المختارة حزينة وعين التينة حزينة، وربما بيروت والكثير من المناطق
اللبنانية حزينة، ولكن كل ذلك لا يكفي لكي يعيد سعد
الحريري إلى اللعبة السياسية في لحظة دولية ملتهبة لا ترى لبنان على الخارطة السياسية والاقتصادية للحلول، مضافا إليها لحظة إقليمية حساسة لا ترى في لبنان إلا منصة تزعجها في أكثر من موضع بفعل خيارات بعض اللبنانيين، علما أن بعضهم الآخر في مقلب آخر، وكأن قدر البلد أن يبقى قابعا متأثرا بكل الإقليم من صنعاء إلى أبو ظبي وبغداد، وصولا إلى دمشق وغزة هاشم.
أما في القالب المحلي، فلبنان منذ وفاة والد الرئيس سعد الحريري الشهيد رفيق الحريري لا زال تحت أثر الزلازل الذي ضرب بيروت في 14 شباط/ فبراير 2005، فاختلت التوازنات القائمة بفعل معادلة السين- السين السورية السعودية التي رعت البلاد سياسيا واقتصاديا وماليا تحت مظلة اتفاق الطائف الذي لم يطبق حقيقة في لبنان حتى الساعة.
تعددت التحليلات والنتيجة واحدة: غادر سعد الحريري، وعلى ما يبدو الغصة في صوته والدموع في عينيه. والكثيرون يتفهمون مغادرته أو الأصح تعليقه حياته السياسية حتى حين، علما أن الحين المذكور المربوط بشروط ليس سهلا الخروج منها قياسا على الواقع اللبناني.
تعددت التحليلات والنتيجة واحدة: غادر سعد الحريري، وعلى ما يبدو الغصة في صوته والدموع في عينيه. والكثيرون يتفهمون مغادرته أو الأصح تعليقه حياته السياسية حتى حين
إن السؤال الكبير: ماذا بعد سعد الحريري؟ وهل السنة مأزومون؟
لا شك أن الراغبين في إرث الحريري كثر، ولكن هل ما زال للناس رغبة والصدمات لبيروت وأهلها كل يوم في جديد؟.. انفجار الحريري الأب وصولا إلى انفجار المرفأ المدوي ثم الانهيارات المتتالية، وبعدها خفت صوت العاصمة وعلا الغبار بريقها ورونقها في ساحات رياض الصلح والشهداء، حيث لا وظيفة واضحة سياسية أو سياحية لها في زمن المسخ والجوع.
ففي تلك الساحات التي غدت مساكن أشباح لا سياح ولا أحباب ولا مقاهي ولا اقتصاد ولا نمو ولا كهرباء، وحدها العتمة التي تشبه الأيام القادمة بسوداويتها تسود المشهد.
وللتذكير، في تلك الشوارع بحت أصوات المطالبين بالتغيير، ولكن كما يقول المستقبليون إن زعيمهم وحده من استجاب لصوت الناس في استقالة الحكومة ولكن لا حياة لمن تنادي. أكثر من ذلك، يقولون إن معادلة "كلن يعني كلن" غدت في التنفيذ "كلن يعني سعد عنن كلن"، ولكن ماذا عن الباقي من السياسيين؟!
إن خلطة خروج الحريري من الحكم ومعه تيار المستقبل؛ ممزوجة برغبة عربية- خليجية عبر المبادرة الكويتية بكل مضامين الورقة المبادرة التي نقلها وزير الخارجية الكويتي مع ما ستحمله من رد، والذي على ما يبدو لن يضيف جديدا خارقا جدار الستاتيكو القائم، لا بل على الأرجح ستدخل الورقة المبادرة بازار الأخذ والرد وثقافة الانتشال العربي.
وبالمقابل، تعابير ورقة الاستسلام لن تضيف إلى المشهد المعقد إلا مزيدا من التعقيد على المستوى الوطني، وبالتالي ماذا بعد انكفاءة الحريري، وربما عدم القبول أو القدرة على تنفيذ الورقة المبادرة؟ الجواب حكما في أيام قادمة قد تحمل مزيدا من الضغوط بانتظار تبلور رؤية داخلية باتت تحتاج إلى ميزان الذهب، حيث الخطأ كلفته زوال وطن أو ربما انفراجه إقليمية ليس بالسهولة الوصول إليها، مع تعقد كل ملفات المنطقة المرتبطة بهوية المنطقة الجديدة التائهة بين ركاب السلام بصيغه المختلفة أو بأشكال مقاومته الجديدة، حيث لبنان الضائع بين الرصيفين؛ فهو غير قادر أن يركب موجة السلام القادم ولعل في المفاوضات حول المناطق الجنوبية برعاية أمريكية أكبر مثال، كما أن الاتفاق مع صندوق النقد بات على المحك في ظل الحديث عن تعقيدات الموازنة وأرقامها.
كيف للبنان بتنوعاته المختلفة القدرة على البقاء على المقاومة أولوية، حيث الانهيارات الاقتصادية والمالية والاجتماعية تضرب كصقيع هذه الأيام على اللبنانيين الذين يعانون الأمرّين، والتقارير الاقتصادية الصادرة يوميا لا تبشر بالخير وآخرها تقرير البنك الدولي
وكذلك كيف للبنان بتنوعاته المختلفة القدرة على البقاء على المقاومة أولوية، حيث الانهيارات الاقتصادية والمالية والاجتماعية تضرب كصقيع هذه الأيام على اللبنانيين الذين يعانون الأمرّين، والتقارير الاقتصادية الصادرة يوميا لا تبشر بالخير وآخرها تقرير البنك الدولي الذي قال بوضوح: إن الكساد اللبناني المتعمد هو من نسق النخبة في البلاد التي استولت على الدولة منذ فترة طويلة وعاشت على ريعها الاقتصادي.
وأضاف البنك الدولي: يستمر هذا الاستيلاء على الرغم من شدة الأزمة، وهي واحدة من بين العشرة الأوائل، وربما أكبر ثلاثة انهيارات اقتصادية في جميع أنحاء العالم منذ خمسينيات القرن التاسع عشر؛ لقد أصبحت تهدد استقرار البلاد على المدى الطويل والسلام الاجتماعي. ويُظهر تقرير أن الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للبنان قد انخفض بنسبة 58 في المائة في عامين، وكان التضخم عند 145 في المائة العام الماضي، وهو ثالث أعلى معدل في العالم، وانخفضت الإيرادات الحكومية إلى النصف، ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 183 في المائة في الدولة، علما أنه رابع أعلى مستوى في العالم.
على ما يبدو الصورة قاتمة بانتظار الانتخابات النيابية التي يشكك الكثيرون في إجرائها، وحتى تاريخه هل تكون مرحلة الرئيس سعد الحريري "مرحلة وعبرت"، أما سيقول اللبنانيون: في الليلة الظلماء يفتقد السعد؟