياسات لا خير ولا رشد فيها، تعود عليهم بالنفع وتعود على أقطارهم ومعظم أبناء أمتهم بالقمع ، وبالمحن والكوارث والفتن، ويكونون بهذا أعداء أنفسهم وبلدانهم وأمتهم..
وسياسات من هذا النوع، تبقى مفصولة عن الواقع، لا تعرف حقيقة ما يدور حولها ولا ما ينفعها.. لا تعترف بعجزها عن معالجة الأزمات، ولا بمسؤوليتها الأخلاقية والسايسية والاجتماعية والقانونية أمام شعبها.. وهي بذلك لا تدمر العمران والأوطان فقط، بل تدمر القيم وروح الإنسان، وتسلبه حقوقه وحريته ومبادرته وحياته، وتشقي الشعوب التي تسوسها وتضعفها وتلقيها غنيمة للطامعين بها.
إنني ليأخذني العجب كلُّ العجب من إنسان يُعطى الثقة والفُرصة والقرار والسلطة والقوة، ويُؤتَمن على شعب وهوية وعقيدة وتاريخ، ويكلف بالارتفاع بنفسه وعهده ووطنه وشعبه وأمته، ويرتقي بإنسانية الإنسان إلى مستوى حضاري أعلى، ويقود أمة أو يساهم في قيادتها لاستعادة أمجادها.. فيفعل كل ما يؤدي إلى عكس ذلك، يختار أن يحكمَ زاروباً بدل وطن، وأن يعزل وطناً عن أمة، وأن يسلب شعبه الإرادة والمبادرة والحرية والقوة، وأن يسلب الإنسان في وطنه حقه في الحرية والحياة، ويتحكم بمقومات حياة الناس ليذلهم ويشقيهم ويجرعهم الخنوع ليدمنوه..
يفعل ذلك وسواه من دونأن يرعوي أو يرتدع، ويبقى متمسكاً بالنهج الفاشل، مثابراً على أداء الفعل الضار، لا يشعر بندم ولا ينقذ نفسه وغيره من عدم؟!.. وهنا أسأل: ماذا يستفيد الإنسان من تدمير وطنه، وهدم عمران بلده، وإضعاف أمته، وإشقاء أبناء شعبه، وقتل إنسان الإنسان؟! هل يفعل ذلك لمجرد الإضرار، وهل الإضرار طبيعة راسخة أم هو بعض تجليات غرائز بدائية ما تزال ترافق الإنسان رغم تطوره وارتقائه عبر ملايين السنين؟! وهل يمكن تخفيف حدتها وضررها ووحشيتها بالتربية والدين والأخلاق والـ..؟!
أليست تلك أوبئة "نفسية، عقلية، سلوكية.." تنعكس أضرارها على أمم وتصاب بها البشرية؟! أفلا تستدعي بذل الجهد والطاقة والمال لمعالجتها كما تعالج الجائحات مثل الكوليرا والكورونا ومتحولاتها، وهي بمثل خطورة الجائحات الكبرى على أرواح الناس وأنفسهم وقيمهم وحقوقهم وحرياتهم وسعادتهم في حياته، هذا إن لم تكن من أشد الجائحات خطورة؟! أسأل.. ويبقى السؤال أو التساؤل الذي ألقيه على نفسي وعلى غيري، وأراه ينطوي على وخطورة.. يبقى كمداً وشوكة في الحلق، ويبقى من دون التفاتة كافية أو اهتمام أو جوابٍ شافٍ.
إنني ليأخذني العجب كلُّ العجب من إنسان يُعطى الثقة والفُرصة والقرار والسلطة والقوة، ويُؤتَمن على شعب وهوية وعقيدة وتاريخ، ويكلف بالارتفاع بنفسه وعهده ووطنه وشعبه وأمته، ويرتقي بإنسانية الإنسان إلى مستوى حضاري أعلى، ويقود أمة أو يساهم في قيادتها لاستعادة أمجادها.. فيفعل كل ما يؤدي إلى عكس ذلك، يختار أن يحكمَ زاروباً بدل وطن، وأن يعزل وطناً عن أمة، وأن يسلب شعبه الإرادة والمبادرة والحرية والقوة،
إنَّ شعوبنا تُهدر طاقاتها بجهل وتخلُّف وغباء وتسلط، ويُشرَّد بنوها في أصقاع الأرض جوراً وبحثاً عن أمن وعمل ولقمة عيش وكرامة.. وتُساس بقصر نظر وبقوة قهر، وباستعداءٍ عليها، وتحالف من بعض حكامها مع أعداء أعدائها "الصهاينة العنصريين القَتَلة"، تحالف ضد قضاياها العادلة، وحقوقها المسلوبة، وهويتها المهددة، وعقيدتها المستهدَة، ووجودها المهدَّد.. ويتم ذلك بتواطؤ مكشوف، وتآمر مفضوح، وبتدبير تآمرية خارجية، وأخرى داخلية-ذاتية، أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها تنطوي على إعلاء شأن أفراد على وطن وأمة، وعلى قصر نظر لا نظير له من حكام وساسة ومسؤولين عن شؤونها ومصالحها، فرطوا بكل شيئق، وتَزْكُمُ رائحة تآمرهم أنوف أبناء الأمة العربية.. ذلك التآمر الذي يجعل من ولاة أمر الأمة طُغاة وتبَعاً وموالين للأعداء، وأدوات بأيديهم يطعنون بها الأمة في مقاتِلها..
إن المتواطئين مع الأعداء، من الحكام والساسة والمسؤولين وغيرهم يزين لهم أعداء الأمة ما هو في غير صالحها، ويعدونهم بالحماية مهما فعلوا لقاء "مدفوعات وتنازلات و.."، فيحكمون ويتحكمون بكل شيء، ويظلمون ويطغون ويتجبرون، ويمارسون الفساد والإفساد، ويصلون إلى درجة الخوف من شعوبهم التي يضطهدونها ويفرطون بحقوقها، فيستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير.. يستبدلون شعبهم وأمتهم بعدوهم، ذلك الذي يستمر بإخافتهم وتحريضهم على شعبهم، ويغريهم بالتسلط، ويعدهم بالحماية.. فيبتلعون الطُّعْمَ وينشرون المزيد من الأدواء في جسد الأمة ويبتلونها شر ابتلاء.. وتكون النتيجة إشقاء أبنائها، وإنهاكها وإضعافها وتفتيتها وانعدام الثقة بين أقطارها، وتقزيم دورها وقوتها ووجودها، وتدمير قواها الحية، وذاتها الفاعلة، ومبادراتها الخلاقة، وشل قدراتها على العمل والتعلم والتقدم والتحرر، وعجزها عن حماية نفسها وأرضها وحدودها ومقدساتها وهويتها وعقيدتها، وعن تحرير إرادتها وقرارها، والتطلع إلى تحقيق استقلال ناجز، والتمتع بسيادة تامة على وجه صحيح.
في أقطارنا العربية، المواطن الذي هو الغاية والوسيلة، مقموع مقهور، منتَهك مُنهك، مربوط برغيف الخبز يركض وراءه ولا يجد مندوحة عن ذلك فيضيع وقته وجهده وعمره في ذلك المَسعى.. ويا له من مسعى يُعجِز عن كل مسعى؟! المواطن العربي في رطننا تُستنفد طاقاته بقوانين وإجراءات وورقيات وتعسُّف متقن لا يخلوا من تفنُّنٍ تتقنه وتبدع في مجالاته جهاتٌ مسؤولة تعنى بإهدار الوقت والطاقة والكرامة.
فغير المؤهلين، وغير الأكفاء من الساسة والقادة والسادة والمسؤلين والموظفين و.. و.. يحكمون ويتحكمون ويديرون، يتخبطون في تخطيطهم وتدبيرهم وتنفيذهم، ويُغطُّون قُصورَهم وعجزَهم عن القيام بواجباتهم، وبدور بناء ينعكس إيجاباً على الشعب والوطن والأمة، بتكبيل المواطن وتكميمه وإرهاقه وتغريمه، وتكليفه تكاليف وإجراءات وتبعات تؤدي إلى مزيد من المُعاناة وتفاقم الأسى والأزمات.. ويتفنون بإهدار الطاقة البناءة للإنسان وبإشقائه وجعله ليلاً ونهاراً إلى أن يكره الحياة ذاتها.
في المجتمعات المنتجة الناهضة المتقدمة علمياً وتقنياً وحضارياً، تستفيد الدولة من جهد المواطن، ويستفيد المواطن من خدمات الدولة وأنظمتها وتسهيلاتها، فلا تُهدَر طاقته ولا يُهْدَر وقتُه.. ويسعى بأمل لأن يملك بيته، ويقيم أوده، ويرعى مستقبل أولاده، ويبقى في وضع أقرب إلى التفاؤل وأقل تأزُّماً على الأقل، ويشعر بنوع من الاحترام والراحة، ويتاح له التفكير في ما حوله والتواصل الإنساني مع من هم حوله، وأن يتأمل ويغذي روحه وعقله ووعيه وينعم بحريته.
أما في وطننا العربي فإن الكثيرين من أبناء الشعب محرومون من الأتمة والتقنيات والتحديثات والخدمات والتسهيلات العصرية وحتى من الكهرباء.. وهذا وضع مثالي لمن يريد إنهاك شعوب ودول والقضاء على أمم وجعلها قيد الجهل والتخلف والفوضى والاستنزاف.. وحرب أشد فتكاً بالناس على المدى البعيد من كثير من الحروب، بل يبدو أنها من أشرس الحروب التي تُشن على شعوب وبلدان، ونحن منها في بلداننا العربية. وتلك حرب لا تكلف من يدبرونها ويشنونها شيئاً بل ينتفعون منها ويكسبون إضافة إلى ما يحققون من أهداف.. إذ يكفيهم أن يدفعوا عجلة التنابذ والتقاتل والتآكل الذاتي لتدور، ومن ثم يمنعون كل من يوقفها وما يوقفها. وهكذا يتكلف المستهدَفون بالقضاء على ذواتهم وأمنهم ومصالحهم واستقلالهم وسيادتهم ومستقبل أجيالهم، وعلى كل معاني الحياة وقيمها لديهم، بحرب هم أدواتها والمُسْتَدَفون بها.
في وطننا العربي فإن الكثيرين من أبناء الشعب محرومون من الأتمة والتقنيات والتحديثات والخدمات والتسهيلات العصرية وحتى من الكهرباء.. وهذا وضع مثالي لمن يريد إنهاك شعوب ودول والقضاء على أمم وجعلها قيد الجهل والتخلف والفوضى والاستنزاف..
فأية حياة تصبح لمواطن عربي في وطنه في ظل النتهاك والتدمير والحرب على الذات وانتشار البؤس واليأس؟! وأي تقدم يتم، ونهضة ترتجى، وحرية تحرِّر الإرادة والعقل وتبعث على الإبداع في ظل هكذا أوضاع وأزمات وأحكام وتبعيات، واحتلال مباشر وغير مباشر؟! وأي وطن يصبح وطنٌ لا ىمَن فيه أبناؤه ولا يستقرون ولا يُنتِجُون ما يحقق كفايتهم، وهو لا يستطيع أن يكفيهم أو يعينهم أو يحميهم فقوة الوطن، إي وطن، من قوة أبنائه…وهكذا يشكل الوطن الحاضن بيئة نابذة تبعدأبناءه وبُناته وتشقيهم وتذلهم.؟
وبألم وأسى يتكرر السؤال على مدار الوقت: لمصلحة من يتم ذلك، وما الفائدة منه للوطن والشعب والأمة، وحتى للحكم الذي يريد أن ينهض بالعباد والبلاد، وأن يملك القوة المقذة، ويرفع من شأن الدولة، ويقيم العدل والمساواة.. والعدل أساس الملك؟!.
مسار الثورة التونسية في ذكراها السنوية
كيف تقرأ خارطة المستقبل العربي؟