قضايا وآراء

تنظيم الدولة وقرداش.. بين العنكبوت ونجمة البحر

1300x600

شكل مقتل زعيم تنظيم الدولة أبو إبراهيم القرشي (عبد الله قرداش)، في عملية إنزال أمريكية في بلدة أطمة شمال غرب سوريا، على الحدود مع تركيا، ضربة قوية للتنظيم الذي لم يتعافَ بعدُ من الضربة التي تعرض لها أواخر عام 2019، كما تسببت بحرج كبير للإدارة الأمريكية نتيجة سقوط ضحايا مدنيين من نساء وأطفال خلال عملية الإنزال، فضلاً عن تدمير القوات الأمريكية الخاصة لمروحية أمريكية قالت المصادر الأمريكية إنه جرى استهدافها.


اللافت أن الحادث الذي تسبب بقتل المدنيين، أتى قبل أسبوع فقط من قرار وزير الدفاع الأمريكي بضرورة إعادة النظر في الغارات التي تسببت بمقتل مدنيين وصلت أعدادهم للآلاف، كما كشفت عنه وسائل الإعلام الأمريكية في تحقيقات صحافية مطولة؛ أظهرت استهدافا للمدنيين خلال غارات عدة في مناطق الجزيرة السورية بحجة مقاتلة داعش.

بلا شك فإن الحادث فرصة مهمة لمراجعة التطور الفكري والعملياتي للتنظيم خلال الفترة الماضية والمقبلة وتقصي آثاره، وفيما إذا كان سيُلقي بتداعيات وتأثيرات على التنظيم وتحركاته العملياتية، وعلى الساحة الداخلية والخارجية.

الحادث فرصة مهمة لمراجعة التطور الفكري والعملياتي للتنظيم خلال الفترة الماضية والمقبلة وتقصي آثاره، وفيما إذا كان سيُلقي بتداعيات وتأثيرات على التنظيم وتحركاته العملياتية، وعلى الساحة الداخلية والخارجية

الآن وبغض النظر عما إذا كان قرداش مبتور الرجل قد قتل خلال اشتباكات مع القوات الأمريكية، أو قام بتفجير نفسه وسط أهله وأولاده، لكن الواضح تماماً أن الضحايا المدنيين الذين تسببت بهم القوات الأمريكية الخاصة خلال عملياتها ضد التنظيم أكثر من أن تحصى، بخلاف تصفية تركة تنظيم الدولة ونشاطاته وتحركاته في إدلب طوال السنتين الماضيتين، بفضل جهاز الأمن العام في المحرر، إذ تم القبض على عشرات القيادات الداعشية، دون التسبب بمقتل مدنيين، أو التسبب بخراب ودمار كما حصل في الباغوز وغيره. والظاهر أن القيادات الداعشية حسمت خياراتها بتفضيلها الإقدام على تفجير نفسها وسط أهلها وأولادها؛ على مسألة تسليم نفسها وأهليها للقوات الأمريكية، وهو التكتيك الذي غاب تماماً حين الاشتباكات مع جهاز الأمن العام في الشمال المحرر، حيث يضمنون تسليم أهلهم إلى الجهاز وهيئة تحرير الشام.

بعد مقتل البغدادي خلال عملية الإنزال الأمريكية في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، انتهج التنظيم سياسة اللا مركزية أو ما يُعرف بسياسة نجمة السمك، حيث كل رجل فيه لديه عقل خاص به يتحرك ويقوم بمهامه ووظائفه، كما لو أنه المركز، بخلاف سياسة العنكبوت ذات الاستراتيجية المركزية، وهو ما عنى تماماً استنساخ تكتيك الذئاب المنفردة، لكن على مستوى الولايات التي يحكمها أمراء، لتغدو الولايات المنفردة تتمتع بصلاحيات كاملة في تنفيذ العمليات والتمويل ورعاية أسر القتلى والمعتقلين، وغيرها من نشاطات الأمير الرئيسي، حتى أن بمقدوره أن يعين خليفته فيما إذا شعر بالقتل أو الغياب لأي ظرف، وهو الأمر الذي سلكوه على مستوى أفغانستان وباكستان وغيرهما من المناطق، بما فيها سوريا.

الظاهر أن هجوم تنظيم الدولة الذي حصل أخيراً على سجن الصناعة في حي غويران بالحسكة، قد تسبب في الوصول إلى زعيم التنظيم عبد الله قرداش، حين تمكن الأمريكيون من رصد اتصالات بين المهاجمين وقرداش في أطمة. وتراوحت تقديرات كيفية كشف الأمريكيين عن هذه الاتصالات، بين من يعتقد أنهم التقطوا إشارات معينة توحي بقيادته للعملية، بينما أشارت مصادر أخرى إلى أن الأمريكيين اكتشفوا ذلك من خلال استجواب المعتقلين داخل السجن؛ الذين كانوا على تواصل مع المهاجمين من خارج السجن.

يبدو أن قرداش حاول أخيراً أن يُمسك مجدداً بخيوط اللعبة، فأراد أن يسجل رسالة صوتية عن عملية غويران، ليظهر بمظهر الممسك بالأوضاع، على غرار سلفه أبي بكر البغدادي، فكان ضحية المركزية التي أراد العودة إليها، بعد أن اتسمت المرحلة السابقة كلها باللا مركزية، أو بسياسة نجمة البحر.
يبدو أن قرداش حاول أخيراً أن يُمسك مجدداً بخيوط اللعبة، فأراد أن يسجل رسالة صوتية عن عملية غويران، ليظهر بمظهر الممسك بالأوضاع، على غرار سلفه أبي بكر البغدادي، فكان ضحية المركزية التي أراد العودة إليها، بعد أن اتسمت المرحلة السابقة كلها باللا مركزية، أو بسياسة نجمة البحر

اختيار إدلب من قبل قيادات تنظيم الدولة، ليستغل البعض إبرازها على أنها ملاذ آمن لقيادت التنظيم بعد مقتل البغدادي ثم قرداش فيها، ليس دقيقاً، بل ينبغي أن يُنظر إليه على أنه نتيجة للإهمال والتهميش الدوليين لخمسة ملايين مقيم في الشمال المحرر، محرومين من كثير من حقوقهم فضلاً عن حرمانهم من الاندماج مع العالم، مما شكل ملاذاً لمثل هؤلاء. وأبسط مثال على ذلك الافتقار للتقنية الحديثة في إصدار هويات وأنظمة تعقب ومراقبة على هؤلاء. ومع هذا فقد استطاعت إدلب خلال السنوات الماضية تطهير نفسها من قيادات وعناصر داعشية عاثت فساداً وسط المدنيين والأهالي ووسط الثوار أنفسهم، وكل هذا كان بفضل جهاز الأمن العام.

يبقى رأس الشر كله الذي بسببه ظهر داعش وظهر العنف، وتسبب في كل تلك المأساة، وهو سرطان يفتك بسوريا وبالعالم كله، ألا وهو بشار الأسد الذي نفذ 330 هجوماً كيماوياً بحسب تقرير ألماني. وما لم يتجه العالم بصدق وواقع عملي نحو خلع ومحاكمة طاغية الشام، فإن الوضع سيتدهور أكثر فأكثر، ولذا فكثير من أهالي الشام ليسوا معنيين بقتل البغدادي أو قرداش كثيراً، وإنما يهمهم التخلص من بشار الأسد وسدنته المحتلين، للعودة إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم التي هجروها نتيجة الاحتلالات المتعددة والمليشيات الطائفية العابرة للحدود.