أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه إزاء إصدار المحكمة الاتحادية العليا في
العراق قرارًا يقضي بإلغاء
لجنة "التحقيق في قضايا
الفساد والجرائم المهمة"، والتي شُكلت قبل نحو عام ونصف بموجب أمر ديواني صادر عن رئيس الوزراء، حيث كانت تضطلع بالتحقيق في قضايا الفساد الكبرى والجرائم الاستثنائية.
وذكر المرصد الأورومتوسطي في بيان صحفي الاثنين، أرسل نسخة منه لـ
"عربي21"، أنّ المحكمة الاتحادية العليا أصدرت في 2 آذار (مارس) الجاري قرارًا يقضي بعدم صحة الأمر الديواني رقم (29) لسنة 2020 المتضمن تشكيل لجنة دائمة للتحقيق في قضايا الفساد والجرائم المهمة وإلغائه، بزعم "مخالفة اللجنة لأحكام الدستور التي تضمن حماية حرية الإنسان وكرامته ولمبدأ الفصل بين السلطات ولمبدأ استقلال
القضاء واختصاصه بتولي التحقيق والمحاكمة، ولكون الأمر المذكور يعد بمثابة تعديل لقانون هيئة النزاهة كونها هيئة دستورية تختص في التحقيق في قضايا الفساد المالي والإداري".
وقال المرصد الأورومتوسطي إنّه يخشى أن يكون القرار انتقائيًا أو مدفوعًا بضغوط من جهات متنفذة، إذ لا يمكن النظر إلى قرار
إلغاء لجنة كانت تتولى مهام مكافحة الفساد على أنّه طبيعي، في حين لا يتم التركيز على ملفات أخرى قد تكون أكثر إلحاحًا مثل محاسبة المتورطين في قتل المتظاهرين، ومتابعة تصاعد الوفيات داخل السجون بسبب ظروف الاحتجاز السيئة، وغيرها من القضايا ذات الأهمية.
وأشار إلى أنّ أيّ تجاوزات كانت اللجنة قد ارتكبتها أثناء عملها، كان من الأجدر أن تُحال للجهات المختصة ليتم التحقيق فيها ومن ثم محاسبة كل من يثبت تورطه فيها، لا أن يكون ذلك مبررًا لإلغاء اللجنة بشكل نهائي.
ومنح رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي اللجنة المُلغاة حين تشكيلها (شُكّلت بتاريخ 27 أغسطس/ آب 2020 برئاسة الفريق أحمد أبو رغيف وعضوية ضباط من وزارة الداخلية وأجهزة المخابرات والأمن الوطني، وهيئة النزاهة) صلاحيات واسعة، حيث بدا أنّها أحرزت تقدمًا ملحوظًا في مجال مكافحة الفساد، ونتج عن عملها اعتقال مسؤولين كبار وسياسيين معروفين بتهم تتعلق بالفساد، من بينهم وزراء سابقون ورؤساء هيئات ورجال أعمال، وقيادي بارز في الحشد الشعبي.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلن الكاظمي أنّ اللجنة تمكنت خلال عام واحد من استرداد أموال منهوبة من الخارج، وكشف ملفات فساد لم تُكشف منذ 17 عامًا.
ولفت المرصد الأورومتوسطي إلى أنه من الناحية القانونية، فإنّ اللجنة من حيث المبدأ أنشئت على نحو لا يبدو أنّه يخالف الاختصاصات الممنوحة لرئيس الوزراء بموجب الدستور العراقي، إذ نصّت المادة (80/1) من الدستور على أن يمارس مجلس الوزراء صلاحيات منها "تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة والخطط العامة والإشراف على عمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة".
وبيّن أنّ النص الدستوري الذي يمنح مجلس الوزراء مهمة "تنفيذ السياسة العامة للدولة" قد يتيح لرئيس الوزراء تشكيل لجنة لمكافحة الفساد، ذلك أنّ العمل على مكافحة الفساد يدخل ضمن السياسات العامة التي من المفترض أن يضطلع بتنفيذها المسؤولون العراقيون.
وذكر أنّ تشكيل اللجنة كان على ما يبدو معززًا لدور هيئة النزاهة وليس متجاوزًا لها، إذ نصّ الأمر الديواني الذي أنشئت بموجبه اللجنة على أن تضم في عضويتها ممثلاً عن هيئة النزاهة لا تقل درجته عن مدير عام.
وأكّد أنّ اللجنة اقتصر دورها على التحقيق ومن ثم إحالة المتهمين للقضاء، ولم تمارس أدوارًا يُمكن أن تدخل في إطار التغوّل على السلطة القضائية وإنما كانت داعمة لها. كما أنّ مجلس القضاء الأعلى الذي تتبع له المحكمة الاتحادية سبق أن شكّل في 15 أكتوبر/ تشرين أول 2020 لجنة تحقيق في القضايا المعروضة من قبل اللجنة المُلغاة.
وقال الباحث القانوني في المرصد الأورومتوسطي عمر عجلوني: "قرار المحكمة الاتحادية خطوة إلى الوراء في مجال مكافحة الفساد في العراق، وقد يمثل رضوخًا لاعتراضات الجهات المستفيدة من غياب الرقابة الفعّالة على المال العام. لقد ابتعدت المبررات القانونية التي ساقتها المحكمة الاتحادية لحل اللجنة عن تطبيق روح القانون بشكل واضح".
وأضاف: "إنّ مهمة محاسبة المتورطين في قضايا الفساد المالي والإداري تأتي في صلب تطبيق معايير النزاهة والشفافية، والتي ينبغي على جميع السلطات في البلاد تذليل الصعوبات أمام تحقيقها، خصوصًا في ظل وجود شبهات في قضايا فساد مزعومة قد تصل إلى مئات مليارات الدولارات بحسب تقديرات غير رسمية، حيث ينبغي في هذه الحالة على صناع القرار اتخاذ إجراءات استثنائية لمعالجتها".
ويحتل العراق ترتيبًا متأخرًا في مؤشر مدركات الفساد لعام 2021 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، إذ يقع في الترتيب الـ157 من أصل 180 دولة شملها المؤشر، ما يدلل على تفشٍ واسع للفساد في مفاصل الدولة المختلفة.
ودعا المرصد الأورومتوسطي جميع الأطراف الفاعلة في العراق إلى الحفاظ على الجهود المبذولة لمكافحة الفساد، وتعزيزها بدلًا من عرقلتها، والابتعاد بشكل مطلق عن أي محاولات للتأثير على عمل الهيئات المختصة بمكافحة الفساد الذي يعد من أهم العوامل التي تُعيق جهود التنمية في البلاد.
وحث المرصد الأورومتوسطي السلطات العراقية على اتخاذ إجراءات استثنائية لمكافحة ظاهرة الفساد المستشري في البلاد، بما في ذلك إدخال تعديلات ضرورية على قانون هيئة النزاهة وخصوصًا في مجال فرز تهم الفساد، لتركيز التحقيق على القضايا الأكبر ومعالجتها.