تتصاعد المخاوف
في ليبيا، من تحول الصراع السياسي بين حكومتين إلى نزاع مسلح، رغم تأكيدات الرئيسين المتنافسين فتحي باشاغا وعبد الحميد الدبيبة على ضرورة التداول السلمي للسلطة، بينما يبدو أن الصراع أكبر من مواقفهما.
ومطلع السنة
الماضية، احتفت مدينة جنيف السويسرية بمشهد انتخابات جسم سياسي جديد، ارتأت خلاله لجنة
الـ75 الليبية المشكلة من الأمم المتحدة أن يكون فيه رئيس المجلس الرئاسي من الشرق إضافة لنائبين في الغرب مع رئيس
حكومة من الغرب ونائبين من الشرق والجنوب على التوالي، فيما ستكون رئاسة
البرلمان من الجنوب مع نائبين من الغرب والشرق.
وفي مشهد
دراماتيكي وعلى عكس التوقعات، فازت قائمة محمد المنفي وعبد الحميد الدبيبة بالانتخابات،
أمام قائمة عقيلة صالح وفتحي باشاغا، رغم اتهامات باستعمال رشاو مادية وسياسية،
لكن لم يثبت ذلك.
هذا المشهد
السياسي الفريد، لم يأت صدفة، فقد شكلت نواته المستشارة الخاصة للأمين العام
للأمم المتحدة بليبيا، الأمريكية ستيفاني ويليامز، عندما كانت تشغل منصب المبعوث
الأممي بالإنابة.
وكان التحرك
الأمريكي، بناء على رغبة من الولايات المتحدة لدخول ليبيا مرحلة من الاستقرار
السياسي، بعد حرب حفتر على العاصمة طربلس وما تخلله من مشاركة إقليمية ودولية في
القتال، خاصة الوجود الروسي.
ولدى الخارجية الأمريكية، يوصف الملف الليبي بأنه "ملف مسموم"، حيث يتعامل معه المسؤولون
الأمريكيون بحذر شديد، بحسب ما قال مسؤول أمريكي رفيع المستوى لمراسل "عربي21" بوقت سابق.
ويبدو أن "سمية"
الملف، تكمن أساسا في عدم الاستقرار السياسي وطبيعة ثقل الشخصيات السياسية في الغرب
الليبي مقابل الجنرال حفتر، الذي لقي دعما هاما من روسيا إبان حربه على طرابلس.
ومضت حكومة
الدبيبة في عملها، في حين مضى اللاعبون المحليون في التجهيز للانتخابات التي قررت بضغط
من أطراف داخلية، لكن جل الأوراق بعثرت عند خط الوصول، فقد تم تأجيل الموعد
الانتخابي لأسباب عدة من بينها الجاهزية التقنية والمشاكل القضائية وأيضا ترشح
الدبيبة الذي تعهد بعدم الترشح إبان انتخابه وكذلك ظهور سيف الإسلام القذافي على
الساحة السياسية لأول مرة.
كل ما سبق، سبب
ربكة شديدة لدى الأطراف السياسية المحلية والدولية، بحسب محللين، فكان الحل في إعادة إحياء
الأجسام السياسية عبر خارطة طريق جديدة لمدة محددة، خوفا من انقضاء المدة المحددة
السابقة في جنيف، ومعها تكليف حكومة جديدة، وهو ما حدث فعليا.
وهنا يبرز التساؤل،
كيف يمكن تقييم تداعيات الصراع الحالي على المشهد السياسي في البلاد؟
وفي هذا الصدد،
قال الناشط السياسي الليبي موسى ترسي، لـ"عربي21" إن السبب الحقيقي
للصراع في ليبيا هو التدخل الخارجي خاصة الأمريكي الغربي الذي عمل على تعزيز
انقسام ليبيا إلى دويلات وتعميق الانقسام الداخلي مستقبلا، حيث ظهر ذلك جليا عندما
عمل الغربيون على الدفع بالأمور باتجاه إجراء الانتخابات في 24 من كانون الأول/ ديسمبر
الماضي رغم الانقسام السياسي الحاصل آنذاك وسيطرة قوات حفتر على الشرق والجنوب
وعدم وجود مؤسسات موحدة.
وأضاف ترسي أن "ظهور
المرشح سيف الإسلام القذافي المدعوم من روسيا، أرغم الغربيين على التملص من
مواقفهم الداعية لإجراء الانتخابات في موعدها خوفا من احتمالية صعود النفوذ الروسي
في ليبيا، وهذا هو ما يعيب مشروع السيد
الدبيبة الذي يدعو بموجبه إلى إجراء انتخابات في شهر يونيو المقبل خاصة أن خصومه
السياسيين يسيطرون على ثلثي البلاد ويشاركونه في الثلث الأخير عبر شريكهم باشاغا".
مخاوف من الإقصاء
من جهته، يدعم
الناشط السياسي حمزة تركية إجراء انتخابات برلمانية والاستفتاء على الدستور بعيدا
عن طموحات حكم العسكر، معتبرا أن "أي حكومة موازية سوف تطيل الأزمة".
وأفاد بأن "تصويت البرلمان على اختيار حكومة جديدة في هذه الفترة
الصعبة رغم تطلع الليبيين لانتخابات رئاسية وبرلمانية، جاء برغبة من تحالف رئيس
البرلمان عقيلة صالح ووزير الداخلية السابق فتحي باشاغا والجنرال خليفة حفتر
بسبب مخاوف من أن الانتخابات قد تقصيهم من المشهد السياسي نهائيا".
وأضاف تركية أنه "في ظل ما قدمه الدبيبة من خدمات ملموسة للشعب الليبي
من قروض ومنح زواج وبعض المشاريع، رأى بعض الأشخاص أن هذه "الإنجازات"
قد تضعف من حظوظهم في الانتخابات إضافة لدخول سيف الإسلام القذافي غمار السباق
الرئاسي الذي أربك المشهد برمته".
وتابع: "أعتقد أن خلط الأوراق في المرحلة الحالية كان بغية تمديد
المرحلة الانتقالية لفترة أخرى للبرلمان وخاصة عقيلة صالح وحفتر وباشاغا".
فشل حفتر والمخابرات المصرية
بدورها، قالت الناشطة
السياسية نادين الفارسي، إن "حفتر ومن ورائه المخابرات المصرية يسعيان لشق الصف ونزاع داخلي في العاصمة طرابلس ومدن مصراتة والزاوية في الغرب الليبي، عبر مشروع
حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا".
وأوضحت الناشطة
السياسية لـ"عربي21"، بالقول إنه "لن يكون هناك انقسام في هذه
المدن لأن أصحاب النفوذ والقوى العسكرية رافضون لأي
مشروع يخرج من رحم البرلمان والمخابرات المصرية والدول الداعمة لمشروع حكومة
جديدة برئاسة فتحي باشاغا".
وأضافت الفارسي أن "هناك محاولات لإغراء بعض الوزراء بعروض مالية
كبيرة ومناصب بالدولة مستقبلا، كما أن هناك تهديدات لبعض المسؤولين بحكومة الوحدة
الوطنية من وزراء ووكلاء وخاصة من هم من الشرق الليبي أو لديهم عائلات هناك".
عقيلة صالح
من جانبه، قال
الناشط السياسي موسى ترسي إن "حفتر لم يعد لاعبا رئيسا في الصراع الليبي
السياسي في هذه المرحلة فهو لا يجيد اللعبة السياسية بقدر إجادته للعبة العسكرية،
لذا فمن يقود اللعبة السياسية في الشرق هو عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي الذي
يحيك هذه العمليات من خلال سلطته التشريعية المتمثلة في البرلمان الليبي".
وأضاف ترسي لـ"عربي21": "هذه المرة كسب عقيلة صالح الرهان في خلط الأوراق خاصة
في الغرب الليبي، حيث عمل على إحداث شقاق داخل صفوف من تصدوا للعدوان على طرابلس
فبذلك حقق ما عجز عن تحقيقه عبر العمليات العسكرية في الغرب الليبي التي كلفت ليبيا خسائر فادحة وأعادت البلد إلى الوراء أربعين سنة".
باشاغا أم الدبيبة؟
وأوضح ترسي: "أرى أن باشاغا رغم اختلافي معه، بأنه الأجدر لقيادة ليبيا، كونه يمتلك فرصا أكبر لتوحيد المؤسسات في البلاد وعلى رأسها المؤسسة العسكرية لأنه يحظى بإجماع
الفرقاء الليبيين وخاصة معسكر الشرق الليبي المتمثل بحفتر وعقيلة، وبذلك يراودني الأمل بأن تتحد البلاد عبر إجراء
انتخابات موحدة في عموم ليبيا".
وتابع: "هذا ما لا يستطيع الدبيبة تحقيقه، لأنه
أراد أن يكون شعبويا أكثر من اللزوم حتى أصبح خصما لمعسكر شرق ليبيا الذي كان
بالإمكان أن يلعب معه توازنات سياسية".
وأضاف: "أيضا
لا يمكن للدبيبة أن يعمل على إجراء انتخابات في ظل الانقسام الحاصل في البلاد
وخاصة بالنظر للرقعة الجغرافية التي تسيطر عليها قوات حفتر".
وبين الناشط
السياسي الليبي لـ "عربي21" أن "العيب بمشروع باشاغا هو أنه يعطي إكسير
الحياة للبرلمان الليبي ويمدد من فترة بقائه وهذا ما يرفضه عموم الليبيين وهذه
واحدة من أسباب استعداء الكثيرين لمشروع باشاغا ولسان حالهم ليس حبا في الدبيبة
ولكن كرها في مجلس النواب الذي سيستمر لسنتين أخريين".
بعد العودة لسلطة "الحكومتين".. هل تعود الحرب إلى ليبيا؟
الأسد مستعد لمساعدة روسيا ويتجاهل معاناة السوريين
كيف ستؤثر الحرب في أوكرانيا على الأوضاع باليمن؟