تراجعت المواقف الدولية تجاه الأزمة السورية وتوجهت العديد من الدول إلى تغيير سياساتها في التعامل مع نظام الأسد كخطوة لصد النفوذ الايراني، الذي يخيف على حد سواء الغرب والعرب.
وقال موقع مودرن دبلوماسي في تقرير له، ترجمته "عربي21"، إنه خلال السنوات القليلة الماضية اتخذت العديد من الدول العربية خطوات نحو تطبيع العلاقات مع سوريا، إذ أعادت الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها هناك في عام 2018 ويعمل شركاء الولايات المتحدة الإقليميون المهمون مثل مصر والأردن على التداول مع دمشق مرة أخرى.
وأوضحت الصحيفة أن إدارة بايدن تبنت سياسة الانتظار والترقب، والآن بعد أن خسرت قوى التحول الديمقراطي الحرب الأهلية السورية، التي بدأت عام 2011، لصالح بشار الأسد ونظامه الاستبدادي، فإنه يبدو من المنطقي للولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى أن تعيد العلاقات مع سوريا وتنهي العقوبات، التي تؤذي الشعب السوري دون أمل كبير في تحويل البلاد إلى ديمقراطية ليبرالية.
ومع ذلك، فإنه يبدو بحسب الصحيفة، أن البعض في قوات الحرس لا يزالون يعتقدون أن المزيد من العقوبات ستدفع الأسد إلى الاعتراف بالهزيمة وتحويل سوريا إلى ديمقراطية، ولكن - من الناحية الواقعية - لا يستطيع الغرب الآن فعل الكثير للإطاحة بالأسد دون شنّ هجوم عسكري مباشر، إلا أن ذلك لا يُعد ضمانًا لتحويل سوريا إلى دولة ديمقراطية، وبدلا من فرض العقوبات المعتادة فإنه يمكن لسياسة أكثر سلمًا تهدف لإعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا أن تعزز أربع مصالح رئيسية بتكلفة قليلة.
اقرأ أيضا: هل عقدت روسيا وأمريكا اتفاقا لتخفيف الضغط عن نظام الأسد؟
وينوه التقرير إلى أن المصلحة الأولى تتعلق بالنفوذ الإيراني في سوريا والشرق الأوسط؛ حيث إن تطبيع العلاقات مع دمشق من شأنه أن يقلل من ذلك النفوذ ككل، خاصة أن الحرب الأهلية السورية، جنبًا إلى جنب مع العقوبات الغربية أضعفت الدولة ودفعتها للاعتماد على إيران للحصول على الدعم المالي والعسكري، حيث تتمتع إيران بحرية نسبية في نقل القوات والأسلحة في جميع أنحاء العراق وسوريا ولبنان، كما أن المليشيات الإيرانية تعمل بنشاط على الأراضي السورية وغالبًا ما يتم قصفها من قبل الإسرائيليين القلقين.
وذكر التقرير أنه إذا أعادت الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى الأخرى إقامة روابط اقتصادية مع سوريا، فستصبح دمشق أقل اعتمادًا على طهران في مواردها المالية، وفي نهاية المطاف، في بقائها العسكري أيضًا، وبعد تخفيف الضغط الدولي عن دمشق فإنه يُمكن للدول الغربية أن تشجع السوريين على الحد من علاقاتهم مع إيران إلى الحد الأدنى.
وعلى وجه التحديد فإنه - كما تحدث التقرير - يمكن للولايات المتحدة استخدام وجودها المتبقي في منطقة التنف وكردستان كورقة مساومة لانتزاع الامتيازات؛ حيث ستقلل هذه الخطوة من النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وتزيد من أمن إسرائيل، وتقلل من خطر التصعيد غير المقصود بين القدس وطهران، كما أن ذلك يمكن أن يضعف دور إيران في المعضلة النووية ويدفعها نحو التسوية.
وبخصوص المصلحة الاستراتيجية الثانية؛ فقد قال التقرير إن من شأن التعاون مع دمشق أن يخفف من قبضة روسيا على سوريا، ونظرًا لأن الدول الغربية والولايات المتحدة بشكل رئيسي ليس لديها علاقات مع سوريا وتفرض عليها عقوبات واسعة النطاق، فإن روسيا تتحول إلى راعية سوريا نتيجة لذلك، وليس أمام السوريين خيار سوى اتباع إرادة موسكو، مبينًا أن الهدف هنا ليس إخراج روسيا من سوريا، لأن الوجود الروسي في سوريا راسخ وسيظل كذلك في المستقبل المنظور، كما أن الأسد سيواصل الاعتماد على الأسلحة الروسية لإعادة بناء جيشه.
ويبين التقرير أنه من خلال إعادة بناء العلاقات مع سوريا فسيوفر الغرب لدمشق نفوذًا وقوة مساومة في تعاملاتها مع روسيا، ونظرًا لأن السوريين سيصبحون قادرين على قلب الدول الغربية ضد روسيا، فإن ذلك سيسمح لهم بالمناورة، وحتى عدم الرضوخ للروس أحيانا.
اقرأ أيضا: "خطوة بخطوة" مقاربة الأمم المتحدة لتأهيل النظام السوري
ويلفت التقرير - بخصوص المصلحة الثالثة - أن الغرب يحتاج إلى دولة سورية فاعلة لموازنة التوسع التركي؛ إذ لطالما كانت علاقات سوريا متوترة مع جارتها الشمالية، كما أن الأتراك يَقلقون أيضًا من زيادة الوجود العسكري الإيراني والروسي على حدودهم الجنوبية ويريدون السيطرة على نصيبهم من الأراضي السورية، وعندما انهارت سلطة الحكومة السورية في الحرب الأهلية انتهز الأتراك الفرصة لاحتلال الأراضي السورية والتغلب على الأكراد السوريين، حيث تسيطر أنقرة الآن على أجزاء من شمال سوريا.
وأضاف التقرير، أن الغرب لا يهتم كثيرًا بالسماح لتركيا بالتوسع في جميع الاتجاهات والإطاحة بتوازن القوى في المنطقة، ويحتاج الغرب - مع ذلك أيضًا - إلى إبقاء تركيا إلى جانبه حتى لا تتحد مع الصين أو روسيا، حيث تتمثل إحدى طرق وقف التوسع التركي مع تجنب الاصطدام مع أنقرة في إصلاح العلاقات مع سوريا، وذلك من خلال السماح للاقتصاد السوري بالعودة إلى وضعه الطبيعي وإعادة بناء الدولة السورية، وهو ما سيمكن دمشق من حشد القوة المتبقية لمقاومة الطموحات التركية، وإخراج الأتراك من أراضيها، على المدى الطويل.
ويشير التقرير إلى أن المصلحة الإستراتيجية الرابعة والأخيرة ترتبط بالوضع الاقتصادي السوري؛ حيث أكد أن تطبيع الاقتصاد السوري يمكن أن يساعد في الحد من الهجرة الجماعية للاجئين؛ فقد تسببت الحرب الأهلية الوحشية إلى جانب الانهيار الاقتصادي، في تشريد عشرات الملايين من اللاجئين الذين توجّه أكثر من مليون منهم نحو أوروبا، وقد أدى هذا التدفق إلى توترات داخل وبين الدول الأوروبية تسببت في تأجيج الانقسامات السياسية بين المؤيدين والمعارضين للاجئين.
ويتابع التقرير، فيقول إنه في خضم هذه الأجواء المتوترة، لم يكن لدى الدول الأوروبية طاقة كافية للتركيز على التحدي الذي تخلقه روسيا، ولهذا فإن تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا والسماح لاقتصاد البلاد بالعمل بشكل طبيعي سيساعد على تقليل رغبة الناس في الهجرة، ما من شأنه أن يخفف من حدة التوترات السياسية في أوروبا الغربية، التي ستجد حرية أكبر لمواجهة التحدي المتمثل في الدفاع عن أوروبا الشرقية ضد روسيا الصاعدة.
ويؤكد التقرير أن فرض عقوبات على سوريا وعزل النظام يضر بالشعب السوري دون مقابل، خاصة بعد فشل الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى في دفع سوريا نحو الديمقراطية الليبرالية، مشيرا إلى أن هذه العزلة ستفتح الباب أمام القوى الخارجية لكسب موطئ قدم على الأراضي السورية وتطيل اعتماد دمشق على إيران وروسيا من أجل البقاء.
وبين التقرير - في النهاية - أنه على الرغم من أن سياسة الانفتاح وإلغاء العقوبات تجاه دمشق قد لا تؤتي ثمارها على الفور، إلا أنها ستساعد إلى حد كبير في إعادة توازن سياسات الشرق الأوسط من خلال منح سوريا، إحدى أهم دول المنطقة، وسائل الحفاظ على استقلالها وسيادتها ضد الجيران الطموحين والقوى العظمى البعيدة.
هل ستعيد حكومة بريطانيا أموال روسيا مع تهديدات بوتين بالحرب؟
ذي أتلانتك: بوتين يسعى لدفن الماضي وتشكيل الحاضر
NYT: أزمة أوكرانيا قد تتحول إلى صراع طويل يستهلك الغرب