الأزمة الإنسانية في سوريا أصبحت حاليا أسوأ من أي وقت مضى
أكثر من 13 مليون سوري تأثروا بالحرب والاضطهاد المستمرين بخلاف تهجير 6.2 مليون شخص
فصل الشتاء الحالي كان الأقسى على السوريين حتى الآن ورصدنا قصصا مروّعة للغاية
وثقنا وفاة بعض الأطفال بسبب ظروف الشتاء القاسية والسيئة وبسبب ظروف سكنهم
يجب على المجتمع الدولي بذل كل ما في وسعه لتحسين حالة حقوق الإنسان داخل سوريا
نطالب جميع أطراف النزاعات باحترام القانون الدولي الإنساني احتراما كاملا
دعت مديرة الإعلام وشؤون الدفاع عن حقوق اللاجئين في مكتب الاستجابة للأزمة السورية بمنظمة الرؤية العالمية (وورلد فيجن)، الكساندرا ماتييه، إلى "إنهاء فوري للنزاع المسلح الجاري في سوريا، وإيجاد حل سياسي وديمقراطي للحرب المستمرة يكون تحت قيادة الأمم المتحدة، وذلك من أجل وضع حد لمعاناة السوريين المتفاقمة".
وقالت "ماتييه"، في مقابلة خاصة مع "ضيف عربي21"، إن "الأزمة الإنسانية في سوريا بعد مرور 11 عاما على اندلاع الحرب فيها أصبحت أسوأ من أي وقت مضى؛ فقد تأثر أكثر من 13 مليون سوري بالحرب والاضطهاد المستمرين، مع تهجير 6.2 مليون شخص بينهم 2.5 مليون طفل".
وأكدت الحقوقية الدولية أن "سوريا تشهد أسوأ أزمة في حماية الأطفال على مستوى العالم"، مشدّدة على أن "الأطفال أينما كانوا، لا سيما في سياق الحروب، يجب أن يكونوا في مأمن من أي شكل من أشكال العنف".
ولفتت إلى أن "سوريا واجهت هذه السنة شتاءً هو الأقسى حتى الآن، حيث انخفضت درجة الحرارة إلى 14 درجة تحت الصفر، وغطت الثلوج المخيمات، حيث تعيش 1.7 مليون امرأة وفتاة في خيام مكتظة ومبان ومنشآت غير مكتملة، ونحن نرصد قصصا مروّعة للغاية كل شتاء"، منوهة إلى وفاة بعض الأطفال بسبب "ظروف الشتاء القاسية والسيئة، وبسبب ظروف سكنهم".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "ضيف عربي21":
بعد مرور 11 عاما على الحرب السورية.. كيف ترون ما وصلت إليه أوضاع حقوق الإنسان هناك؟
ما زلنا نشهد أسوأ أزمة في حماية الأطفال على مستوى العالم. بعد مرور 11 سنة على النزاع السوري، أصبحت الأزمة الإنسانية أسوأ من أي وقت مضى. لقد تأثر أكثر من 13 مليون سوري بالحرب والاضطهاد المستمرين، مع تهجير 6.2 مليون شخص بينهم 2.5 مليون طفل.
تسجّل منظمة "وورلد فيجن" انتهاكات لحقوق الإنسان لا تزال مستمرة بلا هوادة من قِبل جميع أطراف النزاع، ولا تزال الانتهاكات الخطيرة ضد الأطفال مرتفعة بشكل مقلق.
يسلّط تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المُقدّم إلى مجلس الأمن في شهر حزيران/ يونيو الماضي حول الأطفال والنزاع المسلح الضوء على الانتهاكات المُرتكبة في حق الأطفال من قِبل الجهات المتورطة في النزاع. وتشمل الانتهاكات المزعومة الإفلات الكامل والشامل من العقاب، وقتل وتشويه الأطفال، وتجنيدهم أو استخدامهم كجنود، والعنف الجنسي ضد الأطفال، واختطاف الأطفال، والهجمات على المدارس والمستشفيات، وحرمان الأطفال من الوصول إلى المساعدات الإنسانية. يجب أن يتوقف كل هذا الآن.
وكيف تنظرون التكلفة الاقتصادية اليوم لهذه الحرب؟
واجهت منظمة "وورلد فيجن" خلال السنة الماضية تحديا يتمثل في معرفة تأثير عشر سنوات من الحرب السورية على الأطفال وحقوق الطفل وعلى النمو الاقتصادي لسوريا من حيث الناتج المحلي الإجمالي ورأس المال البشري، مع التركيز بشكل خاص على الأطفال السوريين.
كانت النتائج مثيرة للقلق إلى حد كبير، فقد كلّفت الحرب السورية 1.2 تريليون دولار من أموال اليوم ويمكن أن تنضاف إليها 1.4 تريليون بحلول سنة 2035. هذا إذا توقفت الحرب الآن، أما إذا لم تتوقف لكم أن تتخيلوا تأثيرها على قطاع التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية التي يحتاجها الأطفال.
كل هذا نتيجة لسلسلة مستمرة من الانتهاكات التي تُرتكب في حق الأطفال أنفسهم - فتيانا وفتيات - والتكلفة الاقتصادية الباهظة والفرص الضائعة للأجيال القادمة. ولذلك نحن ندعو الجميع إلى وقف الحرب الآن إذا أردنا التأكد من أننا لا نخسر جيلا.
مَن هي الفئات الأكثر تضررا بالحرب السورية؟
سوريا ليست بلدا آمنا، وهذا ما يشهد به الأطفال الذين تحدثت إليهم منظمة "وورلد فيجن" في كل من الأردن وسوريا ولبنان خلال السنة الماضية، ومؤخرا أيضا في مطلع هذه السنة مع أطفال سوريين داخل مخيمات الأرامل.
جميعهم يريدون السلام، وأكثر من 80% من الأطفال اللاجئين الذين تحدثنا إليهم لا يعتقدون أنهم سيكونون قادرين على العودة إلى سوريا خلال العامين المقبلين. كما يشترك أولئك الموجودون داخل البلاد مخاوف مماثلة.
لكننا قلقون أكثر بشأن الأطفال والنساء القادمين من الأماكن التي يصعب الوصول إليها في مخيمات الأرامل في شمال غرب سوريا، حيث عشرات الآلاف من الأرامل وغيرهن من النساء الوحيدات بما في ذلك النساء المطلقات اللائي فقدن أزواجهن وأطفالهن، يعشن في 28 مخيما بالكاد يمكن الوصول إليها في جميع أنحاء المنطقة.
إذ تواجه تلك النساء وأطفالهن مستويات دائمة ومرتفعة من العنف على غرار الإهمال وعمالة الأطفال والاعتداء اللفظي والجسدي والجنسي، بما في ذلك زواج القُصّر. والأولاد على وجه الخصوص معرضون لخطر التجنيد من قِبل الجماعات المسلحة ثم التطرف لاحقا، وذلك لأن الأولاد الذين تزيد أعمارهم عن 11 سنة يعتبرون ذكورا بالغين من قِبل المجتمع، ويُجبرون على مغادرة المخيمات ومفارقة أمهاتهم إلى مصير مجهول، دون آفاق عمل ولا مستقبل.
تتطلع منظمة "وورلد فيجن" إلى دعم هذه الفئات الضعيفة بالذات عبر شمال غرب سوريا، وجميع تلك الفئات التي يصعب الوصول إليها والأكثر ضعفا.
ما أبرز انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا خلال عام 2021؟
وفق رصدنا ومتابعتنا، كان أبرز انتهاك لحقوق الإنسان داخل سوريا خلال سنة 2021 هو صعوبة الوصول إلى المساعدات الإنسانية، التي تكتسي أهمية بالغة لدعم وتوفير الخدمات اللازمة للسكان المحتاجين. وسوريا هي الدولة الأكثر خطورة في تقديم المساعدة الحيوية والخدمات الإنسانية، حيث قُتل 272 من عمال الإغاثة اعتبارا من كانون الأول/ ديسمبر 2020.
وأدى منع وصول المساعدات الإنسانية في الواقع إلى حرمان الأطفال من خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي والتعليم والرعاية الصحية والمأوى والغذاء والمياه النظيفة والصرف الصحي بالإضافة إلى الحماية.
علاوة على ذلك، يتفاوض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كل سنة على فتح المعبر الحدودي الذي يوفر وصول 8 وكالات تابعة للأمم المتحدة إلى شمال غرب سوريا وأجزاء أخرى من شمال سوريا. وفي كل سنة، تقل فرص 20 ألف امرأة سورية وما يقارب 53 ألف ناجٍ على أساس الجنس، بما في ذلك الأطفال أنفسهم، للوصول إلى الأنشطة التي تهدف إلى معالجة الصدمات النفسية التي تعرضوا لها وتقديم الدعم ومنع العنف الجنساني ضدهم.
كما أن 75% من جميع الضحايا الأطفال الذين تم الإبلاغ عنهم في جميع أنحاء سوريا السنة الماضية من الشمال الغربي إلى جانب الإبلاغ عن استهداف 9 من كل 10 هجمات المدارس وتجنيد 7 من كل 10 أطفال واستغلالهم في الصراع. هذا غير مقبول، وباعتبارها منظمة لحقوق الطفل، تدعو منظمة "وورلد فيجن" إلى حماية هؤلاء الأطفال والتأكد من عدم تعرضهم للأذى.
كيف تابعتم فصل الشتاء الحالي في سوريا وآثاره؟ وهل اختلف عن فصول الشتاء الأخرى أم لا؟
منذ بداية الحرب سنة 2011، تولت منظمة "وورلد فيجن" مهمة دعم النازحين السوريين. لكن سوريا واجهت هذه السنة شتاءً هو الأقسى إلى حد الآن، حيث انخفضت درجة الحرارة إلى 14 درجة تحت الصفر، وغطت الثلوج المخيمات، حيث تعيش 1.7 مليون امرأة وفتاة في خيام مكتظة ومبان ومنشآت غير مكتملة.
رغم خوف الأمهات الدائم على حياة أطفالهن، إلا أن الأطفال أنفسهم ماتوا في أحد معسكرات الأرامل بالفعل بسبب ظروف الشتاء القاسية والسيئة وبسبب ظروف سكنهم. كما تعرضت 66 ألف خيمة لأضرار جزئية في منتصف فصل الشتاء في شهر كانون الثاني/ يناير، بينما تضررت حوالي 1700 خيمة تماما سواء كان ذلك بسبب الثلوج أو بسبب هطول الأمطار الغزيرة.
يواجه هؤلاء الأشخاص داخل مخيمات النازحين السوريين الخيار الأصعب: إما أن يحافظوا على سلامتهم من القصف الذي يقتل المدنيين كل يوم تقريبا، أو أن يختاروا بين الطعام أو غاز التدفئة.
كما يتعين عليهم اتخاذ خيار آخر، وهو ما إذا كان بإمكانهم تحمل تكاليف الحفاظ على صحتهم من فيروس كوفيد-19 وأنواع أخرى من الأمراض. إن وضعهم صعب، ونحن نشهد مثل هذه الأزمات كل شتاء وكل عام، ونسمع نفس القصص المروّعة.
لوضع حد لمعاناتهم، ينبغي التأكد من مدى قدرة الجهات الفاعلة الإنسانية على توفير المساعدة التي يحتاجها هؤلاء الأشخاص في خضم الوباء العالمي، إنهم يحتاجون إلى أدوية وإلى معدات صيدلانية وإلى العيادات الصحية المفتوحة التي يمكنهم بالفعل الذهاب إليها.
هناك منظمات دولية أكدت أن الأمم المتحدة قدمت ملايين الدولارات للنظام السوري أو مُقربين منه.. كيف ترون ذلك؟
إن تعقيد عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أدى بالفعل إلى الحد من قدرة المجتمع الدولي والمنظمات المحلية والمنظمات الدولية على تقديم المساعدات الإنسانية، خاصة عندما يتعلق الأمر بدفع الرواتب، أو استيراد بعض المواد، أو تلقي الأموال الممنوحة لأنشطتها.
ما نحتاج للتأكد منه هو أن المجتمع الدولي يراجع ويعالج الآثار السلبية لهذه العقوبات على المدنيين داخل سوريا، وفقا للتوصيات التي سبق أن قدمتها المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأثر السلبي للإجراءات القسرية الأحادية على التمتع بحقوق الإنسان، التي حددت بالفعل المخاوف السورية بشأن حقوق الإنسان نتيجة تطبيق قانون قيصر، بما في ذلك الحق في السكن والرعاية الصحية، ومستوى المعيشة اللائق، والتنمية.
هل من الممكن تحسين أوضاع حقوق الإنسان في سوريا؟
تدعم "وورلد فيجن" الشعب السوري داخل البلاد منذ بداية الحرب، وتؤمن حقا أنه يجب على المجتمع الدولي بذل كل ما في وسعه لتحسين حالة حقوق الإنسان داخل سوريا.
لهذا السبب، علينا التأكد من أن جميع أطراف النزاع تهدف إلى إنهاء النزاع المسلح الجاري، وإيجاد حل سياسي وديمقراطي للحرب المستمرة يكون تحت قيادة الأمم المتحدة.
يجب على جميع أطراف النزاعات أيضا احترام القانون الدولي الإنساني الذي يجنب ويحمي السكان المدنيين من مخاطر النزاع المسلح احتراما كاملا، لا سيما اتفاقية حقوق الطفل.
ونحن نؤمن بأن الأطفال أينما كانوا، لا سيما في سياق الحروب، يجب أن يكونوا في مأمن من أي شكل من أشكال العنف.